“من راقب الناس مات هما”- د. عبدالباقی مایی

 

صدق من قال “من راقب الناس مات هما”. هذا المثل ینطبق كثیرا علی التوجه السائد بین المحللین السیاسیین الكورد عامة و فی أقلیم كوردستان بصورة خاصة، حیث تتنافس الأقلام الكوردیة، وخاصة السیاسیة منها، بتغطیة أی خبر عن لقاء بین مسۆل حكومی فی دولة ما مع أحد القیادیین الكورد مهما كانت الظروف التی جمعتهم أو لأی سبب أو أی غرض كان، وكأن المهم فی الموضوع هو قبول ذلك المسۆل فی تلك الدولة بالمقابلة أو الإجتماع مع الوفد الكوردی. وهذا إن دل علی شئ فإنه یدل علی الشعور بالنقص كشعب منكوب ومقسم ومستضعف من قبل المجتمع الدولی. وتتباهی الجهات الكوردیة بتناقل تلك الأخبار لكی تبشر بأن لهذا الحزب أو ذاك أصدقاء أو حلفاء لن یتنازلوا عن الأكراد و قضیتهم العادلة، وهی فی معظم الأحیان لا تتجاوز كونها تمنیات وأحلام یقظة لیس إلا.

وكثیرا ما تحدث مناقشات حادة أو جدالات لاذعة بین تلك الأقلام الكوردیة التی سرعان ما تتباهی بتفسیرات خیالیة وتحلیلات غیر علمیة لمحادثات لم تحدث أو لمفاوضات لم تكن علی جدول الإجتماع أصلا”. والملفت للنظر أنك مهما حاولت أن تبحث لن تجد أی مصدر موثوق حول الموضوع لا فی الأخبار الرسمیة ولا فی التعلیقات أو التقاریر الواردة من الجهة التی تمثلها الدولة أو الجهة الرسمیة التی تدعی تلك الأقلام الكوردیة بحدوثها. وإن تم ذكر شئ فهو عادة یتكون من خبر قصیر هامشی أو تعلیق لاذع ضد القضیة الكوردیة وإن لم یكن صریحا. أما الأقلام الكوردیة فكثیرا ما تتعارك علی تفاصیل الحدث فی سرد التحلیلات والتفسیرات وكأن أصحاب تلك الأقلام والتصریحات هم معنیون بتفاصیل مواضیع الإجتماع التی لم تنشر أو مطلعون علی نقاط المناقشة التی لم تذكر أو مقترحون لبنود الإتفاق الذی لم یحدث.

إختلاف التحلیلات یعتمد عادة علی إختلاف فی وجهات النظر. فمن زاویة مصالح الدول العظمی لایمكننا أن نری إلا الظلام الدامس بالنسبة للقضیة الكوردیة لكونها قضیة شعب لایزال یئن تحت التخلف و التمزق و الإضطهاد، فلیس من المنطق أن تراهن علیها دول أو قوی كبیرة فی العالم. ولكننا لو نظرنا من الواقع العملی لنموذج الحكم فی روژئاڤا فمن السهل قیاس القوة الجبارة والنجاح الباهر بالنسبة لعمره الناشئ والفتی. لایمكننا أن نری قوة المقاومة وقابلیاتها فی الصمود إذا قارنناها بتواجد القوی الخارجیة وصراعها فی سوریا. ولكننا نستطیع أن نكون متفائلین بمستقبل هذا النموذج لو نظرنا إلیه من زاویة الفرد الواعی والشخصیة السلیمة، تلك الزاویة التی ینظر من خلالها كل فرد فی كوردستان إلی قضیته العادلة فی المطالبة بالحریة والإستقلال، الأمر الذی یۆدی به إلی الإعتماد علی الذات والإستعداد للموت من أجل الحیاة وفقا لفلسفة “المقاومة هی الحیاة” التی تعنی بأن لا حیاة دون مقاومة. هكذا یستطیع  الفرد فی روژئاڤا أن یفرض شروطه، و هكذا یجمع هذا النموذج دعم العالم من الداخل والخارج مهما إختلفت المصالح والقیم.

جمیع دول العالم تبحث عن مصالحها التی لیست لنا علاقة بها. ولا أعتقد بأننا نستفید شیئا من تعلقنا بتفسیر أو تطبیق تلك المصالح أو معاداتها، فهی لیست من شأننا لا بالقریب ولا بالبعید. قضێتنا فی المرحلة الراهنة حسب رأیی هی قضیة داخلیة متعلقة بنضوج الفرد فینا. حتی أحزابنا لیس لها قاعدة ناضجة ولا تعتمد علی القوی الذاتیة للشعب والوطن، بل مصیبتها إنها تركض وراء كسب رضی القوی المحلیة والأقلیمیة والعالمیة وهی إما سلطات إحتلال لكوردستان أو قوی دولیة تحتفظ بمصالحها مع تلك الدول.

تحتل القضیة الكوردیة دائما جزئا كبیرا من معادلة المصالح والعلاقات الدولیة ولكن أصحاب المعادلة یتاجرون بالقضیة الكوردیة كما یریدون دون أخذ مصالح شعب كوردستان بنظر الإعتبار ما دامت قیاداتنا تقبل بالذل و الهوان لشعبنا علی حساب مصالحها الخاصة لكی تبقی فی موقعها الذی رسمت لها فی تلك المعادلة. وهذا لن یتغیر إلا بتغییر سلوك الفرد فی كوردستان عندما تتكون لدیه شخصیة سلیمة قویة ترفض الهوان وتناضل من أجل الحریة والإستقلال. حینذاك فقط یكون لشعب كوردستان موقع إحترام و تقدیر فی جمیع المعادلات التی تتعلق بالشعب والوطن. لذلك یتحتم علی شعب كوردستان أن یعمل علی توفیر المستلزمات الضروریة لبناء شخصیة سلیمة للفرد تعتمد علی الثقة بالنفس والإعتماد علی الذات والشعور بالمسۆلیة تجاه الشعب والوطن وهی الذخیرة التی ستناضل من أجل الحریة والإستقلال شاءت دول العالم أم أبت.

١\٨\٢٠٢١

One Comment on ““من راقب الناس مات هما”- د. عبدالباقی مایی”

  1. مقالتك هادفه وتصيب الهدف المنشود وحتما قوتك في الخارج هي قوتك تستند من قوتك في الداخل وعلينا ان لا نهرول وراء بناء علاقات مع الاخرين وبيتنا مهشم من الداخل و مهزوز وغير متين وتاركين الشعب ومصالحه خلف ظهورنا عند ذلك ستستغل تلك العلاقه لصالح الطرف الثاني مستغلين ضعفنا الداخلي المهلل

Comments are closed.