قراءة  في قصيدة الشاعر يحيى السماوي : افطاري الأخير – جمعة عبدالله

هذه نسائم الشعر الاصيل في هذا الصباح الربيعي . قصيدة تحمل صياغة فنية ببراعة مدهشة ورؤية ورسالة تستلهم صميم موجودات التراث الحضاري والانساني والديني , وتطعيمها من حروف الحرير , لكي تكون السند الاساسي في رحلة هذه الرسالة في الارتقاء  الى العلى , وغايتها نقل الانسان من ضفة حالة الاختناق الى حالة أو ضفة آخرى واسعة ورحبة , يتنفس فيها الصعداء في النسائم الربيعية . أما صياغتها الفنية فمقوماتها خبز اللغة والبلاغة المتألقة الى القمة في الجمال والإغراء والغواية ,, لتكون هديلاً  من النغم والإيقاع الموسيقي , الذي ينساب بعذوبة وشفافية كمياه الشلال مصاحبة بصدى الهديل النغمي . عند السماوي الكبير الشعر يغسل ويعجن بالماء الكوثر من رونقة الشعر الاصيل , يرتكز على مقومات الاستلهام ما نتج من براعة التراث الحضاري والانساني والديني , وبالتالي كل مقطع شعري هو سمفونية قائمة بذاتها , أو كل هديل شعري يحمل رسالة , ومجموع هذه الرسائل تصب في مرام واحد في غاية الاهمية وفي نسق متدرج , وصولا الى وضوح الرسالة الهادفة في صورتها المتكاملة الكاملة , من البداية من العنوان المعناطيسي الجذاب : الإفطار الاخير . يستلهم عينة ومرام المرادف في العشاء الاخير للسيد المسيح , حين جمع تلاميذه وغمس بيده ارغفة الخبز غمسها بالنبيذ في مأدبة العشاء الاخير وقال لهم : انطلقوا في رسالتكم فأنتم رسل المحبة والسلام , والسماوي الكبير ينطلق برحلته العشقية / الايروتيكية صباحاً ويشد رحاله في هذا المسير الطويل أو الرحلة الطويلة , لكي يرتوي من وحشية العطش الى الارتوى من ماء الكوثر , لكي يقطف ثمار الجنة , هذا الاستلهام المدهش بين الرسالتين , بين الخبز المغمس بالنبيذ , وبين الافطار الاخير , ليسد جوعه وعطشه الوحشي من اللثم  :

.
مُـخَـرَّزًا بـالـعـطـشِ الـوحـشـيِّ لـلـكـوثـرِ..

والـجـوعِ لأشـهـى ثَـمَـرِ الـجـنَّـةِ..

هَـيَّـأتُ

قِـرى إفـطـاريَ الأخـيـرْ

هذا التمازج بين الرسالتين , رسالة  المحبة والسلام في الاولى , وفي الثانية رحلة العشق الايروتيكي في رحلة المسار والمسير الطويل , في الانطلاق الروحي , حتى الوصول الى فردوس اوروك , وهو المبتغى والمرتجى , لكي يبدل بالغربة الوطن , أو بمملكة الهديل , حتى لو كان في نفق السبعين , فأن معجزة الحب تعيده من جديد الى مرحلة الصبا. نحو السرير الوردي لكي يغفو   :

وهـا أنـا

بـعـد دخـولـي نَـفَـقَ “الـسـبـعـيـنَ”

قـد عُـدتُ الـى صِـبـايْ

في هذه الرحلة نحو مملكة العشق الايروتيكي , يقوم بها رسولان هما , الهة الحب اينانا , ورمز البطولة والجسارة انكيدو :

يـشـدُّنـي حَـبـلٌ مـن الـضـوءِ الـى سـريـركِ الـوردِيِّ..

أغـفـو مُـطـبِـقـًا فـمـي عـلـى مـبـسَـمِـكِ الـنـديِّ ..

