ما تتوقع مصير المليشيات والعناصر المسلحة ؟؟؟- البروفيسور جعفر الخفاف



 

كثيرون في الشرق الأوسط، وبخاصة في العالم العربي، يتساءلون حول مصير الميليشيات المدعومة من “الجمهورية الإسلامية” (التي يطلق عليها في واشنطن صفة الميليشيات الإيرانية)، والتي تسيطر عملياً، كليا أو جزئياً، على أربع دول عربية. والتساؤل يتصاعد مع تطورين أخيرين، وهما الاتفاق السعودي – الإيراني وقرارات القمة العربية الأخيرة في جدة، التي كان لها موقف مبدئي واضح من هذا الملف.

فقمة بكين أرست قواعد فك الاشتباك الإقليمي بين البلدين، وبين الدول العربية الأخرى، بما فيها سوريا. وأمنت السعودية إيقاف الضربات الحوثية على أراضيها وأراضي حلفائها. وأعطت الرياض طهران مدة شهرين، ستمدد، لإثبات حسن النوايا الإيرانية وحل مشكلات الميليشيات الأخرى، مما يعني أنه ينبغي على السلطة في إيران أن تختار بين حث الميليشيات على الاستمرار باعتداءاتها على الدول العربية، وعلى رأسها السعودية، أو خسارة “البحبوحة” الاقتصادية التي وعدت بها الصفقة الصينية. ويبدو حتى الآن أن النظام اختار طريق التطبيع مع السعودية بدلاً من الإرهاب. ويبقى السؤال الثاني حول تعميم هذه المعادلة على سائر الدول العربية. فهل ستطبق طهران بروتوكولها مع الرياض في الدول العربية الثلاث الأخرى: العراق وسوريا ولبنان؟

الجامعة العربية في بيانها الختامي أكدت تمسكها بحلول تنهي دور الميليشيات، و”تحصر دور أمن الدول في جيوشها وقواها الأمنية”، مما يشكل إعلاناً تجاه كل الميليشيات في المنطقة، الإسلامية – الإخوانية منها، وتلك المرتبطة بإيران. على كل الميليشيات في نهاية المطاف أن تختفي لصالح الدول. والأسئلة تبقى: هل ستقبل إيران بفكفكة الميليشيات ونزع سلاحها ورفع هيمنتها عن مختلف الدول التي تسيطر عليها؟ وهل ستتعاطى طهران مع وضع كل دولة عربية بمعزل عن الأخرى؟

الاستراتيجية الإيرانية

التكهن المبني على ممارسات الماضي والواقع الظاهر على الأرض، إضافة إلى تركيبة القوة الإقليمية “للجمهورية”، يحتم أمرين. الأول هو، وسيبقى، تمسك طهران بشبكة الميليشيات التابعة لها في الشرق الأوسط لأسباب طبيعية، وتتلخص بأن النظام غير قادر على أن يتخلى عن عصب قوته الإقليمية الذي يسيطر على أربع دول تمثل توسعه باتجاه الخليج والجزيرة العربية، وهو العراق، ووصوله إلى البحر المتوسط وإلى جبهة مواجهة مع إسرائيل عبر سوريا ولبنان، وبالطبع تمركزه على البحر الأحمر ومضيق باب المندب عبر اليمن. فإذا خسرت طهران أفرعها هذه، ستخسر موقعها كقوة إقليمية، وإن تراجعت إلى حدودها القومية، سيلحقها الضغط ويستضعف نظامها. وربما هناك من يقول إن الدولة الإيرانية عندما ستشعر بالرخاء ورفع العقوبات ويستفيد شعبها من حالة السلام ستتخلى عن السيطرة الإقليمية، وتتحول إلى يابان أخرى. إلا أن حقيقة النظام مختلفة رأساً على عقب.

