تاريخ وهوية أوركيش (گريه موزان) – دراسة تاريخية – الحلقة الأولى – بيار روباري

 

Dîrok û nasnameya Orkêş (Girê Mozan) 

 

سنحاول من خلال هذه الدراسة التاريخية الموجزة، تناول تاريخ وهوية مدينة “أوركيش” القومية، التي يعود تاريخها إلى (4000) الألف الرابع قبل الميلاد، والتي تقع في أعلى مثلث “الخابور” على الحدود المصطنعة بين شمال وغرب كردستان. وتعد واحدة من بين أهم المدن الخورية الأثرية إلى جانب مدينة “گوزانا، هموكاران، ميرا، مبوگ، أرپاد، گرگاميش وباخاز” وغيرها من المدن التاريخية في ربوع كردستان وطن الخوريين – الكرد.

وذلك لدورها الحضاري والسياسي الذي لعبته في تاريخ الشعب الخوري سلف الشعب الكردي، وخاصة إذا علمنا أنها كانت العاصمة السياسية للدولة الخورية. وشاركت مع مدينة “گوزانا، سريه كانية، سيكاني وهموكاران وميرا” في تبلور الهوية القومية للإمة الخورية. وتقع مدينة “أوركيش” الخورية – الكردية إلى الغرب من مدينة قامشلو بحوالي (17 كم)، وتبعد عن مدينة أمودا حوالي (5) كيلومتر إلى الجنوب.

والأسباب التي دفعتنا إلى تناول هوية وتاريخ هذه المدينة الخورية – الكردية، وغيرها من مدننا الأثرية والتاريخية والكتابة عنها عديدة منها:

1- تفنيد التاريخ المزور الذي سوقه العربان على مدى مئات الأعوام، من خلال تقديمنا التاريخ الحقيقي  الموثق بالأدلة التاريخية والإكتشافات الأثرية لهذه المدن، وتثبيت هويتها القومية الخورية – الكردية.

2- تعريف أبناء الشعب الكردي بتاريخ هذه المدينة الأثرية الهامة، وتاريخ أسلافهم الخوريين والميتانيين وغيرهم، وما أنجزوه من تقدم في جميع مجالات الحياة: كالبناء، الثقافة، العبادات، الصناعات، الفنون،

التجارة، أساليب الحياة وعلاقتها مع بقية المدن الخورية التي تملئ المنطقة منذ ألاف السنين قبل الميلاد.

3- قطع الطريق على سراق التاريخ من العربان والتتر (الأتراك) والفرس وغيرهم من لصوص التاريخ الذين إحتلوا أرضنا، والأن يحاولون سرقة ذاكرتنا (تاريخنا) أيضآ.

4- إلقاء الضوء على أهمية هذه المدينة من الناحية التاريخية، السياسية، الحضارية، الثقافية، الإجتماعية والدور السياسي الذي لعبته في تلك الحقبة الزمنية، أي قبل الميلاد بحوالي (4000) أربعة ألاف سنة.

5- كتابة تاريخنا الكردي القديم والحديث بأنفسنا، وعدم السماح للأخرين التلاعب بتاريخ أمتنا الكردية وأسلافها من: الخوريين، السومريين، الإيلاميين، الكاشيين، الهكسوس، الميتانيين، الهيتيين، الميديين، الساسانيين. ومدننا الأثرية والتاريخية التاريخ المادي لأسلافنا الكرام وشعبنا الكردي.

6- إبراز أهمية هذه المدينة من جميع النواحي، كونها واحدة من المدن الكردية الفراتية الأساسية، وبحكم كونها كانت عاصمة سياسية للدولة الخورية. وسوف نتناول في هذه الدراسة التاريخية المحاور الرئيسية التالية:

1- مقدمة.

2- جغرافية مدينة أوركيش.

3- أثار مدينة أوركيش.

4- تاريخ مدينة أوركيش.

5- المعتقدات الدينية لسكان أوركيش الأصليين.

6- لغة سكان مدينة أوركيش الأصليين.

7- أصل تسمية مدينة أوركيش ومعناها.

8- علاقة مدينة أوركيش بالمدن الأخرى.

9- الحياة الإقتصادية في مدينة أوركيش.

10- الوجود الكردي في مدينة أوركيش ومحيطها.

11- نهاية مدينة أوركيش.

12- الخلاصة.

13- المصادر والمراجع.

أولآ، مقدمة:

Pêşgotin

هناك عدد من المدن الأثرية والتاريخية الخورية – السومرية – الميتانية – الهيتية، تميزت عن غيرها من المدن، وذلك بسبب أدوارها الحضارية، الثقافية، السياسية، الروحية والتجارية، التي لعبتها في زمانها  وشكلت جزءً مهمآ من تاريخ الشعب الخوري بشكل عام، وتأثيرها على بقية المدن التي تشكلت منها الدولة الخورية وهي كثيرة في الواقع ومنتشرة على مساحات جغرافية واسعة. ومدينة “أوركيش”، كانت واحدة من تلك المدن الموثرة في التاريخ الخوري – الكردي وخاصة من الجانب السياسي والروحي. ولذلك فإن “أوركيش” لم تكن مجرد مدينة عادية بل عاصمة الحكم والقرار السياسي، ولهذا كانت تقود بقية المدن وتؤثر فيها في جميع المجالات، ومن هنا ينبع أهميتها التاريخية.