أســتـيـقـظُ “أنـكـيـدو” جـديـدًا

أنـتِ “إيـنـانـايْ”

هذه مملكة الحب المبجلة , نشيدها هديل ونغم , وليس نشيدها ( لاحت رؤوس الحرابِ / تلمع بين الروابي / هاكم وقود الشبابِ …… ) أو نشيد ( احنه مشينا للحرب ) اما رايتها فهي : ناي وربابة , وليس رايات حزبية وطائفية . وشرطتها تحمل الورود , وليس الرصاص أو القنابل الدخانية التي تخترق جماجم الشباب   :

مـمـمـلـكـةً نَـشِــيـدُهـا الـهـديـلُ ..

والـشـرطـةُ فـيـهـا تـحـمـلُ الـورودَ لا الـرّصاصَ..

والـرَّايـةُ يـاحـبـيـبـتـي: ربـابـةٌ

ونـايْ

مثلما في بيت الله المقدس ( الكعبة ) يطوف الحاج حول البيت سبعاً ويصلي صلاة الشكر . في المبتغى في رحلة العشق الايروتيكي , يطوف حول السرير الحريري ويصلي صلاة الشكر على سجّادة الشَّعر الحريري :

أطـوفُ حـولَ بـدرِكِ الـتـمـامِ ســـبـعـًـا ..

وأُصَـلِّـيْ رُكـعَـتَـيْ شــكـرٍ

عـلـى سـجّـادةٍ مـن شَـعـرِكِ الـحـريـرِ ..

أتـلـو مـا تُـيَـسِّـريـن مـن هـديـلِـكِ الـشـجـيِّ لـيْ ..

فـمـا الـذي أرجـوهُ مـن لـذائـذِ الـدنـيـا؟

ومـا عـسـايْ؟

ليقطف ما يشاء من ثمار الجنة . التين والزيتون والرمان , في هالة انهار ضوئية والنجم في هالة البدر , والشوق المرهف والمتلهف يقوده الى سريرها الخمري ( ها أنا هيئت لك , فأقطف من ثماري بما تشاء( :

أقـودُ:

أنـهـاري الـى حُـقـولِـكِ الـضـوئـيَّـةِ الأشـجـارِ..

والـنـجـمَ الـى بـدرِكِ..

والـدَّلـوَ الـى بـئـرِكِ..

والـشـوقَ الـى خِـدرِكِ..

والأمـسَ الـى يـومِـكِ يـا:

أنـايْ

ولكن السؤال الأهم والاصعب , كيفية الوصول الى ( ايثاكا ) أو الى مملكة هديل العشق في فردوس اوروك , كيفية البلوغ . هل بدبابة غربية أو شرقية ؟ , أم  بسطوة ( سليمان ) أو عصا موسى التي شقت البحر ؟ :

لـسـتُ “سُــلـيـمـانَ”

فـكـيـفَ جـاءنـي بـعـرشِـكِ الـعـشـقُ؟

ولا “مـوسـى”

فـكـيـفَ ابـتـلـعَـتْ كـلَّ ثـعـابـيـنِ الـضـلالِ والأسـى .

عَـصـايْ؟

ليس بهذه الطرق الملتوية  :

فأنا لـسـتُ “سُــلـيـمـانَ”

فـكـيـفَ جـاءنـي بـعـرشِـكِ الـعـشـقُ؟

ولا “مـوسـى”

فـكـيـفَ ابـتـلـعَـتْ كـلَّ ثـعـابـيـنِ الـضـلالِ والأسـى

عَـصـايْ؟

ليس بهذه الطرق الملتوية والماكرة , لقد انكشف الظاهر والمخفي ولم يعد التستر على العورة , كل الاشياء فضحت نفسها بنفسها , اصبحت رسل الضلال ثعابين , وانكسرت عصا موسى , اصبحت أفاعي سامة , وانما بإرادة وقوة الحب , بالحب تنتصر الحياة على كل الاشياء , بالحب يستقيم العدل , وليس للحياة إلا الحب والعشق . فهي رسالة خالدة تتجدد على الدوام .
ليس لي إلا ان اقول ايها السماوي : الشعر يتوج بك انت ايها الكبير  .

جمعة عبدالله

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *