حرق القرآن : بقلم كامل سلمان

يبدو ان تكرار حرق القرآن أصبحت تجارة سياسية طالما هنالك استجابة قوية من شعوب وحكومات العالم الاسلامي لكل عملية حرق ، وأخيراً دخول دول غير اسلامية دول إلحادية مثل روسيا على الخط للاستفادة من ثمرات حرق القرآن حين حمل الرئيس الروسي القرآن بيده مندداً بما يسميه جريمة حرق القرآن أكيد سينال تعاطف اسلامي واسع مع موقفه في الحرب ضد الشعب الاوكراني ، لأن الشعوب التي تقودها العواطف تصبح دمية بيد الاخرين ، القرآن يحرق وبعدها يبدأ جني الأرباح . فلنبدأ منذ بداية إنتشار هذه اللعبة ونجاحها بشكل كبير ، البداية كانت على يد سلمان رشدي الذي نشر كتاب آيات شيطانية في ثمانينيات القرن الماضي ، خرجت الملايين من المسلمين في انحاء العالم تتظاهر ضد سلمان رشدي البريطاني من اصل هندي مسلم ثم تبعتها تصريحات وشجب لمسؤولين كبار في الدول الاسلامية ثم فتاوى دينية من المرجعيات الدينية باستباحة دم سلمان رشدي ، فقد لاحظت حكومات الدول المتقدمة كيف أن شعوب وحكومات الدول الاسلامية يمكن حرف أنظارها عن مسائل كبيرة في العالم بمجرد تحريك العاطفة الدينية عند أكثر من خمسين دولة اسلامية ، وهذا العدد من الدول يمثل تقريباً ربع عدد الدول المنضوية تحت منبر الأمم المتحدة . فأخذت هذه الجهات المستفيدة من عملية حرق القرآن بإرسال شخص يقوم بحرق القرآن في كل مرة حسب الحاجة ثم يتحرك الاعلام العالمي وخاصة الوسائل الاعلامية التي لها مصلحة بذلك بصب الزيت على النار ويصبح الموضوع الشغل الشاغل لحكومات وشعوب ودول اعلنت نفسها اسلامية واعلام ومحطات فضائية ليومين او ثلاثة ثم تعود الامور طبيعية وكأن شيئاً لم يكن بعد ان يخمد فوران الماء في القدور ، وهذه الحالة تكررت لعشرات المرات ومازالت ، نفس السيناريو ونفس العاطفة ونفس ردات الفعل وأولها مقاطعة استيراد الالبان من الدولة التي تطوعت لقبول حرق القرآن ، وهي آخذت بالتوسع خاصة بعد محاولة دول عظمى مثل روسيا الاستفادة الخيالية من ثمار هذا العمل ناهيك عن حصة الأسد من الفائدة للجهات التي تقوم بعملية حرق القرآن وعلى اراضيها . . من الناحية الايدلوجية أنا لا أرى أية قيمة عملية لحرق القرآن خاصة وأنها صدرت من شخص واحد لا من أمة ولا من مجتمع ولا من ديانة اخرى ، فالعملية لا تؤثر على إيمان المسلم ، فالمسلم يرى يومياً بأم عينيه كيف تحرق كلمات ومفاهيم القرآن ومبادىء القرآن كل يوم وفي داخل البلدان الاسلامية ولم يحرك ساكناً ولكن عندما يحرق الورق الذي يكتب فيه تلك المبادىء والمفاهيم من قبل شخص نكرة تقوم القيامة . ألم يحرق القرآن عندما تسرق الحكومات شعوبها ؟، ألم يحرق القرآن عندما يهرب الملايين من المسلمين من بلدانهم الاسلامية الى الدول التي يحرق فيها القرآن للنجاة بحياتهم من الظلم الديني والطائفي والعنصري والفقر والجوع وبعضهم يموت غرقاً ؟ ألم يحرق القرآن عندما يقتل الابرياء والنساء والاطفال بسبب صراعات اهل القرآن من أجل السلطة ؟ ألم يحرق القرآن عندما يموت الناس بسبب عدم وجود الرعاية الصحية والدواء في بلدان هي الأغنى عالمياً وفيها القرآن يرتل صباحاً ومساءاً ومن مكبرات الصوت والتلفزة ، كل هذا لم يحرك أحاسيس الحكومات والشعوب فقط تتحرك الاحاسيس عندما يحرق الورق الذي كتب عليه كلمات القرآن ، نعم نحن ندين بل ونحتقر اعمال دنيئة قذرة عديمة القيمة بحرق فيها المصحف بجهالة ، ولكن ردات الفعل للحكومات والمنظمات والاعلام في الدول الاسلامية ليتها تكون بنفس المستوى او حتى اقل حين ينتهك القرآن وتنتهك قيم القرآن وفي داخل البلدان التي تنادي بالقرآن ، خلال هذه الايام القلائل الذي يشغلون الناس بحرق القرآن تتصاعد وتيرة السرقات والانتهاكات في كل مكان من العالم الاسلامي وسرقة ما يمكن سرقته لزيادة الغلة لأن الذين يصرخون في الوسائل الاعلامية في الدول الاسلامية هم الذين يحرقون القرآن كل يوم وليس من ردة فعل ضدهم ، وسرقاتهم تذهب الى البنوك الموجودة في البلدان التي يتم فيها حرق ورق القرآن .
كفى تلاعباً بمشاعر واحاسيس الناس البسطاء ، كفى استهانة بقيمة الإنسان ، كفى تجارة بالدين ، أنا أنظر وأتحسس وأتألم الى شخص واحد قام بحرق نسخة من القرآن ولا أنظر الى مئات الملايين في العالم الغربي العالم الحر العالم المتمدن ليس لهم شأن بالقرآن ويحترمون الاسلام ويحترمون جميع الديانات ولا يطعنون بأديان الناس ، وحتى اتباع الدين الاسلامي الذين يعيشون في الدول الغربية الكافرة يمارسون دينهم وطقوسهم وشعائرهم أكثر حرية من بلدانهم الاسلامية ، هذا هو العالم الغربي الذي يجب ان نفهمه والشعوب الاوربية والامريكية هي من أحتضنت المسلمين والقرآن وأعطتهم ما أعطت لغيرهم ، هؤلاء هم من يمثل الحضارة والتمدن وليس شخص واحد ، فلماذا أتناسى مئات الملايين وأهملهم وأصب جام غضبي على شخص واحد لا يمثل الا نفسه ونختزل المجتمع الغربي كله بشخص واحد ؟، اليست هذه جهالة ؟ اليست هذه سوء تقدير عندما تذهب الانظار لشخص واحد معتوه ويتم التغاضي عن رأي مئات الملايين من سكان الدول الغربية . الا يدل ذلك بأن الاعلام يتلاعب بعقول وعواطف الناس والحكومات بشكل احترافي وأن التخلف وصل عندنا حد النخاع ؟