وإلى جانب تأثيرها السياسي، لعبت مدينة “أوركيش” دورآ دينيآ رئيسيآ وكانت مركزآ للإله “گوماري” كبير الآلهة. وكما كانت أوركيش تقود صنع وتسجيل تاريخ الخوريين في (3000) الألف الثالث قبل الميلاد بشكل نشط. كما كان الحال مع مدينة “نوزي” الأثرية الخورية حوالي (2000) الألف الثاني قبل الميلاد، والتي تقع إلى جوار مدينة كركوك الكردية الحالية في جنوب كردستان. من هنا يتضح لنا مدى أهمية هذه المدينة ودورها الحضاري، السياسي، الروحي والثقافي في تاريخ الإمة الخورية – الكردية، ومن خلال تاريخها وتاريخ بقية المدن مثل:”گوزانا، وهموكاران، وگر-براك، سريه كانيه، سيكاني، ميرا، باخاز، أوروك، نوزي، گرگاميش، أگرو، ألالاخ، شمأل، أوگاريت، دارازه، دلبين، هسكه، تگريت هاتوسا، أرپاد”، يمكننا تكوين صورة واضحة وجلية عن تاريخ بلاد الخوريين (كردستان) قبل الميلاد بعشرات ألاف السنيين، وتبيان مدى تجذر هذا الشعب في هذه الأرض، وفضح كذب المحتلين العرب، التتار (الترك) والفرس والأرمن لوطن الشعب الكردي كردستان.

ورغم أهمية المدينة من الناحية التاريخية، السياسية، الروحية والجغرافية، إلا أنها لم تحظى بالإهتمام المطلوب من قبل السياسيين الكرد، ولا حتى من قبل الباحثين والمؤرخين إلا فيما ندر. وخلال بحثي عن المراجع والدراسات التاريخية الخاصة بهذه المدينة الخورية – الكردية، لم أجد بحث أو دراسة كردية يعتد بها في الواقع، كتبت من قبل باحثين وكتاب كرد. وهذا يدل على النظرة القاصرة التي ينظر إليها الطبقة المثقفة والسياسية الكردية إلى التاريخ وحتى البحثية والإعلامية وعامة الشعب الكردي. وهذا يفسر لنا سر إهمال الكرد لكتابة تاريخهم وتاريخ أسلافهم وترك ذلك لأعدائهم ومحتلي بلدهم كردستان للقيام بتدوين تاريخهم وتزويره وتزييفه وفق مصالحهم السياسية. وهذه النظرة القاصرة مازالت مستمرة لليوم، بدليل عدم إهتمام القوى السياسية الكردية والحكومات المحلية بالتاريخ الكردي، ولا بالمؤرخين الكرد. ولليوم ليس لدينا كتاب مدرسي موحد يشمل “تاريخ الكرد وكردستان” للمراحل الدراسية الثلاثة، تمامآ كما هو الحال مع اللغة الكردية وشكل الأبجدية وعدد الحروف. حيث كل عشيرة وإمارة وزعيم قبيلة ورئيس حزب، يعتبر التاريخ الكردي يبدأ منه وبعشيرته أو حزبه وينتهي بهما أيضآ. وحتى نسبة كبيرة من المثقفين الكرد ينحون هذا المنحى أي محنى تلك القيادات العفنة والدجالة، التي تتاجر بالقضية الكردية لتحقيق مصالحها الشخصية، العائلية، الحزبية الرخيصة.

ولهذا ترى للأن نفتقد إلى مؤسسة أو معهد مختص بالتاريخ الكردي القديم والحديث، يضم بين جنباته خيرة الباحثين والكتاب والمؤرخين الكرد، وتوفير كل ما يحتاجونه من دعم: مادي، إعلامي، لوجستي، طباعة، نشر، إضافة لتسهيل تنقلاتهم، بكلام أخر تأمين كل ما يحتاجونه إليه في عملهم بما فيه السكن والرواتب، وإيفاد بعثات إلى الخارج لدراسة علم الأثار، اللغات القديمة، وخبراء في فحص الأثار وتأمين مختبر متطور لإجراء الفحوصات على القطع الأثرية حتى نتمكن بأنفسنا من تدوين تاريخ جميع مدننا الخورية، السومرية، الإيلامية، الكاشية، الميتانية السوبارية، الهيتية، الميدية، الساسانية. شريطة عدم تدخل السياسيين في عملهم وتسييسه، والمطلوب من هؤلاء الباحثين الكرد العمل كفريق، بقدر عملهم كأفراد.

لا يمكن فصل تاريخ مدينة “أوركيش” عن تاريخ المنطقة الجغرافية التي تنتمي إليها، ألا وهي منطقة الجزيره الفراتية الكردية، ولا عن تاريخ المدن الأثرية الخورية التي سبقتها زمنيآ مثل مدينة “گوزانا، هموكاران”. وبالتالي عن تاريخ أول وجود خوري في هذه المنطقة التي يمتد لعشرات ألاف السنين قبل الميلاد، وهو مستمر لليوم عبر أخلافهم من الميتانيين، السوباريين، الگوتيين، الهيتيين والميديين والكرد الحاليين في هذه المنطقة. علينا نحن الكرد أن لا نقع في فخ اولئك المزورين العرب المستعربة والتتار (الترك)، الذين يسعون فصل المدينة عن محيطها الجغرافي والديمغرافي.

لا شك أن هذا ينطبق أيضآ على بقية المدن التاريخية والأثرية الخورية، وهناك فارق بين المصطلحين “مصطلح المدينة التاريخية”، و”مصطلح المدينة الأثرية”. المدن التاريخية، نقصد بها تلك المدن القديمة ولكنها مازالت حية بمعنى مسكونة، ولم تتحول إلى أثر مثل: مدينة آمد، دمشق، هلچ (حلب). أما المدن الأثرية، هي تلك المدن القديمة، التي تحولت إلى أثر ولم تعد مسكونة من قبل الناس، وكثيرآ ما تكون طمرتها الأتربة، ولا بد من إكتشافها أولآ أي إيجادها، ومن ثم التنقيب فيها وإخراج أثارها المطمورة ودراساتها، لمعرفة المزيد عن تاريخها وحضارتها وتقديم كل ذلك للجمهور. إضافة لذلك يجب النظر في أسماء الأنهر والبحيرات والجبال المحيطة بالمدن الأثرية والبلدات وتدقيقها وعدم الإكتفاء بفترة زمنية محددة وقريبة، أثناء دراستنا لتاريخ مدينة ما من مدننا الكردية، لأن ذلك خطأ وعلينا تجنب ذلك.

