نهاية قادة الحركات الثورية :- كامل سلمان

متى نتخلص من مفردات ( ثورة ، ثوري ، مقاومة ، صمود ، نضال ، جهاد ) هذه المفردات التي تصحب معها جيوش من اليتامى وجيوش من الارامل ، وجيوش من العاطلين عن العمل ومساحات واسعة من المقابر الجماعية والفردية ، وتنتج لنا عوائل اختصاصها أنها القادة العظماء ،،، معظم قادة الحركات الثورية في التأريخ يبدأون مشوار عملهم الثوري مناضلين ثوريين أحرار وينتهون فاسدين أشرار ، وبهم تنتهي رحلة الحركات الثورية ، أما إذا تسلقوا هرم المسؤولية في الدولة فأن الدولة ستنتهي مع زوالهم ، هؤلاء القادة لم يكن الأصل فيهم مبادىء الخير ولكنهم امتلكوا المواهب للتغطية على معدنهم الحقيقي فأستطاعوا ان يخدعوا طيفاً واسعاً من الناس ويصلون أهدافهم عن طريق أهداف حركاتهم الثورية ، فلو تمعنا بإنهيار الدول وسقوطها أو سقوط أنظمتها سنلاحظ بوضوح هذه الصفة المشتركة بين قادة هذه الدول او الحركات . هذه الظاهرة يخيل لي بأنها متكررة بشكل كبير في معظم المجتمعات على مر التأريخ ، وكأني أرى بأن أي قائد جاء عن طريق العمل الثوري ثم تدريجياً غلبته الأنانية وأصبح دكتاتوراً فاسداً سينتهي بنفس النهاية السوداوية بمعنى أنها من سنن الحياة أو أنها قانون حتمي من قوانين الحياة لا مناص منها . يمكنكم ان تدرسوا تأريخ القادة المهزومين وكيف كانت نهايتهم ويمكنكم ترقب القادة الفاسدين كيف ستكون نهايتهم ، النتيجة واحدة ، ومن الجدير بالملاحظة بأن نهايتهم لم تكن من حيث يحتسبون لإنهم حسبوا لكل شيء حسابه الا أن قوانين الحياة تعاقبهم من حيث لا يحتسبون فينتهون نهاية مخزية وتنتهي معهم عروشهم وحركاتهم وكل شيء ألتف حولهم . سيناريو متكرر ومقرف يحمل في طياته الدروس والعبر لكن جميع تلك الدروس والعبر تكون عديمة القيمة وعديمة الفائدة لمن يأتي من بعدهم أو لمن يخلفهم . قد يسميها البعض هي سنن الله في الارض ، وقد يسميها البعض الأخر عدالة السماء ، وقد يسميها أخرون صدفة أو نتيجة طبيعية لتغيرات الاحوال والازمنة ، وفي كل الاحوال تبقى هي حقيقة ثابتة تشفي صدور من ذاق مرارة وجود هؤلاء القادة المزيفون وبنفس الوقت تدمي قلوب كل من لهث راكضاً وراءهم وحسبهم باقون للأبد وحسبهم أيقونات مقدسة لا يمسها الغبار .
القادة الذين لم يلوثوا مسيرتهم الثورية او السياسية او القيادية بالفساد ادركوا هذه الحقيقة فأنقذوا أنفسهم وأهليهم ومن سار خلفهم من الخزي والضياع وهؤلاء نوادر في التأريخ لا يتكرر وجودهم الا بشكل نادر …. الشعوب المحظوظة من حظيت بمثل هؤلاء ، وللأسف لم نحظى نحن بمثل هؤلاء القادة النزيهين الاخيار بل حظينا بمن هو أسوأ النماذج لتكون حياتنا مر علقم نندب حظنا معهم على الدوام لأننا راضون ومقتنعون وكأن هذا هو مقاسنا ولا نستحق غير ذلك بل ونحث ابناءنا ان يكونوا مثلنا يتجنبون المتاعب بعيدين عن الشر وننسى بأن الشر قد أخذ مأخذه منا ، فكم من ثمن غالي دفعنا بسبب سكوتنا ورضانا ومازلنا ندفع عن طيب نفس .
