الخزرجي يحاور فضل الله في الإعلام والثقافة والسياسة ومستقبل المنطقة 

التقيت (نضير الخزرجي) بالمفكر الإسلامي آية الله السيد محمد حسين فضل الله في فندق الإستقلال شمال طهران في تشرين الثاني نوفمبر 1988م على هامش المؤتمر الدولي الثالث للوحدة الإسلامية، وأجريت الحوار التالي لصحيفة العمل الإسلامي الناطقة بإسم منظمة العمل الإسلامي العراقية، وحينها كان الإسم الصحفي لي هو (صفاء الناصر)، وفي الذكرى السنوية لرحيله في 4 تموز يونيو 2010م أعيد نشر الحوار فقديمه جديد دائم التجديد والمنطقة على مرجل التغيير المتجدد.

العمل الإسلامي: بصفتكم أحد علماء المسلمين ومن أبرز المفكرين ولاهتمامكم ببناء الحوزة العلمية في لبنان، ما هو المسار الثقافي الذي يجب أن يتبعه المفكرون الإسلاميون من أجل توجيه وتوعية الشعوب الإسلامية.

العلامة فضل الله: بسم الله الرحمن الرحيم .. عندما نريد أنْ ندرس المسار الثقافي الذي يمكن أنْ يتبعه العاملون في سبيل الله فإنَّنا نجد أنَّ من الضرورة ان يرتكز هذا المسار على الأُسُس الإسلامية في مجال العقيدة والشريعة والمنهج العملي الذي أراده الإسلام للناس ان ينتهجوه في مواجهتهم لكل الأوضاع والمتغيرات في الحياة حتى يستطيعوا أنْ يحركوا النظرية الإسلامية من أجل أنْ تلاحق كل متغيرات الواقع لتصل من خلالها إلى النتائج الكبيرة التي تضمن للذهنية الإسلامية أنْ تركز الواقع على أساس نظرية إسلامية واقعية تدخل في حسابها لحل التحديات المحيطة بها لتضع الخطوط المستقيمة الواضحة للجيل الإسلامي لكي يكون في مستوى التحدي.

وقد نحتاج في هذا المجال إلى التركيز على نقطة مهمة جداً وهي ضرورة إيجاد الفواصل بين ما هو الإسلام كفكر وكمنهج  للحياة وبين ما هو غير الإسلام لأنَّنا اذا لم نستطع أنْ نضع الفواصل الدقيقة فربما يختلط الإسلام بغيره من المفاهيم، فتقدم لنا المفاهيم الإسلامية بعنوان انها إسلامية فيما يمكن أنْ تعطى من المساحيق التجميلية التي تجعل صورتها قريبة إلى ملامح الصورة الإسلامية، وربما وقع الكثيرون من المفكرين في هذا المجال فاختلط عليهم أمر المفاهيم الإسلامية بمفاهيم أخرى فتبنوا تلك المفاهيم وبذلك عملوا على الإنحراف الذي طال الثقافة الإسلامية وأثَّر تأثيراً سلبياً على مسار الحركة الإسلامية التغييرية، وهذا ما نريده كل إخواننا العاملين للإسلام أنْ يدققوا في كل ما تقدمه لنا الساحة المتنوعة من أفكار وما تبرزه من مفكرين يتحركون في كثير من الحالات لاجتذاب المشاعر العامة التي تتحرك بها الأُمَّة في سبيل أنْ يدسّوا في داخل ذهنيتها أمورا لا ترتبط بالإسلام من قريب ولا من بعيد.

من وحي القرآن 

العمل الإسلامي: نما إلى أسماعنا انكم في صدد إكمال تفسير القرآن الكريم حركياً، يا ترى ما هي أبعاد هذا العمل المبارك الذي يقوم به سماحتكم؟

العلامة فضل الله: في الواقع إنِّي وصلت إلى الجزء الأخير في هذا التفسير الذي أخذ عنوان (من وحي القرآن) باعتبار أنَّه يستهدي الايحاءات القرآنية لاستجلاء المفاهيم القرآنية في آفاقها الواسعة على ما جاء في حديث عن الإمام الصادق سلام الله عليه: “إنَّ القرآن حي لم يمت، وإنه يجري كما يجري الليل والنهار، وكما يجري الشمس والقمر، ويجري على آخرنا كما يجري على أولنا”، مما يمكن أنْ يستوحي من ذلك أنَّ القرآن ككتاب إلهي نزل على أساس أنْ يرعى حركة النبوة في مواجهة كل التحديات وفي بناء الأُمَّة الإسلامية، مما يجعلنا نعتبر أنَّ القرآن يمثل الكتاب الحركي ولا بُدَّ له من أنْ يكون القاعدة التي ترتكز عليها كل مناهج العمل كما تنطلق منها كل قواعد الفكر، وعلى هذا الأساس فلا بُدَّ أنْ نستوحيه في كل ما يطرأ من متغيرات على واقع الحياة وفي كل ما نواجهه من تطورات وتحديات جديدة لنستوحيه في ذلك كله.

 وقد حاولنا في هذا التفسير بقدر ما أمكنني المحاولة أنْ أرصد كثيراً من الإيحاءات القرآنية التي يمكن أنْ نقدمها للعاملين في سبيل الله على المستوى الحركي ليكون القرآن هو أساس الحركة كما يكون هو الهدف الذي تعمل الحركة من أجل ان يلتقي الناس به في كل أمورهم العامة والخاصة، وقد صدر منه عشرون جزءاً ونرجو أنْ تصدر الأجزاء الباقي

آفاق الصحوة الإسلامية 

العمل الإسلامي: سماحة السَّيِّد، الأُمَّة الإسلامية تعيش حالة الصحوة الإسلامية، كيف يمكن توظيف هذه الحالة على طريق حاكمية الله وخلافة الإنسان في الأرض أي بتعبير آخر كيف يمكن تقويم هذه الظاهرة نحو تأسيس حكومة الألف مليون مسلم؟

العلامة فضل الله: لا بُدَّ لنا من أنْ ندرس الصحوة الإسلامية لنرصد طبيعة خلفيات هذه الصحوة وطبيعة الساحات التي تتحرك فيها والآفاق التي نتطلع اليها، إنَّنا عندما نرصد ذلك سنجد أنَّ هناك روحا إسلامية تعيش في جسم الأُمَّة الإسلامية بشكل عام وتحمل كثيراً من التطلعات لأنْ يكون الإسلام عنصراً حيّاً فاعلاً في الحياة ليحكم الحياة ويخطط لها ولكننا نلاحظ أنَّ هناك حالة ضبابية في هذه الصحوة مما يجعل كل موقع من مواقعها متطلعاً إلى نافذة هنا ونافذة هناك أو بصيص من الضوء هنا وبصيص من الضوء هناك، فالمشكلة إنَّ هذه الصحوة انطلقت في سماء غائم ولهذا فإنَّنا بحاجة إلى أنْ نبدد كثيراً من الغيوم حتى يمكن أنْ نوحِّد الأفق ونوحد النظرة لهذا الأفق ونوحد الخطوات التي يمكن أنْ تتحرك في هذا الاتجاه.

ما نلاحظه أنَّ الصحوة الإسلامية تفرز مواقع ومواقف تتصادم مع بعضها بإسم الإسلام وتفرز تيارات مختلفة تتمذهب بأكثر من مذهب على أساس أنَّ كل مذهب منها يعني الإسلام ليكون المذهب الآخر شيئا غير إسلامي وهكذا نواجه إنَّ الصحوة الإسلامية في الوقت الذي لا تقترب من الوحدة الحركية فعندما تواجه الواقع الإسلامي نجد أنَّ هناك أكثر من حركة تدعو إلى الامام وإلى أنْ يحكم الإسلام العالم.

ولكنك لو درست الركائز الفكرية في هذه الحركات لما وجدت هناك إختلافا فيما بينها، ولهذا فإنَّ الإنسان يحار عندما يفكر لماذا تندمج هذه الحركات في حركة واحدة بعد أنْ يرى انه لم تكن هناك أُسُس فكرية عميقة يمكن أنْ توحي بالتعدد وفي ضوء هذا قد يلمح الإنسان الجوانب الذاتية وقد يلمح الجوانب الفئوية وقد يلمح كثيراً من الأمراض الموجودة في داخل هذه الصحوة الإسلامية.

إنَّنا لا نريد أنْ نطلق التشاؤم في هذا المجال ولكننا نريد أنْ نؤكد على أنَّ المسألة تحتاج إلى جهد فوق العادة حتى نستطيع أنْ نكتشف الأرضية التي يمكن أنْ يقف عليها الجميع أو التي يمكنها أنْ يتقارب فيها الجميع، وهذا ما نرجو أنْ يتوفر للمخلصين فيما يعملون على تكوين جبهات او ما إلى ذلك في الساحة الإسلامية.