إن إطلاق المحتلين العرب تسمية (تل موزان) على المدينة لم يكن فعلآ بريئآ، رغم أن كلمة (موزان) مفردة كردية، وكذبوا عندما إدعوا أنها مفردة تركية. إن المحتلين العرب مهرة للغاية في تزوير الحقائق التاريخية وسرقة تاريخ الأخرين، وعلى رأسهم تاريخ الشعب الكردي وأسلافه على وجه الخصوص، وذلك من خلال تزوير الحقائق التاريخية، وفي مقدمتها أسماء المدن، القرى، الجبال، الأنهر، السهول والوديان والمناطق الجغرافية، الينابيع، البحيرات، الكهوف، أسماء الملوك والألهة، … إلخ. ومن ثم تسويقها على أنها حقائق تاريخية ثابتة لا يشيبها شائبة، وتغير إسم مدينة أوركيش الخورية أتى في هذا الإطار تحديدآ. بهذا الشكل خلقوا تاريخ مزيفآ للمدن الخورية ومنها مدينة “أوركيش”. ولليوم هؤلاء اللصوص والمحتلين يدعون ملكية هذه المدينة والمنطقة بأسرها ولهذا أطلقوا عليها تلك التسمية الخبيثة.

 

وفي الواقع هذا مجرد عملية تدليس، والعرب وبقية الأقوام في كل من سوريا والعراق ولبنان والكويت مجرد محتلين ومستوطنيين أشرار، إستوطنوا هذه المنطقة عنوة، ولكي يبرروا إحتلالهم السرطاني، أخذوا يؤلفون قصص كاذبة مختلقة، ليمنحوا أنفسهم شرعية في هذه البلاد، حالهم حال الأتراك والفرس. ثم محاولة صناعة مجد لهم من خلال الأكاذيب وسرقة جهد وعرق الأخرين أصحاب الحضارة والتاريخ الحقيقيين، ومنهم الشعب الخوري، وفي شمال أفريقيا تاريخ وحضارة القبطيين (المصريين) والأمازيغ.

من هنا على جميع الكتاب الكرد إستخدام الأسماء الكردية الأصلية لمدننا وقرانا فقط في كتاباتهم، وهذا ينطبق أيضآ على الإدارة الذاتية في غرب كردستان بكل مؤسساتها، ومع الوقت سيحفظ أبناء الشعب الكردي أسماء مدنهم الكردية الأصلية، وسيتحررون من التاريخ المزيف الذي زرعه المحتلين العرب في أدمغتهم على مدى مئات الأعوام. هذا إلى جانب درسة تاريخهم الحقيقي وتاريخ منهم الأثرية والتاريخية بأسمائها الحقيقية الكردية. وبهذا نقطع مع تلك الأكاذيب والتدليس الذي سوقها العرب المستعربة على أنه تاريخ المنطقة ومدنها. كما هو معلوم فإن الإعلام المرئي له تأثير كبير وقوي على الرأي العام، ويدخل إلى بيوت ملايين الناس ويؤثر فيهم تأثير كبير. لهذا أدعوا الحكومات الكردية المحلية وكافة المحطات التفلزيونية الكردية المبادرة وبالتعاون مع باحثينا ومؤرخينا بإنتاج أفلام وثائقية وتسجيلية عن كل مدينة كردية أثرية وتاريخية، بشكل إحترافي وعلى مستوى عالي ومتقن، ومترجمة إلى عدة لغات ومن ثم عرضها في كافة القنوات التلفزيونية الكردية.

 

ثانيآ، جغرافية مدينة أوركيش:

Erdnîgeriya bajarê Orkêş

تقع مدينة “أوركيش” الأثرية بين مدينتي قامشلو وأمودا في مثلث نهر الخابور، وتبعد عن الأولى حوالي (17) سبعة عشر كيلومتر، وعن الثانية مسافة (5) خمسة كيلومتر على اليسار من الطريق بين المدينتين الكرديتين بحوالي (1) واحد كيلومتر. ويأتي أهمية موقع مدينة “أوركيش” لإطلالته على سهل منبسط خصيب يمتد إلى وادي “دارا” على ضفاف نهر الخابور. وهذا الموقع جعلها منها ملتقى الطرق التجارية بين العديد من المدن الخورية الواقعة في غرب وجنوب وشمال كردستان.

يبلغ طول تلة المدينة حوالي (600) ستمائة متر، وعرضها حوالي 400 متر، والحدود الخارجية للمدينة يبلغ حوالي (1.5) واحد ونصف كيلومتر, أما الإرتفاع الأقصى للتلة من الأرض لأعلى نقطة يصل إلى حوالي (28) متر، وبناء على هذه الأبعاد والقياسات تكون مدينة أوركيش واحدة من أكبر المدن الأثرية العائدة (4000) للألف الرابع قبل الميلاد في غرب كردستان. وتبلغ مساحة مدينة “أوركيش” مع المدينة السفلى حوالي (120) هكتاراً.

ترتفع المدينة حوالي 500 متراً فوق سطح البحر، ومن أعلى نقطة في التلة بإمكان الزائر مشاهدة كامل المنطقة المحيطة بها بوضوح، وبالذات السهل الزراعي الخصب المحيط بالموقع، كما يمكن مشاهدة سلسلة جبال “طور عابدين”، والتي كانت منطقة الصيد الرئيسة لأُوركيش القديمة. وعند النظر إلى شمال وجنوب الموقع يمكن رؤية سور المدينة الخارجي.

