* بعض من وهن الذاكرة *- وليد حاج عبدالقادر / دبي

 

في البداية وكمدخل – أرى – أن أشير على بعض من الأمور بالرغم من السنين الطويلة التي مضت علبها ، ولكن ! وكتذكير فقط وبشكل خاص لمن خاض تجربة النضال إعتقالا وفي ظروف مثل ظروف الدولة السورية حيث إستبداد الأسد الأب كان في أعلى درجاته ، وساوى فيها بين جل الحركات السياسية ، واعني بها خاصة المرحلة التي تلت حملة الإعتقالات ضد الأخوان المسلمين ، ومن ثم حملاته على الفصائل الشيوعية والكردية وبعض من التوجهات الناصرية ، تلك الحملات الأمنية بتنشطها او خفوتها نسبيا وعودتها من جديد الى التفعيل خاصة فيسنين مابعد ١٩٩٠ ودثر حينها بغطاء ورقي شفاف بميوعة ديمقراطية كأحسن توصيف لها ، وفي خاصيتنا الكردية ، لم يكن الأمر يخلو من استجوابات او اعتقالات وقتية – عرفية لحيازة مناشير او لتأديب – النشطاء – ولكن ومع بداية عام ١٩٩٠ وظهور بوادر لنشاط تفعيلي داخل هيكلة الاحزاب الكردية المرهقة كانت نتيجة لما تعرضت له من تشظ وانشقاقات بدت أشبه ما تكون نتيجة لحركات تكتونية باطنبة تتشظى بعضها هنا وتنادي بوحدة الحركة الكردية هناك ، وهنا – أؤكد – بأنني لست بصدد الخوض في هذا المجال رغم ضرورتها وكنقد ذاتي سأمارسه شخصيا وبالتالي لتغطي غالبية الجيل الذي سبقنا والذي لايزال كثيرون منهم في هرم القيادات ! .. نعم ! .. وشخصيا وإلى هذه اللحظة لازلت اعتبر شخصي واحدا من المؤطرين ضمن صفوف الحركة الكردية في سورية و – ارى – في اي فصيل منهم يعتبر قضية الشعب الكردي في سورية من اهم اولويات نضاله لا أن يضبطها وبقبضة من حديد فيولفها صوب الأجزاء الأخرى وهذه ايضا ستكون مثار جدل قادم ، وعليه وكمقدمة من جديد وباختصار ! لقد دفع الشعب الكردي في سورية الكثير من الأكلاف قربانا لأجزاء أخرى من كردستان وبالأخص منه كردستان تركيا ، وكانت الغاية الكبرى والرئيسة واضحة فيها وهو الإستهداف الممنهج لبنى وتركيبة كما الخارطة الجغرافية بفروعها البشرية والطبيعية وكجزء من سياسة منهجة التجويع دفعا بالكرد للهجرة نحو الداخل السوري بحثا عن العمل مقابل حصار شديد وقطع للسبل حتى ولو كان لقمة العيش ، وللحق فأن مشروع إفراغ خط الحزام العربي قد فعل فعله لابل ان التعديل الذي طالب به رئيس فرع امن الدولة حينها العميد عبدالرحمن النهار قد أضاف إليها ملحقا خطيرا وهو الدفع الفوضوي باستنزاف المياه الجوفية وكذلك بحث قيادة قطر البعث الشوفيني بإعادة إثارة مواضيع العبث بمناطقية كما والكثافة السكانية وباستهداف صريح مجددا لبنى وتراكبية كما وخاصية السكان القومية ، وبالفعل فقد باشر النظام في فترة ماقبل الثورة – ٢٠١١ – بالتخطيط لمجموعة من السدود شملت ضفة دجلة العابر للحدود السورية وكذلك مجموعة من السدود على السواقي المائية المحلية – والتي غطت مناطق عديدة ، كل هذه المشاريع إضافة الى حقول النفط ومشاريع كثيرة ومارافقها من استقدام للعمالة من العمق العربي وإخضاع تشغيل الكرد الى الفلترة الأمنية ولشروط وضغوط كثيرة ناهيك عن الرشوة ، وهنا لابد من التركيز على عوامل أساس كانت دافعة للهجرة ومنها حرمان الكرد