مقومات نجاح إستقلال كوردستان،- د. عبدالباقي مایی

 

تحليل نفسی إجتماعی-

هنالك دروس وعبر تتناقلها خبرة الأفراد والشعوب مع تطور العلم والمعرفة حول أسباب الفشل و ومقومات النجاح لدی الفرد و المجتمع فی سعیه من أجل البقاء علی قید الحياة والتمتع بالحرية والاستقلال دون تعصب أو إنفصال. هنا أحاول تلخيص بعض من مقومات النجاح للفرد والمجتمع بمنظار نفسیإجتماعی  مبسط عسی أن تكون خطوة علمية متواضعة فی طريق تحقيق حرية و إستقلال كوردستان بعيدا عن التسییس و التمحيص:

١الشخصية السليمة

توصل العلم الحدیث إلی نظريات و استنتاجات فی حقول عديدة بقی منها ما يفسر بلوغ الإنسان إلی درجة من التطور لازالت تعتبر الأساس فی تحقيق ما یصبو إلیه فی الحياة الدنیا دون التعرض للمسائل الروحية التي لا تتمكن قابليات العقل البشري من الوصول إلیها أو تفسيرها لأسباب منطقية تتعلق بحصر العقل البشري فی التعامل مع المعلومة التي تصل إلی دماغه خلال الحواس الخمس: السمع والشم و الإبصار والتذوق و اللمس لیس إلا. و من ضمن هذه النظريات و القوانین العلمية الحدیثة هی التی تتعلق بعلم النفس الذي هو أقرب العلوم إلی عالم الروح المجهول للعقل البشري. هذه النظریات فی علم النفس لازالت تعتمد علی نتائج و إكتشافات العلوم الطبیعیة التي وضعت الأسس للمعرفة و الرفاهیة و التقدم كنظريات (داروين) فی علم التطور، و قوانين (مندل ) فی الوراثة، و قوانين (نيوتن) فی الفیزیاء علی سبیل المثال و ليس الحصر. نستطيع الإستفادة من هذه القوانين و النظريات العلمية عندما ندخل فی تفحص علم النفس الأكثر تعقيدا و الذي لازال یمر فی مرحلة النمو و التكوين. فلازلنا مقیدین بتلك الحواس العقلية الخمس التي ذكرناها وإن كانت هنالك حاسة سادسة فی طريقها إلی الإكتشاف من خلال قربها و اختلاطها مع المسائل الروحية والمیتافیزیكیة. و هنا نأتي إلی ذكر تلك القوانين و المقومات فی علم النفس التي تعتمد علی تلك النظریات العلمية التي لاتزال سارية المفعول فی عصرنا الحاضر وإن كانت تسير فی تطور مستمر. فنظریة (داروين) فی تطور الأجناس مثلا قد وجدت طريقها حدیثا فی الطب النفسي بتكوین نهج نظري خاص يهدف إلى شرح الاضطرابات النفسية من منظور تطوري، و یمكن لقانون (نيوتن) حول الفعل و رد الفعل أن یطبق علی التفاعلات النفسیإجتماعیة أيضا عند حدوث تطور إجتماعي سريع كما یجری حاليا فی مجتمع كوردستان العراق، وبالإعتماد علی النظریات الفلسفیة مثل نظریة (أوجلان) حول شخصیة المقاومة، و ( أنتونوڤیسكی) حول أصول الصحة “Salutogenesis”، نستطيع تفسير الشخصية السليمة للفرد التی تكون أساسا لمجتمع سلیم.

 

٢وحدة المصیر

مهما إختلفت الأهداف والوسائل فی صراع الفرد و نضاله من أجل تحقيق الحرية والإستقلال فإن مصیره مرتبط أخيرا و آخرا بمصير شعبه فی أی مجتمع كان. و مصیر الشعب یعتمد بدوره علی وحدته شعبا و وطنا وقوی. وعندما نحاول تطبيق هذه القوانين الطبیعیة علی كوردستان نجد هذه الوحدة متوفرة بطبیعتها فيما يتعلق بالشعب والوطن ولكن تنقصها وحدة القوی وذلك بسبب سيطرة الأحزاب السیاسیة علی هذه القوی. فشعب كوردستان موحد فی حبه لوطنه كوردستان و الدفاع عنه بشتی الوسائل و الإمكانات المتوفرة فی تلك الوحدة، و قابلیة الفرد فی كوردستان أبا عن جد علی التعايش مع غيره من الشعوب ذوی الأديان و العقائد المختلفة علی أرض كوردستان الواسعة و فی طبیعتها الخلابة و القاسية، فتعلم فيها تحمل المصائب و الصعوبات و كذلك تعلم الوفاء و الإخلاص و تميز بالكرم و العطاء. و من خصائص الشخصية الكوردیة المشتركة فی هذه الوحدة أيضا هو الإيمان بقضيته العادلة وحقه فی العيش حرا فی سلام وفق جميع القوانين و الأديان و المعجزات و الأساطير اللتي تمت ممارستها علی هذه الأرض منذ الأزل. كما تتحدث الأدیان السماوية عن نزول الأنبیاء فی هذه البقعة من الكرة الأرضية التي إختارها الله لهم لتكون نقطة إنطلاق للتعايش السلمي داعيا إلی وحدة الشعوب وتآلفها علی هذه الأرض. فقد تكونت لدی هذا الشعب روح مليئة بالقيم النبيلة و العواطف الجیاشة نتيجة لإنتمائه الحمیم للأهل والأقارب وتعاطفه الكریم مع الغرباء و الأجانب و اندماجه العميق بالطبيعة الخلابة التي تحيط به منذ ولادته و حتى بلوغه لتكوین شخصية عاطفية حساسة سريعة الغضب و سهلة التسامح، محبة لخدمة الضيوف و تكريم الغرباء أكثر من الأهل و الأقرباء. فالكورد شعب متحد بطبيعته. و عندما نلقي نظرة علی تأريخه نجده شعبا منتصرا عندما یعتمد علی الاكتفاء الذاتي و یحافظ علی وحدته الطبیعیة شعبا و وطنا، و معرضا للكوارث والنكبات كلما آنقسم علی نفسه إلی درجة أنه یصف نفسه شبيها بطائر القبج (الحجل) الذي یعیش فی جباله وذلك من حیث الإقتتال الداخلي و لو كان فی معظم الأحيان بتحريض من الأجانب وفق سياسة فرق تسد. بالرغم من طول الإضطهاد تحت سلطة الإحتلال فإن هذا الشعب معروف بتأریخه العریق و لغته الخاصة و فولكلوره الغنی و هو یعیش فی وطنه الموحد كوردستان تلك الأرض الواسعة المتواصلة بین الخليج الفارسي  والبحر المتوسط والغنية بثرواتها ومیاهها وخصوبة تربتها.