عرفت منطقة مملكة “أوركيش” بأمطارها الوافرة وأرضها الخصبة الصالحة للزراعة، الأمر الذي جعلها صالحة لإستقرار البشري فيها وممارسة الزراعة البعلية بعد إكتشاف الزراعة على يد الخوريين أسلاف الكرد في مدينة “نوزي” بجانب مدينة كركوك الكردية قبل عشرة ألاف عام قبل الميلاد. وكانت منطقة الفرات العليا مليئة بالغابات والغطاء النباتي خلال (3000) الألف الثالث قبل الميلاد. وهذا ما مكن  الخوريين – الزا گروسيين النزول من جبال زاگروس وطوروس والتوجه نحو هذه السهول المحيطة بجبالهم وإتخاذها مكاناً للعيش فيها والإستقرار، هذا قبل حضارة وثقافة مدينة “گوزانا” التي يعود تاريخها إلى (8000) الألف الثامن قبل الميلاد.

النصوص المسمارية أشارت إلى أن منطقة الخابور، ومن ضمنها مدينة “أوركيش”، كانت طريق عبور للقوافل التجارية منذ بداية الألف الثاني قبل الميلاد، كونها تشرف على معبر ماردين، وهذا ما سمح لها بالسيطرة على الطرق التجارية المؤدية إلى مناجم النحاس والقصدير في شمال كردستان، بشكل خاص تلك المناجم الغنية القريبة من مدينة آمد الكردية.

ومنطقة الجزيره الفراتية الكردية هي الرقعة الجغرافية الممتدة من نهر الفرات جنوباً وغرباً حتى حدود غرب كردستان مع جنوب كردستان (العراقية – السورية) شرقاً، وحدود غرب كردستان مع شمال كردستان (التركية – السورية) شمالاً. وبمساحة تقدر بحوالي (45.000) خمسة وأربعين ألف كيلومتر مربع. وتقسم المنطقة جغرافياً إلى قسمين:

1- الجزيرة العليا: تبلغ مساحتها حوالي (18.000) ثمانية عشر ألف كيلومتر مربع، وتشمل أساسآ مثلث نهر الخابور أي الأراضي الواقعة شمالي هذا النهر.

2- الجزيرة السفلى: تبلغ مساحتها حوالي (27.000) سبعة وعشرين الف كيلومتر مربع.

 

منطقة الجزيره هي مهد أقدم حضارة عرفتها تاريخ البشرية وهي حضارة “گوزانا” الخورية والتي يعود تاريخها إلى (8000) ثمانية ألاف عام قبل الميلاد. ومدينة “گوزانا” لا تبعد كثيرآ عن مدينة “أوركيش”

وكلتا المدينتين تعودان لنفس الشعب والثقافة ألا وهو الشعب الخوري سلف الشعب الكردي. ومنها أي هذه المنطقة إنطلقت صناعة الفخار، وبنيت أولى القرى والمدن، أقنية الري، نظام التهوية، نظم الحكم، صناعة السلاح وشهدت أول حرب نظامية، وعرفت الطور الممهد للكتابة، كما كانت لها دور في تطور الكتابة، وعلى أرضها عاش أقدم شعب وهو الشعب الخوري. وتضم المنطقة عشرات المدن الأثرية والتاريخية إن لم يكن المئات من مدن هذا الشعب. لا يضاهيها أي منطقة في العالم بكم المدن الأثرية وهذا يدل على عراقة الشعب الخوري، ومدى تطوره في تلك الحقبة التاريخية، وفي جميع المجالات المعمارية، الصناعية، التجارية، الروحية، وحتى الإجتماعية.

لا تبتعد مدينة أوركيش عن جبال طوروس سوى (10) عشرة كيلومترات، ويحدها من الشمال الشرقي مدينة “نصبين” في شمال كردستان التي تواجه مدينة قامشلو مباشرة في الجانب الأخر من سكة القطار، التي إعتمدت كحدود لعينة من قبل محتلي كردستان بين شمال وغرب كردستان. يحيط بمدينة أوركيش منطقة سهلية وخصبة صالحة للزراعة. ومناخها متوسطي صيفها حار وجاف، وفي الشتاء جوها بارد وممطر، وفي الربيع طقسها معتدل وممطر لكن بشكل متقطع. ولأن المنطقة حارة صيفآ، فتتجاوز درجة الحرارة أحيانآ فيها بشهر تموز (41) درجة مئوية، وتنخفض درجة الحرارة في الشتاء إلى حوالي (2) درجة مئوية في شهر كانون الثاني، وأحيانآ تصل إلى ما دون (0) الصفر درجة مئوية، وهذا يؤدي إلى تشكل الصقيع في أولى ساعات الصباح.

ومثلث نهر الخابور الذي يضم مدينة “أوركيش” في أعلاه أي عند قاعدته، تقع إلى الجنوب من سفوح جبال طوروس الكردستانية الشاهقة، وهذه المنطقة غنية بينابيعها التي تغذي روافد نهر الخابور، وأقرب نهر من المدينة نهر براز (خنزير) القادم من شمال كردستان. أما معدل هطول الأمطار التي تهطل في المدينة والمنطقة المحيطة بها سنويآ، تفوق (500مم)، تقريبآ نسبة الأمطار التي تهطل في مدينة قامشلو

القريبة منها وفي مدينة الهسكه يصل معدل الأمطار إلى (280مم). وإلى الجنوب من “چيايه كوچاكه” الذي عرب المحتلين العرب إسمه ولقبوه بجبل (عبد العزيز) ذاك المحتل، تصل النسبة إلى (250مم).

ومنطقة الجزيره الفراتية الكردستانية، تضم أكثر من خمسين مدينة أثرية تعود في أكثريتها إلى فترة الخوريين، السومريين، الميتانيين والهيتيين والميديين وجميعهم أسلاف الشعب الكردي، واليوم تضم

ثلاثة محافظات هي: “رقه، در-زور وهسكه”، بمساحة تبلغ نحو (62.000) إثنان وستين ألف كيلومتر مربع، أي ثلث مساحة سوريا. تمتد أراضي الجزيره من حدود شمال كردستان (تركيا) شمالاً، وحدود جنوب كردستان (العراق) شرقاً وحتى حدود محافظة هلچ (حلب) من الغرب ومحافظتي حماه وحمص من الجنوب الغربي. وهي من المحافظات القليلة الأمطار في سورية، حيث أن نحو ثلثي مساحة تلك المحافظات مجتمعة أمطارها دون (250مم) سنوياً. وهي الأكثر تطرفاً في درجات حرارتها. فصيفها حار تصل الحرارة العظمى المطلقة فيه إلى أكثر من (45) درجة في بعض السنوات، وشتاءها مائل للبرودة، وتنخفض الحرارة الصغرى إلى ما دون الصفر.

