– ألمانيا
المقدمة:
في زمنٍ تحررت فيه المدن من نيران الحروب، ما زالت هناك أرواح معلّقة خلف جدران الذاكرة والخذلان. الناجيات الإيزيديات لسن مجرد نساء عُدن إلى الحياة، بل هنّ جراح نازفة في ضمير الإنسانية، شاهدة على وحشية الإرهاب، وعلى عجز العالم وتقصيره. خرجن من قبضة داعش لكنهن وقعن في أسر النسيان، والإهمال، والمجتمع الذي لا يزال ينظر إليهن بنصف احترام.

أغلب الناجيات الإيزيديات يعشن اليوم في حالة إنهاك نفسي وجسدي شديد، ولا يتلقين أي دعم فعلي يعيد لهن كرامتهن أو يعالج آثار ما تعرضن له من اغتصاب، تعذيب، فقدان أهل وأطفال، أو حتى إنجاب من عناصر داعش. إنهن يعشن اليوم في خيام مهترئة بلا حماية، بلا رعاية نفسية، بلا احتواء مجتمعي أو مشروع إعادة اندماج حقيقي.
حتى المنحة المالية التي قُدرت بـ100 دولار شهريًا –وهي بالكاد تكفي لشراء الطعام– تُمنح لهن بطريقة مهينة؛ يقفن في طوابير طويلة تحت أعين الكاميرات والناس، وكأنهن يتسولن، لا كضحايا لحرب فرضت عليهن. إن أبسط قواعد الكرامة الإنسانية تقتضي أن يحصلن على هذه المنح من خلال كروت إلكترونية، أو عبر وكلاء يحفظون لهن مشاعرهن.
بعض الناجيات تم تزويجهن قسرًا لعناصر من داعش، وبعضهن أُجبرن على إنجاب أطفال لا ذنب لهم. والمجتمع –بكل أسف– لا يتعامل معهن كضحايا، بل يضع فوق مأساتهن لافتة خفية من العار والتمييز. كثير منهن يُخفين وجوههن حين تظهر الكاميرات، لأن الجرح لم يلتئم، بل ازداد عمقًا وسط نظرات المجتمع وغياب الدعم الحقيقي.
ومن العدل أن نُذكر بأن هذا النوع من المعاناة ليس غريبًا عن الشعب الكردي عامة، ولا عن عائلة البارزاني خاصة. ففي ثمانينات القرن الماضي، قامت حكومة النظام العراقي السابق بترحيل الآلاف من العوائل الكردية، وبالأخص البارزانيين، فمنهم من اعدم ومن سجن مدى الحياة واجبار البقية إلى مجمعات قسرية مثل مجمع ( قوشتبه ) وغيرها، وذاقوا خلالها مرارة السكن الجبري، والفقر، والإذلال. لذا فإن العوائل البارزانية والعشائر المحيطة بها خَبِرَت الظلم، وتحمّلت أوجاع التهجير والسجون، لذا فهم الأقدر اليوم على فهم ألم الناجيات الإيزيديات، وهم الأجدر بأن يتدخل رسميًا وشخصيًا لإنصافهن.
لقد رأينا كيف اهتمت دول أخرى بناجياتها – في رواندا، في البوسنة، في كوسوفو – في كمبوديا كيف احتضنتهن الحكومات، وقدمت لهن العلاجات النفسية، والإدماج الاجتماعي، وحتى التعويضات القانونية. وتعاون مع الضحايا باحترام، ومحاسبة الجناة بوضوح. فهل يُعقل أن نكون أقل إنسانية من تلك الدول؟ في حين أن الناجيات الإيزيديات، وبعد 10 سنوات من المأساة، لا زلن يُعاملن كأنهن عبء على الحكومة والمجتمع. أيُّ ظلم أكبر من أن يُقارن الألم بلا عدالة؟
ورغم كل ما تعرض له المكون الإيزيدي، فإن المجتمع الدولي والحكومة العراقية لم يقم بمسؤولياته الكاملة حتى اليوم. لا توجد برامج طويلة الأمد لإعادة تأهيل الناجيات، لا دعم نفسي متخصص، ولا توفير فرص لحياة كريمة. كأن العالم أراد فقط أن يُوثق الجريمة، لا أن يُرمم الأرواح.
ربما يسأل البعض: لماذا يكتب هذا الكاتب عن الناجيات الإيزيديات بهذا الحماس؟ هل بينهن أخته أو قريبته؟ والجواب واضح: ليت كل من يسأل هذا السؤال ينظر إلى زوجته، أو ابنته، أو أخته، ويتخيل للحظة أنها في مكان هؤلاء النسوة، تخرج من قبضة الإرهاب، منهكة، منبوذة، محرومة من الأمان. حينها فقط سيدرك أن القضية لا تحتاج إلى صلة دم، بل إلى صلة ضمير.
الخلاصة:
إنني أوجه من هنا نداءً صادقًا إلى دولة رئيس حكومة إقليم كردستان السيد مسرور البارزاني، أن يتدخل بشكل مباشر لإنهاء هذه المأساة.وأن يُكلف لجنة خاصة لمتابعة أوضاع الناجيات، وأن تُمنح هذه الفئة المؤلمة حقها من الرعاية والاحترام. وان يحث على إنهاء هذا المشهد المهين من الطوابير والانتظارمن استلام هذه المنحة، ووضع برنامج متكامل للدعم النفسي والاجتماعي والمالي. فكرامة المرأة الكردية من كرامة هذه الأرض.الناجية ليست مجرد جسد عاد من الجحيم، بل إنسانة تحتاج من يمد يده إليها لترفع رأسها من جديد. هؤلاء النسوة لا ينتظرن منّا الشفقة، بل ينتظرن عدالةً تأخرت كثيرًا. فهل سنستجيب لندائهن، وهل نكون على قدر هذا النداء؟
أم سنترك التاريخ يكتب أننا خذلنا وعجزنا عن انقاذ أشرف نسائنا في لحظة كان يجب أن نكون فيها أعظم؟ “