من التملك ووضع بروتوكول مغلق يسيج حول نقل او شراء الاراضي والقارات وحصرها بموافقات أمنية ، او وكأفضل الحلول فقد استوجب على الكردي وحتى سنين قليل ان يسجل عقاراته بإسم آخرين في حال فشل الحصول على الموافقات الامنية اللازمة .. وهناك مفردات لتفاصيل كثيرة وفي أبسط امورها لاتزال تتواتر كما – شريط لفيديو ممغنط ، هذه التفاصيل رغم استعراضنا لها بين الحين والآخر ، لكن ! ما لاحظته وقرأته بالصدفة ومن بعض من النرجسيين ، دفعني لمحاول البدء في لملمة مما نشرته سابقا من جهة ، وكذلك إفراغ بعض من وهن الذاكرة ، لازالت حتى لا يقال فيما بعد ما قد يتقوله أحدهم أو أن يعاد سرفانتس آخر فينشر فارسه المغوار – دونكيشوت – ما قد يتقمصه و .. أيضا بمخيالية ، وهنا سأتجاوز المألوف في صياغة المقال ، وسأستند على ذاكرة رفيقين كانا وظلا من أعز الأصدقاء وهما صديقين كانا عضوين في المكتب السياسي لحزب الوحدة – يكيتي – حينها وهما الأستاذين صديق شرنخي و محمود عمو ، والقصة ابتدأت :
بعيد إطلاق سراحي من المعتقل بعد تنفيذي ومجموعة من الرفاق حينها لحكم محكمة امن الدولة والئي قضى بسجننا سنتين تنفيذا وقضيناها في سجن عدرا التابع للأمن السياسي وأطلق سراحي في ظهيرة 2 / 11 / 1994 وبعد فترة شهر او أكثر زارني في بيتي – حينها كنت لا ازال أقطن في مدينة الحسكة – الصديق الأستاذ صديق شرنخي وكان عضوا في المكتب السياسي في حزب الوحدة برفقة الصديق محمود عمو وهو كان عضوا في اللجنة المركزية لذات الحزب – قبل الإنشقاق – وكنت قد أبلغت من قبل السيد زرادشت محمد وهو ايضا كان عضوا قياديا بهذا الموعد ، وبصراحة فقد اعتبرت ذلك التواصل بحد ذاته فيه مافيه من تجاوز تنظيمي ، حيث دعاني بصفته عضوا للجنة المركزية – هكذا تصورت – وكانوا قد ابلغوني قبلا بكتابة مذكرة مكثفة منذ بدايات التجهيز لتوزيع المناشير وما تلاها من الإستدعاءات الأمنية ( التوقيف حوالي اسبوعين عند الأمن العسكري وبعدها ليوم واحد عند أمن الدولة ) ولأكمل مشوار سنتين ويومين عند الأمن السياسي ، وبالتالي ظروف الإعتقال والسجن بدمشق ومجريات محكمة أمن الدولة ، وآليات التعامل وكذلك التفاعل مع احزاب المعارضة عبر معتقليهم ، وكنت بالفعل قد جهزت مذكرتي واستعرضت فيها ما يتوجب على الرفاق والحزب ان يعرفوه واتمنى ان يتذكر الصديقان الأستاذ صديق شرنخي والأستاذ محمود عمو نقاطي الرئيسية التي سردتها والأهم فيها المقترحات التي كنت قد كتبتها خطيا ، وأكثرها كنت قد ناقشتها مع غالبية القيادة اثناء زياراتهم لي ، ولعله وكمثال :واحدة من أهم القضايا كانت آلية وطبيعة البناء التنظيمي ، وهنا ولعدم الإطالة ، فقد تعرضت وبشكل موسع – وكتجربة عشتها – الى سيكولوجية المعتقل في فترة التحقيق وفترة الانتظار والترقب ، والغموض الذي يلف كل شيء وقضية التحقيق والمحاكمة – انطلاقا من تجربتي – وأهم شيء كان في نظري هو إعادة بناء الشخصية الحزبية وانتشالها من قوقعة الخوف والتلبك سيما في نمطية تربية القواعد ، وبالتالي عدم حرق جرعة المواجهة الممكنة في سايكولوجية العضو الحزبي وتحصينه تلقينا بكلمتي لا ، نعم أي عدم الجدال او التسرع في الرد وتصوير عنصر الأمن وكأنه – بعبع أو فهلوي زمانه ، وكل هذا مع الاخذ بعين الإعتبار احتمالية وجود اختراقات امنية وتوفر كم لا يستهان بها من معلومات ، وبكل مصداقية ، وتقديرا لرفاقي في منظمة حزب الإتحاد الشعبي الكردي في سورية وتحديدا منظمة مدينةالحسكة وهمتهم العالية كما وتضامنهم غير المسبوق والأهم ثقتهم بشخصي ، وبعد كل هذه السنين ساذكر امرين فقط : كنا قد حددنا موعد لكونفرانسات فروع الحسكة والدرباسية وتل تمر ، وظهرت اصوات من بعض الرفاق بتأجليها كوني كنت اعرف المواعيد والامكنة ، لكنهم لم يغيروا المواعيد ولا الامكنة ، وذات الأمر بخصوص المطبوعات والبريد وما شابه ، وفي العودة الى الأمن وأساليب التحقيق ، فقد ثبت لي وبشكل قطعي شح المعلومات التنظيمية عند الأمن العسكري وكذلك امن الدولة ، عكس الأمن السياسي حيث توقعنا ان يكون قد حدث إختراق وذلك لما واجهونا به من معلومات خصت مفردات من الإجتماع الأخير لوضع اللمسات النهائية والمواقع الذي سنلصق فيها النداء – نعم وفقط بعد التنفيذ علمنا بان الأمن السياسي قد ساوم احدهم وافضى بكامل المعلومات وليخرج من – الباب الثاني – إلى عيلته واولاده حسب اقوال الاقذر بين ضباط الامن السياسي وهو العقيد علي مخلوف ، وامر آخر اثبتته التجربة مدى جهلنا في مواجهة هكذا جلادين وفي غرف التحقيق المظلمة ، وان التظاهر بالمسكنة والتأتأة والتنكر حتى للإنتماء القومي هي مفاتيح لجلادي غرف التعذيب والتحقيق كما وسخرية المحققين لابل ومدخلا لإبتكار أساليب انتزاع أشد ، أن لم تكن معلومات فأقله تحطيم معنويات المعتقلين مستفيدا بشكل خاص من اعترافات واحد من الحلقة المحيطة .. فعلى سبيل المثال : كان الرفاق يطلبون مني في أي استدعاء أمني وباستمرار : انكار الإنتماء لأية حزب لابل وعدم التعاطي او القيام باي نشاط سياسي وبذات الوقت وخارج غرف تحقيقهم كنت أوزع أكثر من نصف بريد الحزب لمنطقتي وذلك للقوى السياسية والإجتماعية ، وأتواصل وبإسم الحزب مع الشخصيات العامة وأحضر للندوات داعيا او مقدما لرفيق قادم وغالبية الأنشطة أشرف عليها او أكون في دائرتها ، وفي التحقيق علي ان اقول : انا لا أعرف الأحزاب ؟ .. عندما تكون حرا وغير مطوق بلاءات الكلاسيكيين ستتمكن ببساطة من اكتشاف مدى توفر المعلومات ومصداقيتها من عدمها أيضا عند أجهزة الأمن السورية ، وستكون في ورطة حقيقة خاصة حينما تبتلي بمحقق يرى ذاته فهلوي زمانه ! مثلما فعله معي ضابط المخابرات العسكرية الملازم اول مازن بطاح في مدينة الحسكة وكان قسمه الجهة الأولى التي اعتقلتني وهو الملازم اول مازن ورغم وجود عدة محققين عنده إلا أنه آثر ان يحقق هو بشخصه معي ، ولأستنتج وببساطة قلة معلوماته من جهة وسذاجة أسلوبه خاصة حينما زعم وهو يقرأ في ورقة بيده بان القيادة المشتركة ( للاحزاب الثلاث المشتركة حينها ) قد أصدرت بيانا ووجهت نداءات إلى الرأي العام العالمي وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية تندد باعتقالي وتطالب بإطلاق سراحي انا وليد … العضو في المكتب السياسي لحزب الإتحاد الشعبي – طبعا التوصيف كان غير دقيق – وأنهم يحملون النظام اي مس بحياتي ، ولم يكن يلزمني اي ذكاء خارق لاكتشاف حركته ، وفي العودة الى لقاء الصديقين معي وبتكليف من اللجنة المركزية للإستماع لي ، وكنت قد اعددت رسالة خطية ذكرت فيها اهم ملاحظاتي والتي شملت أيضا عناوين أخرى ، وكان للنقد والنقد الذاتي فسحة لا بأس بها وبشكل أخص أمر كنت ولا أزال أعتبره في واقع حركتنا السياسية وفي ظل البنيان التنظيمي وضغط أجهزة الأمن ان يراعي الحزب وضع المعتقل وكذلك المعتقل أيضا ان يفهم خصوصية النضال السري ، هذا الأمر الذي ناقشناه وإن لم تكن بصفة مدرسية داخل المعتقل ، وعليه فقد كان موقفي صريح وواضح من العودة إلى صفوف التنظيم ، وقلتها شفهيا وكانت مكتوبة في مذكرتي أيضا إلى قيادة الحزب : أنني أضع نفسي في خدمة الحزب ولكن بعيدا عن التنظيم وتراتبياتها ، واتمنى ان نعمم هذه الظاهرة ، ففي واقع الانظمة الإستخباراتية يظل السجين السياسي السابق طعما تستسغيه الاجهزة الأمنية ، وحينها لازلت اتذكر تعليق الصديق شرنخي وهو يتطلع في الصديق محمود عمو ومقارنا بين موقفي وموقف رفيق آخر زاروه قبلي و … بعدها بشهرين ربما اقل او اكثر – ولعل الصديق زرادشت محمد لا يزال يتذكر – حينما اتصل معي طالبا ان نلتقي و … ليخبرني بموعد اجتماع اللجنة المنطقية ! .. وكان ردي له صريحا وفيه ايضا بعض من العتاب ، لأننا لم يكن بيننا اي تواصل تنظيمي من جهة واعتبرت تصرفه نوع من الخرق ، قال بان محمود عمو قد كلفه بذلك .. قلت له : في حزبنا قبل الوحدة التي أباركها لم نكن نستسهل هكذا امور وهذه اولا ، وثانيا فقد ذكرت بتقريري المفصل الى قيادة الحزب اعتكافي التنظيمي ولن أحضر اي اجتماع والرد سياتيكم مع أبو مسعود ، وبالفعل عاتبت الصديق محمود عمو كثيرا عندما التقينا بعد ذلك وأكدت له موقفي الثابت وخاصة انني على وشك السفر إلى الخليج .. وألح علي في ممارسة عملي التنظيمي الى حين سفري ! وبالتأكيد رفضت وقلت : لست ممن يحضر ليتعرف على مفاصل الحزب وجسد كما هيكلة التنظيم كاملا ويرحل .. سأبقى ملتزما معكم ولكن لا في عمق التنظيم .. والان ! وبعد كل هذه السنين ! وبثقة أقول : لو انني استمريت في التنظيم مؤكد كنت سأبقى في بقعة ضوء مظلل وموسوم برتبة مضوية ، ولكن ؟ وهذه لي أنا ! هل كنت سأنجز جزءا يسيرا مما اردته كمشروع كتابي لي كنت قررته ؟ او وبكل بساطة : هل المرتبة الحزبية هي التي تبرزك ؟ .. أم ملكاتك وشخصيتك كما آفاقك ؟ .. كما وهل هي الحافز النضالي الأبرز وبالتأكيد مع الإحترام المسبق لكل المناضلين ! والأهم هل قصر أي من رفاق المعتقل الذين اعتكفوا وتركوا التنظيم وظلوا في دائرتها ؟! . بقيت نقطة هامة وأخيرة أريد ذكرها هنا : حتى منتصف الثمانينيات كنت مجرد عضو فرقة في حزب الإتحاد الشعبي الكردي ، ولم يكن ذنبي أن أعامل دوما سواء من رفاق المناطق الأخرى أو الاحزاب الشقيقة والوطنيين في مدينة الحسكة وكأنني من قادة التنظيم ! .. و .. كلمة أخيرة وهي عامة وموجهة خاصة لمتحزبي مابعد ٢٠١١ : ارحموا عقولكم لا عقولنا ! حقا أن ( الشغلة لاخيار ولا فقوس ولا .. هي ضحك على الذقون )