والأرض في عمومها سهلية مع بعض العوارض الجبلية التي تنتصب فوقها إمتداد جبل شنگال، چيايه كوچاكه وجبل قره شوك وسلسلة جبال طوروس. ويشقها نهر الفرات ورافديه الخابور والبليخ. والفرات ورافديه عصب الحياة لهذه المنطقة قديماً وحديثاً. فعلى ضفاف نهر الفرات ورافديه إزدهرت حضارات وقامت مدن ما تزال أطلالها وبقاياها شاهدة على تاريخ هذه المنطقة الموغل في القدم، مهد حضارة الشعب الخوري سلف الشعب الكردي والتي إنطلقت من مدينة “گوزانا” قبل (8000) ثمانية ألاف سنة قبل الميلاد. وسبق لنا أن كتبنا دراسات تاريخية عن هوية وتاريخ المدن الثلاثة: “رقه، در-زور، هسكه” ونشرناها، وهي مدن كردية خالصة منذ فجر التاريخ.

أما سهل الجزيره الفراتية العليا، فيمتد من عند أقدام سلسلة جبال طوروس الكردستانية شمالآ وحتى ضفاف نهر الفرات الكردي جنوبآ أي يشمل كل أراضي محافظة الهسكه، وسهلها تراكمي انجرافي المنشأ، إذ إن الأنهار والجداول والمجاري السيلية المنطلقة من الجبال في شمالي كردستان قد حملت كميات كبيرة من المجروفات ممثلة في الرمال والطين والحصى ووضعتها في البقعة. ويحدها شرقآ جبل شنگال الوعر ونهر تيگريس شديد الإنحدار. ويمكننا تقسيم سهل الفرات الأعلى إلى نوعين من السهول نظرآ لتباين طبيعة المجروفات المائية الصخرية والنوعين هما:

أولآ: سهل حواف الجبال:

هذه السهل يلامس حواف جبال شمال كردستان ولا التي لا تبعد عن منطقة الجزيره سوى (10) عشرة

كيلومترات. وعرضها يتراوح بين (15-20) كيلومتر، ويشمل المسافة الممتدة ما بين مرتفعات جبل

“رش” شرقاً ومرتفع سريه كانية الكلسي. وإرتفاع السهل يتراوح ما بين (350-450م)، وذات تموجات قليلة، ويخترقها مجار مائية كثيرة، تمثل روافد نهر الخابور.

ثانيآ: السهل التراكمي الإنجرافي:

فهو أكثر انخفاضاً من الأول وأشد استواءً، وتحده من الجنوب سلسلة تلال “أبه”، وچيايه چمبه، ويصل إرتفاعها لحوالي (646) متر، ويقع شرق الخابور ويعد الامتداد الغربي لجبل شنگال (1500م) الواقع في جنوب كردستان. وچيايه كوچاكه وهو الأكبر والأعلى في المنطقة، ويبلغ إرتفاعه إلى حوالي (920) مترآ، ويمثل هذا السهل حفرة واسعة مكونة من عناصر صخرية دقيقة غضارية ورملية، تتوضع فوق قاعدة غير عميقة بحيرية الصخور ومالحة. هنا تنتهي أغلب المجاري السيلية بمراوحها الفيضية الواسعة وكما تلتقي المجاري المائية مع نهر الخابور.

+++++++

نهر جقجق:

هذا النهر له إسمان إسم تاريخي هو: “هرماس”، وتسمية حديثة هي “جقجق” وكلا التسميتين كرديتين. تسمية “هرماس” مصطلح كردي مركب من كلمتين، الأولى (هري) تعني كل في حالتنا هذه، والثانية (ماسي) وتعني السمك. وبالتالي التسمية كلها تعني نهر الأسماك. أي بمعنى كله سمك أو مليئ بالأسماك.

وتسمية “جقجق” مفردة كردية مكررة وأصلها (جقا- جق)، وهذه القاعدة اللغوية قديمة في اللغة الكردية وتعود لأيام الخوريين والسومريين أسلاف الكرد، والهدف منها هو تعظيم الشيئ أو التأكيد عليه.

+++++++

نهر خابور:

تسمية “خابور” تسمية كردية مركبة من لفظتين، الأولى (أخا) وتعني الأرض. والثانية (بور) وتعني الأرض البكر، بمعنى أرض غير مزروعة. أعلم أن بعض الإخوة الكرد يطلقون عليه نهر الشمس أي نهر الإله، ولكن هذا التحليل غير صحيح ولا يعتمد على علم ومنطق. وكي يتلائم اللفظ مع النطق العربي، قام العرب بإحلال الحرف العربي (و) محل حرف الكردي (أو) الغير موجود باللغة العربية، وهذا أمر طبيعي كون المفردة غير عربية، وبالتالي التسمية كلها تعني (الأرض البور)، كون النهر كان يجري في أراضي غير مزروعة حينذاك، وحرف (أ) سقط مع الزمن وأصبحت التسمية خابور.

+++++++++

جبال زاگروس:

سلسلة جبلية تقع غرب في شرق وجنوب. تعتبر أعلى سلسلة جبلية في كردستان، تبدأ سلسلة الجبال هذه من شواطئ بحيرة وان بشمال كردستان، وتستمر بعد مرورها عبر مقاطعات أذربيجان الغربية وشرق كردستان وكرمانشاه، أصفهان، كوهجيلويه، بوير أحمد، شهارمهال، بختياري، خوزستان، لوريستان إلى وكرمان، هرمزجان. وتضم سلسلة جبال سورين، سلسلة جبال هاورامان، سلسلة جبال مرمانگان، جبل شنروي، جبل بالامبو، جبال قنديل. وأعلى قممها هو جبل هزاران ويصل إرتفاعه إلى (4.500) متر.