نحو إعلام هادف 

العمل الإسلامي: سماحة السَّيِّد لكم باعٌ كبيرٌ في الإعلام الإسلامي ونرى أنَّ الإعلام الإسلامي في كل مكان إعلاماً ضعيفاً فكيف يمكن النهوض بهذا الإعلام بحيث يكون في مستوى الإعلام العالمي؟

العلامة فضل الله: الشرط الأوَّل للنهوض بالإعلام الإسلامي هو إعداد الكوادر الإسلامية المتخصصة في الإعلام التي تعرف كيف تفهم الآفاق الإعلامية التي يمكن أنْ تنفتح عليها، واللعبة الإعلامية التي تتحرك في الساحة الدولية والإقليمية في حركة الخبر وفي شكله وفي طريقه إخراجه وفي طريقة صنعه والتحرك من خلاله وما إلى ذلك.

عندما نقترب من التحليلات السياسية وغيرها فإنَّنا بحاجة إلى متخصصين يفهمون الإعلام كفنٍّ فيما هو الأسلوب الفني الذي يتبعه الآخرون لنحاربهم من خلال ذلك من دون أنْ نبتعد عن مبادئنا ولنوظف هذه الإمكانات الفنية بالإضافة إلى ماعندنا من إمكانات فكرية وسياسية في سبيل أنْ ينفتح الناس على الإسلام في صورته الإعلامية، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإنَّ الإعلام الإسلامي يحتاج إلى أنْ يخوض صراعاً واسعاً في معركة الإعلام لأنَّ الأدوات الإعلامية في العالم يملكها المستكبرون وفي مقدمتهم الصهاينة الذين يعملون على محاصرة الإعلام الإسلامي ومحاولة إبعاده عن الساحة العامة وذلك بإخفاء الكثير من الأخبار التي تكشف عن الواقع الإسلامي على مستوى آلام المسلمين وعلى مستوى التحرك الإسلامي المعارض الرافض وما إلى ذلك.

إنَّ المسألة هو إنَّنا لا بُدَّ من توفير الإمكانات لتجعلنا نملك الأجهزة والوسائل الإعلامية التي تحتاج إلى مال كثير وتحتاج إلى جهاز كبير من الخبراء والمتخصصين في هذا المجال، لم يعد الإسلام مجرد خبر تكتبه أو تنشره بل تحول الإعلام إلى عالم قائم بذاته يعيش ساحة الصراع ويبحث عن مختلف الأسلحة التي يمكن أنْ تحقق النصر لهذا الفريق او ذاك الفريق في المعركة.

العراق والتغيير 

العمل الإسلامي: سماحة العلامة ما هو تصوركم عن مستقبل القضية الإسلامية في العراق في الظروف الجديدة؟

العلامة فضل الله: من الطبيعي إنَّ الصورة الحاضرة التي تقترب من المستقبل للقضية العراقية ليست واضحة تماما باعتبار أنَّ النظام العراقي الطاغي قد خرج من هذه الحرب المجنونة التي فرضها على الجمهورية الإسلامية وما زال يعيش نوعاً من أنواع مراوحة الأقدام فيها هي التطلعات المستقبلية التي يحاول أنْ يجد فيها موطئ قدم لدوره في الساحة العربية على الأقل، ولكننا لا نجد هناك وضوحاً في طبيعة الأوضاع العراقية الداخلية من خلال ما تختزنه من ثورة دينية قد تتحرك فيما اذا هُيئت لها الوسائل الكافية والظروف السياسية الإيجابية.

إنَّنا نعرف دائما أنَّ مثل هذه الأنظمة قد تستهلك بعد الحرب بالمستوى الذي لا تستطيع فيه أنْ تبقى طويلا ونحن نعرف ان النظام العراقي استمر في هذه المدة الطويلة لا من خلال إمكانياته الذاتية فحسب بل من خلال الدعم الكبير الذي حصل عليه من قبل كل الدول الكبرى بالإضافة إلى الدول  الرجعية الموجودة في المنطقة ولهذا فإنَّنا لا نستطيع أنْ نجلي الصورة الواضحة من خلال هذه المرحلة بل لا بُدَّ لنا من أنْ نتابع الأوضاع الدولية وكيف يمكن أنْ نتعامل مع المرحلة الجديدة للنظام العراقي، هل يبقى النظام العراقي حاجة سياسية وأمنية للدول الكبرى؟ أو انه استنفذ هذه الحاجات وأصبحت الدول المستكبرة تبحث عن بديل؟ وكيف هو البديل؟ إنًّ هذه علامات استفهام لا بُدَّ أنْ نجد جوابها في المستقبل على المستوى الدولي وعلى المستوى الإقليمي ولكننا بالرغم من كل ذلك نعتقد أنَّ مستقبل العراق يحققه العراقيون ولاسيما الإسلاميون.

