تقييم سمينار أولدنبرك  – حاجي علو 

 

نشعر بالأسى أن نقول الحقيقة أن السمينار كان فاتراً من حيث الحضور, فقد كان مقتصراً على المعارف الكتبة ذوي الإهتمام الخاص بالموضوع, رغم الدعوة إليه قبل وقت مناسب, ما يدل بصورة جلية على ضعف إهتمام الئيزديين بتاريخهم ودينهم, فالموضوع كان التعريف بالدين وكتبه وكان المفروض أن يحضره كل من يُريد أن يعرف الحقيقة خاصة الئيزدي العادي الذي يجهل الكثير عن الحقيقة, هذا الموضوع الحساس (الجلوة ومصحف رش)  الذي طالما أشغل أذهان المهتمين وغير المهتمين, وقد ملأ ذكرهما الآفاق . والزمن أيضاً كان مختصراً جداً, ورغم أنّ العرض والنقاش لم يتجاوزا الساعة فقد كانت لنا مساحة كافية لعرض النقاط المهمة في الموضوع, لكن النقاش كان مُحاصراً, فكلما وصلنا في الرد على السؤال المطروح الذي كان كله تقريباً إنتقاد وتشكيك, كلما وصلنا إلى النقطة الحاسمة, كانت المقاطعة بسيل من الأسئلة والنقاشات الأُخرى فكان التوضيح غير كافٍ قد يكون في هذا التقييم توضيحاً أفضل.

بعد عدة عقود من البحث من قبل جميع الباحثين الئيزديين عن حقيقة الكتابين لم تزد في الموضوع إلاّ تشكيكاً متزايداً بل رفضاً من قبل البعض, ولم ينجح أحد في العثور على غير ما هو منشور عنهما قبل أكثر من سبعين عاماً, وقد وصلوا إلى أقاصي مكتبات ومتاحف العالم دون جدوى, وعندما وجدنا قولاً آخر  يؤكد عليهما بنفس المعنى مضافاً إليه ما شاء من الإضافات, طفح الكيل , فكان لابد من نشر ما توصلنا إليه, لا لشيء, فقط لإسكات الطبول المدوية والكلام الفارغ حول تنسيبهما وتزويرهما والطلسم الذي يحل كل الألغاز …., لقد تبيّن بالأدلة ونتائج الأحداث ومقارنة الأزمنة, أن الكتابين لم يُكتبا في زمن الخاسين الذي إنتهى بنهاية الأيوبيين, ما يُؤكد أنهما ليسا للشيخ عدي ولا الشيخ حسن ولا فخردين ولا شيشمس ولا لأيٍّ من معاصريهم أبداً, لقد كُتبا في الفترة الضبابية التي أعقبت هولاكو وزوال فرمانات الخلافة  العباسية, كل ما في الكتابين متواتر ومعروف ومعترفٌ به, لكن لا ذكر فيه للخاسين ولا الأحداث الساخنة التي حدثت أثناء تبلور الدين الئيزدي الحالي ولا الداسني , فيه ذكر للإسم الئيزدي, هذا الإسم الذي لم يُذكر في زمن الخاسين أبداً ولا في أي قول, لكنه عُرف فيما بعد بزمن ربما ليس بالقصير, ليس فيه ذكر لدور الأبيار الحاسم في نهضة الداسنيين ولا الشيخ عدي الثاني ولا الشيخ حسن, فقط الشيخ عدي بن مسافر الذي ليس له دور, …. أي بعد زمن من نسيان أدوار الخاسين وأهمية كل واحد منهم.