+++++++++

جبال طوروس:

هي سلسلة جبلية في شمال كردستان، تفصل القسم الشرقي من شمال عن غربها (هضبة الأناضول) وتمتد المنظومة الجبلية على طول المنحى الذي يبدأ من بحير إگيردير في الغرب إلى إلى أعالي نهري الفرات ودجلة في الشرق. وهي جزء من حزام ألپيد في أوراسيا. وتنقسم جبال طوروس إلى ثلاث سلاسل جبلية، وهي من الغرب إلى الشرق: طوروس الغربية، طوروس الوسطى، طوروس الجنوبية الشرقية. وأعلى قممها هو جبل جيلو ويصل إرتفاعه إلى (4.168) متر.

+++++++++

الجزيره الفراتية:

هذه التسمية مأخوذة عن المفردة الكردية “چزيره” وتم تعريبها، وهي كلمة مركبة من كلمتين: الأولى (چي) وتعني المكان، والثانية (زير) وتعني الذهب. وحرف (ا) هي إضافة تتم إضافتها عند وصف الموصوف. وهكذا يكون معنى التسمية “المنطقة الذهبية”. سمية المنطقة بهذه بهذا الإسم لأنها كانت السلة الغذائية والمائية والثروة الحيوانية لكل جنوب غرب كردستان. ولليوم تشكل سلة غذائية وحيوانية وأضيف إليها حديثآ سلتين جديدتين هما: سلة الغاز والنفط، والثانية سلة الطاقة الكهربائية، التي ينتجها سد الفرات.

Ci/cî:  مكان      Zêr: الذهب         Ci  + zêr  ——>  Cizêr:  جزيره

وكوننا في هذه الدراسة نتناول تاريخ عاصمة الدولة الخورية، فلا بد لنا أن نتوقف عند أصل الخوريين ونرى من هم؟

الخوريين:

Xorî

الشعب الخوري وفق جميع المراجع التاريخية والأثار المكتشفة هو أقدم شعوب منطقة الشرق الأوسط على الإطلاق، ويعود تاريخه في المنطقة إلى مئات ألاف السنين. وتوصل العلماء الأثاريين والباحثين إلى أن الخوريين هم أسلاف الشعب الكردي الحالي، وليس فقط هذا وإنما هم أيضآ أسلاف: الزاگروسيين، الگوزانيين، السومريين، الكاشيين، الإيلاميين، الهكسوس، الگوتيين، الميتانيين، الهيتيين، الميديين، الساسانيين. وأقاموا أول حضارة إنسانية في التاريخ وذلك في مدينة گوزانا، وذلك قبل الميلاد بحوالي (8000) ثمانية ألاف عام، وعاشوا في غرب كردستان، وكل من شمال وشمال غرب كردستان (الأناضول) وجنوب كردستان (بلاد ما بين النهرين). كانت الدولة الميتانية (1475-1275) قبل الميلاد والمملكة الهيتية (2000-1200 ق. م)، أكبر دولتين خوريتين عرفتهما المنطقة وأكثرها نفوذاً، ولاحقآ ظهرت الدولة الميدية الكردية، والتي دامت (175) مئة وخمسة وسبعين عام وذلك من (728-550) قبل الميلاد. وبعدة فترة زمنية تمكن الكرد من بناء دولة جديدة تحت إسم الدولة الساسانية، والتي إستمرت لأكثر من (400) أربعة قرون وذلك من (224-651) ميلادي.

الكثير من الشعوب عبر التاريخ من حول العالم، إكتسبت أسماء عديدة ومنهم الشعب الكردي الحالي. لا بل يمكنني القول هو أكثر شعب في التاريخ لقب بأسماء عديدة منها: زاگروسيين، كوردوخ، گوتي، خوري، سوبارتي، سومري، كاشي، إيلامي، هكسوس، ميتاني، هيتي، كرمانج، لوري، خالدي، ميدي، كلهوري، ظاظا، صفوي، ساساني، أيوبي وغيرها من التسميات.

وكل هذه التسميات جميعها هي لشعب واحد وهو الشعب الكردي، قد يكون بفعل الغزوات والإحتلالات التي تعرضت لها كردستان عبر ألاف السنين إختلط معه بعض الأقوام الأخرى بنسب صغيرة، لكن النواة الصلبة للشعب الكردي بقيت على حالها وظلت متماسكة، ولولا ذلك لأنصهر هذا الشعب منذ زمن بعيد. لكن إصراره وتشبثه بهويته القومية والدينية وطبيعة كردستان مكنته من الحفاظ على هويته الكردية وبدليل نضاله المستمر من أجل نيل الحرية والإستقلال منذ ألاف السنين.

ويمكننا في هذا المقام سرد عدة شعوب أخرى مرة بنفس التجربة، مثل الشعب المصري، العربي، النمساوي والألماني، لكن علينا أن نميز بأن المصريين ليسوا عربآ، وإنما يتحدثون العربية كحديث الهنود بالإنكليزية لا أكثر.

المثال الأول:

الشعب المصري الحالي لم يكن يحمل هذه التسمية تاريخيآ، وهذه التسمية الحالية حديثة العهد جدآ. وأول

تسمية إكتسبتها هذه الجغرافية كانت “كمت” والتي تعني الأرض السوداء أو الأرض الخصبة إشارة إلى نهر النيل. وثاني تسمية أطلقت عليها كانت “الأرض الصحراء” كون ثلثي مساحة مصر صحراء. أما

التسمية الثالثة التي لقب بها هي “تاوى” وتعني باللغة المصرية القديمة الأرضين، إشارة إلى شمال مصر (الدلتا)، وجنوب مصر أي (الصعيد).

