إنقلاب فاغنر أثبت هشاشة النظام الروسي الحالي –

 

إنقلاب مجموعة فاغنر بقيادة “يفغيني بريغوجين” على السلطة الروسية المركزية ورئيسها، والتهديد بإزاحة وزير الدفاع شويغو ورئيس الأركان، وتجرأها على ترك جبهات القتال في أوكرانيا وتوجهها نحو العاصمة موسكو بدلآ من ذلك، وقطعها مسافة حوالي (850) كيلومترآ، وسيطرتها على مقر قيادة الجيش الروسي في مدينة “روستوف” وتوبيخ جنرالين روس من قبل خريج السجون “بريغوجين” زعيم الميليشيات المسلحة الغير قانونية، والتهجم العلني على وزير الدفاع مرارآ وبكلمات نابية، وعدم تعرض تلك الميليشيات للقصف من قبل الطيران الروسي، وإنهاء التمرد بذاك الشكل السريع والمفاجئ، كل ذلك يضع المرء أمام تساؤلات عديدة منها:

1- هل النظام الروسي الحالي هشآ لهذه الدرجة؟

بعد الذي حدث خلال اليومين الماضيين، تبين أن النظام الروسي حاله كحال دُب القطب الشمالي في فصل الشتاء، حيث يعاني من حالة ضعف ووهن واضحين بسبب قلة الطعام، ووهن النظام الروسي عائد برأي إلى إنفراد شخص بوتين بالسطلة. حيث بلد كبير مثل روسيا ومتعدد القوميات والثقافات وإحدى عشر نظام توقيت، لا يمكن حكمه من المركز ومن قبل شخص معتوه متعطش للسلطة، يلاحق كل من يتفوه بأي كلمة أو يبدي رأيآ مخالفآ لسلطة بوتين وعصابته. أمريكا فيها (52) حكومة وبرلمان ورؤوساء الولايات، وكلهم منتخبين وقضاء وصحافة مستقلة، لا تحكم أمريكا البلد من المركز ولذلك فهي بلد ناجح للغاية.

المركز دوره محصور في الدفاع والخارجية والمالية فقط، والكونغرس الأمريكي يقاتل بشراسة السلطة التنفيذية ويراقب كل خطوات وقرارات الرئيس والوزرات الفيدرالية، ولا مجال للمحابة هنا. ألمانيا نفس الشيئ حالها حال أمريكا بلد فيدرالي حقيقي رغم أنهم شعب واحد. النظام الرئاسي ذو الصلاحيات المطلقة كارثي بكل معنى الكلمة، وخاصة إذا كانت الصحافة والقضاء مدجنين ولا توجد معارضة قوية وحرة. وعلى العموم النظام الرئاسي سيئ أينما وجد بما فيهم فرنسا. برأي النظام الروسي شبيه بالنظام الصدامي والأسدي حكم فرد مطلق، حيث لا حسيب ولا رقيب ولا معارضة ولا قانون، وكل معارض مصيره القتل أو السجن أو النفي.

2- هل فقد بوتين وجنرالاته السيطرة على ميليشيات فاغنر؟

الجوان نعم.

بقناعتي أن بوتين لايمسك بمفاصل جيشه العرمرم، ولولا ذلك لما تمردت عليه وعلى قيادة الجيش زعيم “ميليشيات فاغنر”، التي أنشأها هو بنفسه وأمن لها الغطاء القانوني، ودعمها بالمال والعتاد والسلاح، هذا إضافة إلى مده بقطاع الطرق والسجناء واللصوص، وهو الذي أرسل هذه الميليشيات إلى سوريا، لقتل الناس الأبرياء هناك، ومن ثم جلبها إلى أوكرانيا لتركتب نفس المجازر الرهيبة. ومنذ اليوم الأول من تطاول رئيس هذه العصابة المسلحة على وزير الدفاع الروسي، كان على بوتين قطع رأسه، ولكنه لم يفعل ذلك، والسبب إضعاف “شويغو” وزير الدفاع الحالي.

هذا التمرد رغم فشله شكلت ضربة قوية لمكانة بوتين المنفوخ كثيرآ، لا بل كانت مهينة له على المستوى الشخصي ونظامه المافيوي. وبرأي هناك الكثيرين من الضباط وصف الضباط والجنود والجنرالات يكرهون بوتين ويناهضون حكمه الإستبدادي، ويرفضون حربه العبثية ضد أوكرانيا وغير مقتنعين بها من الأساس، والتي فشل فيها بوتين ولم يحقيق أي إنجاز يذكر بعد مرور حوالي العام ونصف على إندلاعها، هذا رغم أن الجيش الروسي يعتبر واحد من أقوى جيوش في العالم!!!!!

ومن جهة أخرى إن هذا التمرد خلق لدى بوتين توجس أكبر من القادة العسكريين الذين يقفون على رأس المؤسسة العسكرية والأمنية، وأحدثت شرخآ بينهم، ومن الصعب ترميم هذا الشرخ في مدة زمنية قصيرة وسيحتاج الأمر إلى الكثير من الجهد والعمل، وحتى تغيير العديد من الأفراد في المؤسستين.

3- لماذا فشلت الإستخبارات العسكرية الروسية في كشف تحركات ميليشيات فاغنر؟

أنا بتقديري الإستخبارات العسكرية الروسية، لم تفشل في كشف نية “يفغيني بريغوجين” الإنقلابية ولا حتى تحركاته العسكرية المريبة وذلك لسببين هما:

الأول: الإستخبارات العسكرية الروسية، واحدة من أقوى أجهزة المخابرات في العالم، ولهذا من الغباء تصديق فشلها في أرضها.

الثاني: الروس يمتلكون أقمار عسكرية صناعية تجسسية، وتصور يوميآ كل الكرة الأرضية، فهل يعقل أن المخابرات العسكرية الروسية لم تصور جبهات القتال خلال الأسابيع الماضية وتوقفت عن ذلك؟؟؟ هذا مستحيل. ثم كيف لم تلتقط الأقمار الصناعية صور تجمع عناصر ميليشيات فاغنر، وهي بعشرات الألاف من المقاتليين وتمتلك ألاف العربات والمدرعات وراجمات الصواريخ والمدافع، وعتاد عسكري ضخم؟؟؟

ثم ألم تلاحظ تلك الأقمار هذه المليشيات وهي تنسحب من جبهات القتال وتتجه نحو موسكو؟؟؟ أشك في ذلك كثيرآ.

قناعتي تقول هناك إمتعاض وتذمر في صفوف المؤسسة الأمنية والعسكرية الروسية، وهم غير راضين عن حكم بوتين وسياساته الهوجاء وحربه الجنونية ضد اوكرانيا، وإعتبارها جزءً من الأراضي الروسية.

ولهذا ماطلت أجهزت الإستخبارات في تبليغ بوتين مباشرة بنية “يفغيني بريغوجين” وجماعته وتحرك قواته نحو موسكو.

ثم هناك سؤال أخر وهو:

هل من الممكن أن الإستخبارات العسكرية الروسية، لم يكن لديها عيون وأذان داخل مجموعة فاغنر؟؟

ساذجٌ من يعتقد ذلك.

4- هل مازال بوتين يمسك بمفاصل السلطة ويثق بجنرالاته؟

أعتقد أنه مازال يسيطر بمفاصل الدولة، وإن إهتزت صورته وصورة نظامه. هو فصل النظام بعد تسلمه الحكم على مقياسه هو، وقرب منه فقط الموالين والموثوقين بهم من جهته، على الأقل هو هكذا ظن أنهم موثوقين ومخلصين له، وزعيم ميليشيات فاغنر “يفغيني بريغوجين” كان واحدآ من هؤلاء الموالين!!! لكن في السياسة وميدان المصالح  والطموحات الشخصية، الولاءت تتغير بتغير المصالح والرغبات الشخصية والإمكانيات، ولن أتفاجئ إذا إنقلب عليه أقرب حلفائه غدآ. فالحاكم له ألاف الأعداء، فما بالكم بحاكم مستبدٍ وفاسد مثل بوتين وله في السلطة أكثر من (20) عشرين عامآ، وهو شخص غير منتخب وغير الدستور على الطريقة الأسدية لكي يبقى رئيسآ لروسيا مدى الحياة.

5- هل يعقل أن يكون كل ما حدث مسرحية معدة مسبقآ كما يدعي البعض؟

مبدئيآ كل شيئ وارد. ولكن لا أظن ما حدث كانت مسرحية وعمل مخطط كما روج لذلك البعض بحجة عدم قيام القوات الجوية الروسية بقصف قوات فاغنر وهي متجه نحو موسكو، والبعض الأخر قال إن الهدف من هذه المسرحية هو نقل هذه المليشيات إلى روسيا البيضاء لتقوم بالهجوم على مدينة كييف من الخلف لتفشل الهجوم الأوكراني ضد روسيا.

ردي على ذلك هو الأتي:

لو أن القوات الجوية الروسية قصفت تلك المليشيات وهي متهجه نحو موسكو، لفتحت الباب واسعآ أمام حرب أهلية حقيقية وطويلة المدى. وأعتقد أفضل قرار إتخذه بوتين في حياته، هو منع الإصطدام بقوات فاغنر.

ثانيآ، روسيا حشدت أكثر من مئتي الف جندي معززين بكافة أنواع الأسلحة النوعية والثقيلة، ومع ذلك فشلت في الوصول إلى مدينة كييف وإحتلالها، فكيف لمليشيات حجمها أصغر بكثير وتمتلك قوة أقل أن تصل لكييف وتحتلها؟؟ هذا غير معقول والأوكرانيين ليسوا نائمين والأقمار الصناعية الأمريكية تصور كل شيئ وعلى مدار الساعة.

