في حضرة الجهلاء : – بقلم ( كامل سلمان )

أغرب ما وجدته عند الإنسان الجاهل ، إنه يحب شيئاً ولا يعرف عنه أي شيء ، يحب تأريخه ولا يعرف أي شيء عن تأريخه ، يحب رموزه ولا يعرف أي شيء عن رموزه ، ويكره شيئاً ولا يعرف عنه أي شيء ، يكره النقيض لأفكاره ولا يعرف أي شيء عن النقيض . ويفرح بشيء ليس فيه دواعي الفرح ، يفرح بالتصفيق والرقص لأنه رأى الاخرين يصفقون ويرقصون ، ويحزن لشيء ليس فيه دواعي الحزن ، يحزن فقط لأن مولاه حزن ، يستطيع من له قدرة الخطابة أن يبكي الجاهل و يضحكه في ساعة واحدة عشرة مرات ، وهذا ما يفعله الخطباء بطبقة الجهلاء ، ويركض مع الناس عندما يركضون ويتوقف عندما يتوقفون ولا يدري لماذا ركضوا ولماذا توقفوا . روحه تصبح رخيصة عندما يتم شحنه بكلمات عاطفية ، يتأثر ويتفاعل مع الخطابة ، مطية للخرافة ، عقله لا يتسع لنقيض المعلومة التي عنده ، لأن ما عنده هو الصحيح فقط وغير ذلك خطأ . يصدق من يحب حتى ولو كان كاذباً ويكذب من يكره حتى ولو كان صادقاً ، يستطيع توجيه التهم بسرعة وبدون دليل لمن لا يحب ويستطيع تبرئة من يحب من التهم وبسرعة وبدون دليل . عقله مليء بالشوائب وقلبه مليء بالظنون ، تعرفه عندما يتحدث يقسم ويحلف بأن كلامه صحيح لأنه يظن بأن القسم سيعطي مصداقية لحديثه ، تواجده بدون أقرانه الشبيهين به يشعر بالضياع والغربة والضعف ومع أشباهه يشعر بالزهو والغرور والقوة . يرغب بإحترام الناس له ولا يهمه إحترامه للناس ، عدوه من لا يتفق معه بالرأي حتى ولو كان صديقه ، وحبيبه من يتفق معه بالرأي حتى ولو كان عدو يخدعه . المظاهر تسلب عقله وينبهر بها ، يخضع بسهولة للأقوى منه ، ويشيخ على الاضعف منه . يتحدى الصعاب عندما يكون مع القطيع .
دائماً يوجد شخص في حياته بالنسبة له يعتبر رمز كبير ، وهذا الرمز بالنسبة له الكمال المطلق يعلم كل شيء فهو الخط الأحمر وهو المقدس ، ومن يمس هذا الرمز بسوء فالويل له ( حبه بإفراط وبغضه بإفراط ) لأنه يخلو من ميزان العقل ، يحتفظ بصورة من يحب ويوالي في قلبه وفي بيته وفي جيبه وفي عمله ولا يعرف ماذا قدم هذا الرمز له او لغيره . عندما يخطأ لا يفكر في تصحيح الخطأ ، لكنه يفكر في إيجاد المبرر للخطأ .
الحلول تبدأ عنده في أبسط المشاكل بالقوة والعنف وقد يضطر للانتقام إذا تعذرت الحلول . يحب سماع المثاليات ويحب تمجيد المثل الاعلى ويتحدث بالمثاليات لكنه يستسلم بسرعة للشهوات وخاصة الشهوات غير الظاهرة للعيان ، لذلك فالوثوق به مجازفة لأن مثل هذا الإنسان لا يؤتمن . ليس المقصود بالجاهل الإنسان الأمي او الإنسان غير المتعلم ، فكثير من الأميين هم أصحاب حكمة ودراية ولكن الجاهل هو ذلك الإنسان الذي استوعب مفاهيم الحياة بشكل مغلوط وبشكل عدواني ، فهو الفايروس الوحيد الذي لا ينفع معه أي لقاح ، ومثل هذا النوع من البشر هو نتاج العصبية القبلية والعصبية الدينية والمذهبية والفكر الظلامي . لا يوجد عدو ينتصر على شعب بدون الاستعانة بجهلاء ذلك الشعب .
كيف ستكون أحوال المجتمع لو أن مثل هذا الإنسان الجاهل بهذه المواصفات المذكورة اعلاه يتبوأ منصباً رفيع المستوى في الدولة ؟ قد لا أجد الجواب الصحيح لهذا التساؤل ولكني أظن بأن المجتمع الذي يتقبل وجود مثل هذا النوع من البشر في موقع المسؤولية هو مجتمع وصل الى مراحل متقدمة من الضياع ! حاله حال المريض المصاب بمرض عضال والمرض بمراحله المتقدمة فهل من علاج ينفع ؟

kamil.salman@gmail.com