العمل الإسلامي: سماحة السَّيِّد .. هناك سعي حثيث لتوحيد كلمة فصائل الحركة الإسلامية في العراق ولكم باع طويل في هذا المجال، فما هي في تصوراتكم للخطوات العملية الواجب إتِّباعها لنقل هذه الفكرة إلى حيز الواقع؟

العلامة فضل الله: أتصور أنَّ الأساس في توحيد فصائل الحركة الإسلامية في العراق أنْ يكونوا جادين بشكل أساسي في تغيير النظام في العراق بحيث تكون له الأولوية على كل القضايا وعلى كل المواقف، فلا ندخل في متاهات الأفكار النظرية فيما يكون عليه الوضع القادم في العراق، ولا ندخل في الحساسيات الذاتية والفئوية وإنَّما نتصور أنَّ هناك نظاماً لا بُدَّ أنْ يسقط ليتحرر الناس من ظلمه وطغيانه وأنَّ علينا أنْ نفكر في أقرب الوسائل لذلك، وأنْ نتفق على ميثاق إسلامي، ولا أجده مشكلة لأنَّ الإسلاميين لا يمثلون إختلافا كبيراً ثم بعد ذلك نعمل على أنْ نستمع لغير الإسلاميين حول نظرياتهم لمسألة إسقاط الطاغية وندرس بعد ذلك هل يمكن إيجاد ميثاق عراقي عام او لا يمكن ذلك، عندما نبدأ التفكير في الساحة العراقية الواسعة فسيجد كل واحد منا مكانه الطبيعي الذي لا ينازعه عليه إنسان آخر.

بغداد وبيروت .. دور هامشي 

العمل الإسلامي: في الآونة الأخيرة تدخل النظام العراقي في لبنان بدعم الفرق المسيحيَّة فهل يمكن أنْ تتطرقوا إلى دوافع هذا الأمر ومبرراته؟

العلامة فضل الله: من الطبيعي إنَّ النظام العراقي يبحث عن دور له يؤكد فاعليته في الساحة العربية ولاسيما إذا كان هذا الدور يقف في خط المواجهة ضد الدور السوري، ولهذا فليس هناك مكان صالح لهذا الدور إلاّ لبنان الذي تقف فيه القوات اللبنانية واحلافها كل المسيحيَّة السياسية المعقدة المتعصبة التي تقف في مواجهة المسلمين وفي مواجهة الدور السوري الذي يتحالف مع المسلمين لا يجد هناك دوراً أفضل من أنْ يدعم هذه القوات لتكون قوة في مواجهة الجانب الإسلامي سواء كان لبنانياً او سورياً ولكني لا أتصور أنَّ النظام العراقي قد نجح في تحقيق هذا الدور لنفسه لأنَّ طبيعة الأوضاع المعقدة التي تحيط بالمسألة اللبنانية على مستوى الإقليم الدولي بالإضافة إلى المستوى الداخلي لا تسمح له بأنْ يلعب في ساحة كبيرة ومن هنا فإنَّي أتصور أنَّ الإعلام قد أعطى هذا الدور أكبر مما يستحق وأنَّه لا يزال دوره هامشياً يعمل على إزعاج الدور السوري في لبنان.

فلسطين.. الإنتفاضة والدولة المستقلة 

العمل الإسلامي: حينما نتحدث عن لبنان فنتحدث عن فلسطين لوجود التشابك بينهما، سماحة العلامة: إنَّكم تعتقدون أنَّ الإنتفاضة ستستمر أم لا؟

العلامة فضل الله: عندما ندرس العناصر الأساسية في الإنتفاضة من خلال الشعب الفلسطيني المسلم فإنَّنا نرى أنَّ هناك إمكانات كبيرة في استمرارها وقد رأينا أنَّها استطاعت أنْ تتجاوز مخاطر كبيرة على المستوى السياسي وعلى المستوى العسكري ولم تستطع تلك المخاطر ان تسقطها ولكننا عندما نتكلم عن الإستمرار نتكلم عن الطاقة الممكنة التي تملكها ومن الطبيعي إنَّ الإنتفاضة تملك طاقات محدودة لو فرض أنَّ العالم تآمر عليها كما تآمر على الجمهورية الإسلامية بشكل حاسم بحيث صدر هناك قرار عالمي في تطويقها من جميع الجهات فإنَّ من الصعب أنْ نتكلم عن إمكانيات الإستمرار.