الشعوب التي لا تدافع عن نفسها وتختار من هو أهل لقيادتها فلا تلوم الا نفسها عندما تدفع ثمن سوء أختيارها . من العيب ان ننعتها بأنها شعوب حية ، من العيب ان نتفاخر بإمجادنا الوهمية ونتعالى على الواقع .
لا أعرف حسنة واحدة لجميع رموزنا على مر التأريخ ، والدليل ان الحسنات تنمو وليست السيئات هي من تنمو ، فهل وجدتم في تأريخنا وحاضرنا غير السيئات تنمو وتثمر لا يوجد شعب له تأريخ ناصع ويعيش حالياً في الحضيض ، هذا تناقض مع الحقيقة .
أن أكثر الأخطاء سذاجة عند طبقة المثقفين عندما يتناقلون في كتاباتهم مزايا لقادة سابقين او معاصرين لو تمعنا بها قليلاً لوجدناها من المهازل التي لا يجدر بنا ذكرها . لم نكن ندرك بأننا ضحية لأفكار مثقفينا الذين يجيدون فن الكتابة ولا يجيدون معرفة الحقائق . لو أحصينا عدد المؤلفات التي تزخر بها مكتباتنا لوجدناها تفوق عن عدد المؤلفات في أية دولة اخرى ، ولكن ماذا قدمت لنا هذه الالوف من المجلدات والكتب ؟ أنا أقول ماذا قدمت لنا ، قدمت لنا عدم القدرة على معرفة وأدراك حقيقة الأفكار والقادة الذين يتلاعبون بنا ، قدمت لنا كيف نكتم افواهنا بأيدينا ، وحالنا من سيء الى أسوأ . فلو تسنى لنا اليوم ان ننهض من غفوتنا فأن أول خطوة نحتاجها هو التخلي عن معظم الموروثات لكي تتحرر عقولنا قبل كل شيء ، وهذا مالا يسمح به عبدة الماضي وعبدة الرموز . فهم على الدوام أصحاب اليد الطولى وأصحاب القرار .. القادة الثوريون يكشرون عن أنيابهم عندما يبدأ الحصاد يبدأونها من خلال العنف الثوري ويبدأونها من خلال الإكراه والتخويف للعناصر التابعة لهم ، فأي قائد سياسي ثوري تجدون في حزبه او تنظيمه هذه المواصفات فأعلموا انه مشروع جاهز للفساد المستقبلي ، للأسف جميع التنظيمات العاملة في المجتمعات البائسة هذا ديدنها .
يمنون أنفسهم بأنهم يمثلون المجتمع كله ، هذا الوهم موجود عند معظم قادة الحركات الثورية ، لذلك يصبحون قساة مع معارضيهم ظناً منهم بأن المعارضين خونة وعملاء حتى وان بلغ عدد المعارضين امواج بشرية من الشعب ، فينعتونهم بالجواسيس والجوكرية بدل ان ينظروا ماذا يريد المعارضون المنتفضون ، هذه الصورة وجدناها عند جميع القادة في مجتمعاتنا ، يحبون المدح والتطبيل فيدفعون اموالاً ضخمة للمطبلين وكأن هذه الاموال ورثوها من اباءهم . متى تتغير احوال شعوبنا مع وجود هؤلاء القادة الميامين ؟ ومتى نتخلص من زيف القيادات الحكيمة ؟ ومتى ندرك بأن القائد هو خادم وموظف لخدمة الناس وليس بعبع . ومتى نتخلص من مصطلح ثورة وثوري ومقاومة وصمود ومناضل ، فهذه المفردات كان ضررها كبير علينا ولم نكسب منها اية منفعة .