من هنا أستبعد أن يكون ما حدث هو مسرحية معدة سلفآ، ولكن كما قلت في البداية كل شيئ ممكن وجائز في الحروب وأولها خداع العدو وتضليله دون شك، وهذا ما حدث كثيرآ في الحروب عبر التاريخ.

6- هل من حق الناس والحكومات أن تخاف من إندلاع حرب أهلية في روسيا؟

الجواب نعم.

من حق العالم أن يخافوا شعوبآ وحكومات ومسؤولين، لأن روسيا دولة كبيرة جدآ، وتمتلك ترسانة نووية ضخمة إضافة لأسلحة كيماوية وبيلوجية، ولذلك أي فوضى في هذا البلد له إنعكاس مباشر على العالم بأسره. ومن هنا هذا الإهتمام العالمي بما حدث في روسيا خلال اليومين الماضيين، وخاصة هذا البلد مليئ بالرؤوس الحامية والمتطرفة، ووصول هؤلاء لسدة الحكم أو للأسلحة النووية خطر للغاية لا بل مرعب، وهذا ما يخيف العالم أكثر من أي شيئ أخر. هذا إضافة إلى عشرات الملايين من اللاجئيين وأوروبا أصلآ تعاني من أزمة اللاجئين وهي أزمة حقيقية.

إنطلاقآ مما حدث في روسيا خلال اليومين الماضيين، بقناعتي بات من الضروري إنهاء الحرب الدائرة في أوكرانيا بشكل من الأشكال بحيث لا تبتلع روسيا اوكرانيا وفي المقابلأن  يحفظ ماء وجه العم بوتين المجروح جرحآ بليغآ. إن وقف هذه الحرب مسؤولية الغرب كما هي مسؤولية روسيا نفسها. وأمريكا بإمكانها الضغط على اوكرانيا ولجم رئيسها زيلنسكي إن أرادت. لأن إستمرار هذه الحرب لعبة خطرة جدآ، وفي أي لحظة يمكن أن تخرج عن السيطرة لسبب أو أخر وتكون النهاية كارثية على الجميع.

وختامآ، الأسابيع والأشهر القادمة، ستكشف لنا إن كان هذا التمرد إنتهى عندى هذا الحد، أم سيكون له تداعيات في المستقبل على النظام الروسي الحالي، وما هي تلك التداعيات وحجمها وإتساعها، كل هذا في رسم المستقبل.

 

27 – 06 – 2023

2 Comments on “إنقلاب فاغنر أثبت هشاشة النظام الروسي الحالي –”

  1. ** من ألأخر {١؛ معلومة سبب وساطة لوكاشينكو بين بريغوجين وبوتين أن الاول صديق عزيز له من عشرين عام كبوتين ، ثانيا الامان الذي اعطوه له ولقواته لم يكن طوعا بل رغم أنف الاثنين ، فلو اشتعلت الحرب الاهلية في روسيا لإمتد لبلاروسيا كذالك مما كان سيشكل خطرا على رئيسها خاصة بعد تصريح زعيم المعارضة البيلاروسية قادة الجيش والشعب لانتهاز الفرصة للاطاحة به بعد ساعات من تمرد قائد فاغنر على سيده …٢: واهم من يعتقد بأن قائد فاغنر قام بتمرده من دون أضوية خضراء من بعض قادة الجيش الروسي ، وبعد تمره هذا سيكون هنالك هروب لبعضهم أو تصفيات على الطريقة البوتينية وغدا لناظره لقريب ، سلام ؟

  2. Û ew tistî her pêwest û girîng di wê şanoyê da ku gerek em ji bîrr nekin

    ▪Pûtin, kurê saziyê sewlekarî ye (KGB) û qet ne ji pişt a saziyê leşkerî ye, û li nav rêjîmên dinyayê giştan ev tişt bandor a xwe dileyze, herî bêtir welatên dîktator.

    ▪Prîgojîn, ne kurê saziyê leşkerî ye û ne jî kurê saziyê sewlekarî ye, lê ew ji dervî xîm û stûrgehên (the structures) dewlet a rûssî ye.
    Tenê ew Prîgojîn girê-dayîbû tev kesayetî ya Pûtin, û li bin pazikên wî hatiye xudankirin û mezinkirin, û gava ew ruswabûn û lê-dan û lê-xistin bi ser serî Prîgojîn va bibare, rind baş zanibe ku mebest jê Pûtin e bi xwe ye (hostaz î Prîgojîn). Ku pê ra dibeyin:
    Ew seg û ķûçikî te xidan dikir, li te ve-gerî û destên te gez kir !

    Ez dibihînim ku ew saziyê leşkerî ya rûssî hîşt ku Pûtin û peyî xwe Prîgojîn ra-bin rûyên hev û hustiyên hev biçirrînin, û dîwarek ji dîwarên Pûtin bipeqe bişehite û hil-biweşe.

  3. لم يكن هناك اي انقلاب بل كانت خطة مسرحية لتتخلى موسكو قانونيا وسياسيا عن فاغنر التي ستبدء بضرب اراضي الناتو بولونيا ولاتفيا واستونيا

Comments are closed.