التسمية الرابعة التي أطلقت على هذه الجغرافيا كانت (حت – كا – بتاح)، وبمعنى “مقر قرين الإله بتاح” وهو بالأصل إسم أشهر معابد الإله “بتاح” والموجود في مدينة “منف”. والشاعر الإغريقي “هوميروس”

ذكر إسم (إيگوبتس) وهي مأخوذة عن التسمية (حت  كا – بتاح)، وبسبب عدم وجود حرف (الحاء) في اللغة اليونانية إستبدلوه بحرف (گ)، والأوروبيين أخذوا هذه التسمية عن اليونانين مع حذف حرف (س) وهكذا أصبحت إسمها باللغات الأوروبية (إيگبت).

أما التسمية الخامسة والحالية أي “مصر”، والتي أول مرة ورد ذكرها في التوراة، ويؤكد العلماء أن أصل التسمية مصرية قديمة وكانت تلفظ “مشر”، وتعني المحصن أو المحروس، كون مصر محاطة بحواجز طبيعية تحميها، وأنا شخصيآ أميل لهذا الرأي. أما تبديل حرف (الشين) بحرف (ص) هو لتيسير نطق الكلمة. والمصريين حالهم حال الكرد كان لهم عدة دويلات وممالك وعواصهم، وكانت تتقاتل فيما بينها، وتتنازع على الملك والنفوذ وتوحيد مصر جاء متأخرآ جدآ.

المثال الثاني:

العرب تاريخيآ كشعب سميوا بعدة تسميات مختلفة منها: بنوا كنعان، بنوا قحطان، بنوا عدنان، أموريين، نجديين، حجازيين، قريشيين، يمنيين، عمانيين، مناذرة، غساسنة، وغيرها من التسميات. وتسمية العرب

حديثة العهد، وهي تسمية أرامية وأصلها (أرابيا) وتعني سكان الصحراء ولم يقصد بها قومية أو عرق ما

وأخذت هذه الصفة لاحقآ بشكل متأخر. وحتى أهل اليمن كانوا يسمون العرب (أعراب) أي البدو الرحل وهم أناس غير مستقرين في أرض معينة، ويعيشون بخلاف الحضرين في الخيم بدلآ من القرى والمدن، ولا يعرفون العمل في الأرض. والتوراة أوردتها بمعنى البداوة، أي العيش في البادية التي تمتاز بالجفاف والفقر، وهذا يتوافق مع معنى التسمية باللغة الأرامية. بالمناسبة السوريين (الحلبيين، الشوام، الحماصنة) حتى قبل الثورة، عندما كان يحضر بدوي للمدينة كانوا يسمونه “عُربي” بمعنى البدوي ويستهزؤن منه، ولذلك عندما نقول هذا الشخص عربي، نعني بذلك البدوي، وليس عرقآ. هذه الكذبة إبتدعها ألأشرار من أتباع محمد ذاك الفاجر والشرير.

أما القرآن عرف كلمة (عرب) بنفس تعريف التوراة ولكنه إستخدم تسمية الأعراب بدلآ من تسمية العرب أي سكان البادية، وإنتقد بشدة صفاتهم السيئة والقاسية بحكم عيشهم في البادية وطبيعتها الجافة والصعبة، وإعتبر القرأن كل من يتحدث لغة هؤلاء البدو هم عرب بما فيهم سكان المناطق الأخرى، وهذه كانت سياسة محمد لجمع كل سكان الجزيرة حوله.

المثال الثالث:

الشعب النمساوي الذي يتحدث باللغة الألمانية، هو الأخر إكتسب العديد من التسميات في تاريخه منها: الجرمان، هابسبورغ، سيسليثانيا، أوستريان، لاتريشن، وكما هو معروف العرب يسمونها النمساويين، وعبر التاريخ أنشأ النمساويين عدة ممالك ودول وحتى إمبراطورية مشتركة مع المجريين وتقاتلوا مع الألمان وخاصة مملكة بروسيا وأخضعوهم لسيطرتهم لسنوات طويلة جدآ.

المثال الرابع:

الشعب الألماني، هوالأخر إكتسب عدة تسميات خلال رحلته التاريخية حتى يوم توحيده في دولة واحدة فيدرالية. جرمان، بروس، دوج، ألمان. والألمان لم يكونوا شعبآ واحدآ وإنما كانوا قبائل متعددة مثل الكرد وتم توحيدهم بالقوة في إطار دولة فيدرالية. والفرنسيين الحاليين لم يكونوا شعبآ واحدآ تم توحيدهم بالحديد والنار وصهرهم في بوتقة قبيلة واحدة وهي قبيلة الفرنكيين ولغتهم.

كما رأينا مما سبق بأن شعوبآ عديدة إكتسبت عدة تسميات مختلفة عبر تاريخها وذلك لأسباب عديدة لا مجال هنا للتفصيل فيها. وإنطلاقآ من ذلك وقبل الحديث عن أصل الخوريين ومن هم ومن أين أتوا، أود أن أسجل إعتراضآ لا بد منه وأقول لكل الذين تناولوا أصل الخوريين وتاريخ وجودهم في المنطقة الممتدة بين البحر المتوسط وخليج إيلام، والتي تشمل كل من: سوريا، العراق، لبنان، إسرائيل، فلسطين والكويت والأناضول والهضبة الإيرانية: بأن تعدد تسميات شعب من الشعوب لا يعني حداثته ولا يمكن إلغاء تاريخه أو جزءً منه. ولهذا تقريبآ كل الذين تناولوا هوية وتاريخ الشعب الخوري، أعادوا تاريخه

إلى (4000) أربعة ألاف سنة قبل الميلاد كأقصى حد، والبعض الأخر منهم رجع تاريخ الخوريين إلى (2000) ألفي عام قبل الميلاد، وكل هذه التواريخ غير صحيحة ومدعاة للسخرية ولا تمت للحقيقة بشيئ.

