المُعلِّمْ !!… قصة قصيرة. بهزاد بامرني 

هو ينتمي إلى ذلك الشعب المَنْسِيّ الذي احلى ما به أحزانه، ذلك الشعب الذي يَلوكُ لُقمته بالخوف والدم والدموع، وكأنه واقع خارج نطاق تغطية السماء.

ومع ذلك، فهو لا يسمح للحزن بالرقص فوق تجاعيد وجههِ المُنهَك، فالإبتسامة هي رصيده الوحيد.

لكن خبراً عابراً على إحدى شبكات التلفزة التي كان يتابعها، والذي يتناول دور المعلم الواعي، الذي يعمل جنباً إلى جنب مع المفكر والفيلسوف في السعيِ لِبناء الإنسان من خلال تقديس العقل.

هذا الخبر، أعاده بالذاكرة إلى الوراء لأكثر من خمسة عقود حين كان طفلاً صغيراً، وتحديداً في أول يوم يذهب فيه إلى المدرسة.

حيث فوجئ حينها عند دخوله الى الصف بوجود صورة شخصٍ معلقةٍ على الجدار، اعتقدها صورة مالك بناية المدرسة، الذي سمح للطلاب بالدراسة فيها لمساعدتهم.

بِمُضيّ السنين، يكبر الطفل وهو يتدرج مراحل الدراسة الواحدة بعد الأخرى.

لتتضح بالتزامن مع ذلك، نظرته عن حقيقة صاحب تلك الصورة التي لا زالت ترافقه مثل ظله.

فصاحب الصورة، الذي هو رئيس الجمهورية الحالي المُنتخب طِبقاً للدستور والقانون بحسب الرواية الرسمية.

ليس كما كان يتوقعه في طفولته إنساناً مُسالِماً طيب القلب، يحب الخير.

بل هو قاتل سفاح، قام بقتل سفاح آخر كان قد سبقه في حِرفَة القتل إلى كُرسيّ الرئاسة.

وهو الآن بانتظار أن يأتي عليه الدور، ليأتي قاتل آخر ويفعل نفس فِعلته، فيقتله ويُزيح صورته من على جدار الصف ليضع صورته هو مكانها و … وهكذا … دواليك.

كل هذا، والشعب ساكتٌ لا يُحرك ساكناً، وكأن شيئا لم يكن.

والسبب في أزمة غياب وعي الشعب هذه بحسب قناعته، هو المعلم لا غير.

إذ أن سكوت المعلم على تعليق صورة قاتل في الصف فوق رؤوس الطلاب، سينتج بلا أدنى شك جيلاً متملقاً، منافقاً وجباناً.

والأمثلة على ذلك هي أكثر من أن تُحصى.

إذ ما أكثر أولئك القادة العسكريين الكبار، والأساتذة الجامعيين المرموقين، والقُضاة ورجال القانون والإعلام والصحافة والوزراء و …

الذين يركعون بِذِلٍٍ مذعورين تحت قَدمي شخص مدني أو عسكري قد يَصغرهم سِنّاً، وقد لا يجيد حتى القراءة والكتابة ايضاً بما فيه الكفاية.

فالمعلم الذي لا يبدأ بتعليم الطالب أبجديات الحرية، حتى قبل أبجديات اللغة.

سوف لم ولن يُنتج سوى مجتمعٍ من العبيد مُغَيَّب الوعي، هَمُّهُ الأول والأخير هو إرضاء السلطان، حتى لو كان ذلك على حساب عزته وكرامته.

ذكرياته المؤلمة تلك عن تخاذل المعلم، حَوّلَتهُ إلى كتلة من الصمت، ليُحيلَه الصمت بدوره إلى جُثّةٍ هامدة.

هكذا، وبالإعلان عن الموت الرّمزي لبطل قصتنا هذه، يتم الإعلان عن موت شعبٍ بأكمله، وذلك على يَدَيْ مُعلمٍ غبيٍّ وجَبان.

يقول الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو :

الوطن هو :

ألّا يبلغ مواطن من الثراء، ما يجعله قادراً على شراء مواطن آخر.

وألّا يبلغ مواطن من الفقر، ما يجعله مُضطراً لبيع نفسه.

=========

بهزاد بامرني

٢٥ / ١١ / ٢٠٢١