حدد أمين زكي تاريخ مصحف رش بأنه في 743 هجرية وأنا أُؤيد ذلك بل مضمون الكتابين هو الذي يُؤكّد ذلك, المهم أن الكتابان قد كُتبا بيد الئيزديين وبلهجة بحزاني, ففيها من الحقائق ما لا يعرفها غير الئيزدي, كما فيها آثار يد أجنبية فيسمي البراة بالعفص وسجادين بالصنم وهو إنسان خاس إبن ئيزدينةمير, ومن يجهل إسم البراة ليس ئيزدياً أبداً وهناك ملاحظات أخرى تؤكد أن يداً غريبة قد عبثت بالكتاب, وفيها ملاحظات تاريخية غايةً في الأهمية لا يعرفها غير الئيزدي بل إنقرضت تلك الأخبار إلاّ بعض من قصص تؤكدها , والذي أثلج صدري أنهما لا يتطرقان إلى السومريين ولا الآشوريين ولا الساميين بأي شكل من الأشكال, هنا إرتفع صوتٌ محتجاً قائلاً : ونبوخذنصر؟ قلت نعم, كان صهرنا وحليفنا على نينوى وإنتهى مفعوله بعد جيل, ولا ذكر فيه لإبراهيم الخليل وأسطورته, المهم جداً …….. , الكتابان وبكل صراحة ووضوح و دون مجاملة يُحذران من الاديان المجاورة الثلاثة ومن كتبهم ومخالطتهم, بينما نصوصنا الدينية مليئة بتمجيد الأديان الإبراهيميّة المحيطة لدرجة يُعتبرون ديننا مزيجاً منها, والحقيقة هو على النقيض منها دين الشمس والنار (الشمس تشرق من بين قرني الشيطان….. /حديث نبوي في صحيح البخاري ومسلم) والآن الكورد المتدينون في عراك دائم مع عيد نوروز لأنه عيد الشمس والنار.

قال أحدهم في سؤالٍ مطوّل: إذا كنت تؤكد تزويرهما وضعف معلوماتهما ونفي مؤلفيها ومصدرها فلماذا نشرتهما ؟ قلت أساساً لإسكات الأصوات العالية والإسهاب والإطناب فيما تسمى بكتب الئيزديين المفقودة, أنا أعترف بها وبكل ما جاء فيهما أنتم الذين لا تعترفون بها لأنها بعيدة جداً عن آرائكم المعتمدة على المصادر الأجنبية التي تجهل كل شيء عن الئيزديين الداسنيين, تقرأونها منذ سبعين عاماً وتنكرونها ولم تعثرو على غيرها, كل ما ورد فيهما متواتر وأنا أقرّه, خاصة فيما يتعلق بنفي علاقتنا بشعوب الرافدين الساميّة والسومرية و أديانهم فلا ذكر لهم في الكتابين ولا كلمةً من لغتهم في لغتنا وهذا أغرب ما في التاريخ, نعيش معاً لآلاف السنين بل وفي قرى مختلطة, كان المفروض أن تكون هناك مئات الكلمات المشتركة حتى لو كانت بقومية مختلفة, فقال أحدهم بلى هناك المئات, فقلت والله أنا أجيد لغتي وقد غربلتها عدة مرات فلم أعثر فيها على أكثر من نصف كلمة آشورية (دوش+ آب) والنصف الآخر فارسي, دوشاب/ عسل ماء /الدبس, فآتني بكلمة ثانية مشكوراً. فقال (كرين وفروتن) فقلت يا أخي هذه كلمات كوردية فارسية,  دخيلة على الآشورية وليست مشتركة, لا يفهمها غير المسيحي الذي يعيش بين الكورد, و لهم بلغتهم ( زوني و زبوني) البيع والشراء, حتى الصياغة عربية البيع قبل الشراء وهي كلمات سامية حية في لغة العرب (زبون) يعني مشتري حتى اليوم, بينما كرين كوردية والصياغة هي فارسية : (كرين وفروتن, خريدن وفروشتن/ خريد وفروش), وكنت أقاطَع مراراً خلال ردودي على الأسئلة التي كانت واحدة منها وبشدة : أين مصادرك؟ فقلت أنت مصدري, ألا تقولون أن الشيخ عدي بن مسافر لما دنا أجله قال ( كل من تجدونه في مكاني هو الذي سيخلفني)؟  قال: نعم. فكيف وجدوا إبن حفيد أبو البركات في مكانه في اليوم التالي؟ بحسب أنسابكم المضطربة المشوشة ( شيخ محمد إبن منصور إبن شيخوبكر إبن أبي البركات) والأكثر تناقضاً من ذلك هو النسب الموضَّح في قائمة المرحوم بازيد بك بن إسمايل جول بك …., بل ولا نسب عندكم صحيح , لو كنت أُثق أو أعتمد على مصادركم (الدملوجي والديوجي والحسني ……) لكنت الآن صائماً, أنتم تؤمنون بهؤلاء وتنكرون مصحف رش الذي يبيّن الأنساب واضحةً جلية صادقة, تنكرونها لأنها ليست على مزاجكم والله أنا أؤمن بها وإن كانت دون المأمول. إذا كنتم تريدون ما كتبه الشيخ عدي نفسه وبيده , فذاك هو كتابه (إعتقاد أهل السنة والجماعة لعدي بن مسافر) نشراه إبراهيم النعمة ومحمد على الياس العدواني 1975 وهو بين يديكم منشورٌ في المكتبات فلم لا تقرأونه ؟ أو قرأتموه وتصمون آذانكم ؟ وإن لم تظفرو به فهاهو بين يديكم الآن, وأريتهم الكتاب الأخضر الذي تحققت فيه من مخطوطة محمد نجل العدوي ونشرته ثانيةً في كتاب بعنوان (الئيزديون والدين الئيزدي في مخطوطات الشيخ عدي وغيرها من المدونات القديمة ) لا أثر فيها للدين الئيزدي ولا الداسني ولا الخاسين ولا لالش ولا غير لالش, وكان الإنتقاد التالي عن الجلوة الصحيحة وعن بيت الجلوة في بحزاني , قلت هاتوها, أين هي, بحزاني ليست بعيدة إن كنتم صادقين .