الخوريين بإختصار هم أقدم شعب عاش في منطقة الشرق الأوسط، وذلك منذ مئات ألاف السنين قبل الميلاد، ومناطقهم تضم جبال طوروس غربآ وجبال زاگروس شرقآ، وسهل ألالاخ جنوب سلسلة جبال

طوروس وسهل الفرات الغربي والشرقي، أي جنوب غرب سلسلة جبال زاگروس وتضم كل من ميدنة حلب، وان وأورميا وكركوك الحالية. وخير دليل على ذلك إكتشاف البعثية اليابانية قبل حوال 15 سنة عظام طفل صغير بلغ (2) الثانية من عمره وقدرت البعثة تاريخ عيشه إلى (100.000) مئة ألف عام قبل الميلاد في كهف “دو- دريا” بمنطقة أفرين بغرب كردستان. جاء إنتشار الخوريين في المناطق السهلية بالتدريج ولكن بالإتجاهات الأربعة وخاصة بعد إكتشاف الزراعة من قبلهم في مدينة “نوزي” أي كركوك الحالية، قبل الميلاد بحوالي (10.000) عشرة ألاف سنة. لاشك في بداياتهم كانوا يسمون “الزاگروسين” وتسمية الخوريين إكتسبوها، بعد ظهور فكرة التدين لدى الزاگروسين وإتخاذهم من الإله “خور” أي إله الشمس إلهآ لهم ومنذ ذلك الحين إكتسبوا هذه التسمية أي “الخوريين” وتعني أتباع الإله “خور”.

وبعد ذلك إنتشر الخوريين في كل المنطقة والتي تضم كل الكيانات المصطنعة التالية: (تركيا، ايران، لبنان، سوريا، العراق، الكويت، فلسطين، أرمينيا وأذربيجان)، وبنوا فيها العديد من المدن والحضارات مثل حضارة گوزانا، سومر، إيلام، الكاشيين، ميتان، الهيتيين الميديين، السوباريين، وحضارة أوگاريت، هموكاران، هلچ (حلب)، شمأل، ألالاخ، أگرو، مبوگ، أرپاد، أوركيش، واشوكاني، نوزي، أوروك، ميرا، هسكه، رقه، باخاز، درزور، وغيرها من الحضارات المهمة جدآ. وعندما نتحدث عن تاريخ الخوريين، نحن نتحدث عن الحياة الحضرية أي المدينة وظهور الكتابة، ونحن نعلم جيدآ أن الخوريين هم بناة أول المدن في تاريخ البشرية وفي مقدمتها مدينة: گوزانا، هموكاران، ميرا، أرپاد، دو-مشك (دمشق)، هلچ (حلب)، گرگاميش، واشوكاني، نوزي، أوروك.

فإذا كان بعض المدن الخورية يزيد عمرها على (10.000) عشرة ألاف عام قبل الميلاد، فكيف حدد البعض ممن كتبوا عن تاريخ الشعب العريق وإصوله بأربعة ألاف عام (4000) قبل الميلاد فقط!!!. هذا لا يستقيم مع المنطق والحقائق المادية التاريخية على الأرض، وهي الأثار الخورية الهائلة التي إكتشفها العلماء في العشرات من المدن الأثرية الخورية. إذا كان الكنعانيين العرب البدو الهمج وفدوا إلى المنطقة

قبل الميلاد بنحو (3000) عام قبل الميلاد ولحقهم الأموريين بعد سنوات، وكانت هناك مدن وحضارات كاملة قائمة في المنطقة أقامها الخوريين، فكيف يمكن القول بعدها بأن الخوريين وفدوا إلى هذه المنطقة حوالي العام (1500- 2000) قبل الميلاد، كما كتب البعض من الكتاب المدلسين ومزوري التاريخ؟؟

أمر أخر وهو أن الميتانيين ظهروا في المنطقة حوالي العام (1750) قبل الميلاد، وكما هو معلوم بأن الخوريين سبقوا الميتانيين بألاف السنين.

ودليل أخر عندما غزا الأكديين المنطقة كانت هناك حضارة سومر، والسومريين خوريين قدموا من شمال غرب كردستان إلى جنوب الرافدين، وتحديدآ من منطقة الجزيره الفراتية – الخورية – الكردية. وتسمية المنطقة “جي – زيرا” نفسها تفضحهم، ولهذا فإن تاريخ وجود الخوريين في هذه المنطقة يعود إلى أكثر من (100.000) مئة ألف عام دون أي شك. أما تاريخ الحضارة الخورية فيعود تاريخها إلى حوالي (10.000-8.000) عام قبل الميلاد. وفي هذه الفترة الزمنية من التاريخ، لم يكن يعيش في منطقة شرق المتوسط سوى الخوريين أسلاف الشعب الكردي.

ولقد جاء على ذكرهم “التوراة” وأنهم كانوا بين الشعوب التي أقامت في فلسطين/ إسرائيل. وأول ما أثار انتباه الباحثين رسالة مدونة باللغة الخورية أرسلها ملكهم “توشراتا” إلى الملك المصري أمنحتب الثالث (1413- 1377)، ووجدت هذه الرسالة بين رسائل “تل العمارنة” بمصر عام (1877). وفي أوائل القرن العشرين بدأت المصادر المتصلة بالتاريخ الخوري تتزايد يومآ بعد يوم وكماً ونوعاً، فاكتشف المنقب الألماني “وينكلر” في عام (1906) طبقة من الآثار الخورية في مدينة “بوغازكوي، التي كانت عاصمة الدولة الهيتية في شمال غرب كردستان (الأناضول)، كما عثر على عدد من النصوص التي ورد فيها إسم “خاري” الذي ورد في التوراة، واسم “خارو” الذي ظهر في المصادر المصرية. وتلاشى دور الخوريين بعد بروز الدولة الميتانية حوالي (600) القرن السادس قبل الميلاد، والدولة الهيتية في شمال غرب كردستان.

نهاية هذه الحلقة وإلى اللقاء في الحلقة القادمة.

نحن بإنتظار أرائكم وملاحاظتكم ومنكم نستفيد.