العمل الإسلامي: الدعوة إلى إقامة دولة مستقلة هل هو لصالح الفلسطينين أم لا؟

العلامة فضل الله: في تصوري أنَّ هذه المسألة لم تنضج بعد لأنَّهم يتحدثون هل تعلن دولة فلسطينية أو حكومة فلسطينية في المنفى بدون دولة او ماذا؟ وهل إنَّ هذه الدولة تمثل عملية إنتقالية مع الأردن مثلاً أو ماذا؟ .. في تصوري أنَّ هذه المسألة تدخل في مسالك التكتيك السياسي الذي يريد أنْ يفتح ثغرة جديدة في ساحات الصراع ضد اسرائيل أو الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أو الصراع الإسلامي الإسرائيلي او ما إلى ذلك.

الكاتب والقارئ .. علاقة مسؤولة 

العمل الإسلامي: نعود إلى السؤال الأوَّل: هناك فجوة عميقة في تأليف الكتب في العالم الإسلامي بشكل عام وفجوة أخرى بين القارئ والكتاب فكيف يمكن سد هذه الفجوات؟

العلامة فضل الله: من الطبيعي إنَّ مسألة إيجاد المفكرين تحتاج إلى جهد كبير وإعداد مستمر عميق، ولكننا نجد أنَّ الظروف السياسية التي تتحرك في العالم الإسلامي لتضع المفكرين في المواجهة لتستهلكهم نجد أنَّ هذه الظروف تمنعهم من أنْ يتعمقوا أكثر وأنْ ينتجوا أكبر كما أنَّ طبيعة الإهتزازات في العالم الإسلامي التي أخذت أغلب الجهات المثقفة بحيث أصبحت تبحث عن أمنها ومعيشتها أصبحت تنال من عملية النمو الفكري والثقافي.

أمّا قضية إجتذاب القارئ فإنَّنا نحتاج إلى إيجاد أجواء هادئة للقراءة والعواصف التي تعيش في منطقتنا لا تمنحنا مثل هذه الأجواء وحتى لو استطعنا أنْ نحقق بعض الأجواء فلا بُدَّ للمؤلف من أنْ يتفهم جيدا حاجة القارئ والجهات التي يريد أنْ يبحثها فيما هي مشكلته الحقيقية، وربما نرى أنَّ كثيراً من المفكرين يفكرون في اتجاه والعالم يسير في اتجاه آخر. . أنْ تفهم حاجة مرحلتك وحاجة أمتك، وأنْ تفهم طبيعة التحديات التي تواجهك، هذا هو الشرط لأنْ تجتذب القارئ عندما يكون فكرك حاجة له ولا بُدَّ إلى جانب ذلك أنْ تملك الأسلوب إلى جانب الفكر.

التعددية الحزبية والمرجعية الدينية 

العمل الإسلامي: تعيش أكثر الدول الإسلامية والعربية حالة الحزب الأوحد في تصوركم الحرية ما هي؟ وتعدد الأحزاب ما هو؟

العلامة فضل الله: عندما نريد أنْ نفكر في مسألة من المنطق الإسلامي فإنَّ التخطيط لتعدد الأحزاب أو إعطاء الحرية للأفكار المختلفة ينطلق من دراسة المصلحة الإسلامية العليا.

من الطبيعي إنَّنا في النطاق الإسلامي لا بُدَّ لنا من أنْ نفسح المجال لحرية الأفكار المختلفة في الدائرة الإسلامية ولكن ضوابط تمنعها من أنْ تتحول إلى مشكلة للواقع الإسلامي، أمّا بالنسبة للأحزاب غير الإسلامية فلا بُدَّ أنْ ندرس القضية في نطاق أمن الدولة الإسلامية، وهل يمكن أنْ تكون حرية الأحزاب التي تعمل على تغيير النظام أمراً مشروعا في هذا المجال.

إنَّ المسألة لا بُدَّ أنْ تدرس في نطاق طبيعة الظروف المحيطة بالدولة الإسلامية سواء من الداخل أو الخارج وقد تحدثت عن هذا الموضوع في المحاضرة التي القيتها في المؤتمر الفكري الإسلامي في طهران بعنوان “تأملات في الحرية الفكرية والسياسية في الإسلام” إلى جانب الحرية مع بعض التحفظات.

العمل الإسلامي: ما هو نظركم في توحيد جهود الأُمَّة عن طريق توحيد جهود المراجع؟

العلامة فضل الله: في تصوري أنَّ المرحلة التي نعيشها تملك تعقيدات كثيرة تقف أمام هذا الطرح وهو طرح ضروري، ولكنَّ هناك وضعاً معقدا لا يسمح له بأنْ يتحول إلى واقع لهذا علينا أنْ نثيره في الفكر فلعلَّ المستقبل يحول الفكرة إلى واقع.

جريدة العمل الإسلامي، العدد 282، 20/11/1988م.