الغريب في الأمر أن أهم الملائكة (عزرائيل) مفقود وهو المعروف المهم عند الئيزديين, فما السبب؟ أعتقد ان العلة ليست في مصحف رش إنما في الملائكة أنفسهم, فلم يكونو معروفين لدى الداسنيين قبل الإسلام نهائيّاً وقد دخلوا الدين الئيزدي بفعل المحيط الإسلامي الذي يعترف بالملائكة الآرامية, ربما كانت هناك فكرة الآلهة الثانوية (الأرواح الخالدة المقدسة) المساعدة لأهورامزدا بعد توحيد زرادشت, بُدلت بالأسماء الآرامية مجاراةً للمحيط, فهي ليست من لغتنا ولا تراثنا, وكيف جعلوا من تيس الله عزازيل ملاكاً بإسم طاوسيملك وهو الله الخالق ثم جعلو أولاد ئيزدينةمير ملائكة ….. إنها خربطة ليس لها تفسير إلاّ السيف, تسكت على مالا تؤمن به وبعد مدة يصبح إيماناً مشوهاً.

أما الخطأ الفادح فقد عثرت عليه في القول الرديف ( قةولي جةلوي) إنه قولٌ رائع مرآة الفترة التي قيل فيها وهي بعد هولاكو وإنتهاء الفرمانات وزوال الخوف, رقص و دبكة حتى الصباح, أعتقد إنه قد قيل مباشرة بعد هولاكو, ثم تلته إضافات في أوقات لاحقة مبالغ فيها ومنها هذه السبقة 29 وهو خطأ تاريخي غير متعمد منشأُه الجهل بالحقيقة فالبنسبة لنا جميع أحداث زمن الخاسين مقدسة لا خطأ فيها ولا تحريف والخطأ هنا لا يُفيد ولا يستفيد, إنما هكذا وصلت المعلومات إلى القائل ربما في وقت متأخر جداً فيقول الشيخ حسن سلَّم المهدر إلى الشيخ شمس وهذا غير صحيح كلاهما تنازلا وسلما القيادة للشيخ محمد بعد جدال وتنافس, ولم يكن الشيخ حسن زعيماً مطلقاً بعد أبيه كي يُسلّم أو يتسلّم, كان فراغاً في السلطة لمدة ستة سنوات فسلما السلطة للشيخ القاطاني, وليس للشيشمس.

وأخيراً نُعِتتُ بالعنيد ( سةر رةق) فقلت مُدافعاً: نعم يجب أن أكون كذلك, فعندما أرى أمامي قدحاً على المنضدة , ويمر به ألف أو ألفين كلهم, الواحد تلو الآخر يقولون  : أنه إبريق, إنه إبريق إنه إبريق ……. أنا لن أكون ملزماً بتكذيب عينيّ لأجل أن لا أُكذب ألف أو مليون عين .

حاجي علو

  1. آذار 2023