 

٣الاكتفاء الذاتی

لكل فرد أو شعب قابلیات وإمكانیات ذاتية تؤهله للعيش بحرية وأمان وذلك بالسعي للوصول إلی أهدافه وتنفيذ رغباته. یعتمد شعب كوردستان فی معيشته علی الإنتاج المتنوع من المحاصيل الزراعية فی أرض ذات طبیعة جبلية غنية بمصادر المیاه و تربة خصبة تتقبل زراعة متنوعة فی مناخ البحر الأبيض المتوسط و معادن و ثروات طبیعیة عديدة جلبت إنتباه شعوب و مكونات بشرية متنوعة الدین و العرق لتعيش علی أرض هذا الوطن منذ القدم متنعما بالاكتفاء الذاتي المعتمد علی هذه الثروات الطبیعیة المتعددة فی مناطقه المختلفة بین جبال عالية و وديان عمیقة و سهول واسعة تترعرع فی مناخ مناسب لكافة أنواع النباتات و الفواكه و المحاصيل الزراعية المختلفة و التي تستمر الدراسات العلمية الحدیثة فی إثبات جودتها و صلاحيتها كأغذية صحية برهنت الخبرات المحلية خلال قرون من الزمن علی قدرتها فی علاج الأمراض و الوقایة منها، و هی تنتظر تجربتها بالمقاییس العلمية الحدیثة التي تتوفر لدی الكادر الذاتي الذي إزداد كما و نوعا خاصة بعد تزايد أمواج هجرة الكورد من وطنهم كوردستان بسبب الحروب و المطاردة و التعسف من قبل السلطات المحتلة فی كل من تركيا و إيران و العراق و سوريا وإنتشارهم كحبات الرمان فی مختلف أنحاء العالم حیث حصل معظمهم علی تعليم و تدریب و كفاءات علمية مختلفة تجعلهم مۆهلین لاستخدامها فی تطویر المجتمع فی كوردستان. وبذلك تكونت طاقة بشرية غنية بالعدد والعدة، و لغة حیة تتكون من لهجات عديدة تكيفت مع اللغات المختلفة للشعوب المتعايشة علی أرض وطنه كوردستان و تفاعلت مع لغات القوميات التي كونت الأغلبية فی سلطات الاحتلال علی مر الزمن فجعلتها لغة قابلة للاقتباس والتأثر بطريقة سهلت مشاركة الأدباء والمفكرين الكورد فی إغناء الثقافات الأجنبية والتأثر بها مما ساعد الكورد علی سرعة التعلم والتدريب لكسب العلم والمعرفة من تلك الثقافات فی مختلف العلوم والأجيال. كان شعب كوردستان ولازال یرغب فی العيش فی وطنه معتمدا علی الاكتفاء الذاتي إذا ترك لإدارة نفسه بنفسه دون إحتلال أو إستعمار. وحتى عند محاصرته من قبل سلطات الاحتلال لإجباره علی الرضوخ والإستسلام تمكن شعب كوردستان فی مراحل مختلفة من نضاله المسلح بأن يقاوم ويستمر علی ممارسة حیاته الطبیعیة بالإكتفاء الذاتی دون حاجة إلی إستيراد من الخارج أو إعتماد علی الأجانب، فثورة أيلول كانت خیر دليل علی ذلك، وكذلك ما نراه فی “روژئاڤا” من نموذج للإدارة الذاتية مستقلة عن جميع الدول و الجهات المحلية و الأقلیمیة و العاالمیة المتصارعة فی سوریا لتصبح موقع إنتباه و محل إعجاب عالمي حیث یقاوم هذا النموذج جمع المحاولات من السلطة المركزية فی سوريا والاحتلال التركي والأطماع الإیرانیة والأمریكیة والروسية المتواجدة فی سوريا، فهو نموذج معاصر للاكتفاء الذاتي یقتدی به كعابر للأزمات:

و ما علينا الآن إلا أن نسترجع أرضنا و نستثمر قرانا من جديد لزرعها و رعایتها فتغنینا عن الإتكال والإستعباد و إستيراد ماتفرض علينا سلطات الإحتلال من مواد لا نعرف مصدرها و لا نستأمن محتواها.

 

٢\١٢\٢٠٢٢