فأساس جمهورية الخميني هو عقائدي، استراتيجي، نخبوي، وليس مبنياً على السعي لحاضر ومستقبل اقتصادي وإنساني أفضل. النظام “غير قادر” على أن يعود إلى الوراء ويعرف أن إصلاحات عميقة على نمط “البيريسترويكا والغلاسنوست” Perestroika & Glasnost التي أطلقها غورباتشوف في الاتحاد السوفياتي ستسقط النظام كما هو، إذ إن الآلية الوحيدة التي قد تمكن إيران من العبور إلى الإصلاحات هي مرحلة انتقالية قد تستوجب تعاوناً مع المعارضة، وهذه قد ولت ظروفها. إذاً “الجمهورية” محكومة بألا تصلح بالعمق، بالتالي هي غير قادرة عن التخلي عن حماياتها، والميليشيات من أهم دفاعاتها، فلا نرى أملاً بقرار إيراني لحل ميليشياتها في المنطقة أو سحبها إلى الداخل، ولكن تعلم طهران أن عدم تنفيذها الطلب السعودي – العربي سيؤثر في التطبيع وفوائده. وهناك ضغط من داخل النخبة الحاكمة أن يلبي النظام جزءاً من المطالب العربية “لإرضاء المصالحة” والإبقاء على الأصل الميليشياوي قائماً ومتطوراً بشكل يسمح للنفوذ الإيراني بالاستمرار من دون إلحاق الأذى بالتطبيع. من دون شك أهداف كهذه ممكنة، وإن كان أمامها تحديات جمة. فكيف يمكن للحرس الثوري أن يحقق أهداف نظامه المتناقضة ظاهرياً؟ طبعاً الهندسة ستكون صعبة، ولكن ممكنة. استراتيجياً ستبدأ طهران بتبريد جبهات الجزيرة العربية، بخاصة في اليمن، لتتحلحل العلاقات مع الخليج. أما في الهلال الخصيب فالمقاربة مختلفة لأن أهداف طهران لا تتعارض بالعمق مع مطالب أو اهتمام معظم الدول العربية، وتعتقد القيادة الإيرانية أن العواصم العربية لن تقيم الدنيا وتقعدها إذا استمرت الميليشيات في وجودها من دون تعريض “الأمن القومي العربي” للاهتزاز. طبعاً، التطورات الداهمة، أو الإرهاب، أو الأزمات الدولية أو الإقليمية، قد تغير المعادلات، ولكن التوازن بين استمرار الميليشيات وتغيير وجهة تحركها هو ممكن بنظر مخططي الجمهورية الإسلامية. وهذه أمثلة.

مهام الميليشيات الجديدة

اليمن: الاستراتيجية الإيرانية واضحة، إذ إن طهران ستحد وتجمد الانفلاش الحوثي وتدفع هذا الأخير للدخول في إطار “طويل” للمحادثات بهدف دخول الدولة بالعمق مع المحافظة على مساحة جغرافية محددة من ضمن أية تركيبة دائمة يتفق عليها. ويبقى سلاحها وتنظيمها حتى إشعار آخر.

العراق: تبقى الميليشيات قائمة، ولكن ضمن إطار أكثر تنظيماً وتمويل أوسع. ستحاول قوى الحشد أن تلعب دور “الباسدران” في العراق، وستشد الخناق على إقليم كردستان ومنطقتي سهل نينوى وجبل سنجار.

سوريا: ستعتمد الميليشيات الإيرانية وحلفاؤها على التموقع داخل مؤسسات الدولة السورية ضمن مناطق سيطرة النظام، لتأمين التغطية الشرعية، ولكنها ستستمر باستهداف منطقة شرق سوريا من ناحية، وتسعى إلى الضغط على مناطق سيطرة المجموعات الإسلامية والإخوانية.

لبنان: ستضغط طهران على “حزب الله” لإخضاع المناطق الرافضة له، بخاصة السنية والمسيحية والدرزية، وتعزيز الوجود العسكري الإيراني واستعمال مؤسسات الدولة اللبنانية إلى أبعد الحدود، لا سيما في الحقل السياسي الخارجي وملف الغاز. وإبقاء الجيش في موقع الحامي للدولة التي يسيطر عليها الحزب.

هذه سيناريوهات تعمل عليها إيران. فهل ينجح حساب البيدر؟ سنرى