هل بالإمكان أن يُدير الكورد شؤون العراق ؟- كامل سلمان

بما أن إقليم كوردستان جزء من العراق وهذا الجزء أثبت نفسه في بناء إقليم متقدم عن المحافظات العراقية بفارق كبير ، وأن التجربة أثبتت أيضاً أن السر وراء تخلف باقي اجزاء العراق عن إقليم كوردستان هي عقلية رجالات الحكم العاجزين عن بناء بلدهم ، المشغولون في الفساد والسرقات ، هذا الفارق الكبير بين كوردستان وباقي العراق شجعنا بأن نطرح مثل هذا التساؤل ، وهو هل بالإمكان أن ينضم العراق بجميع محافظاته الى كوردستان لبناء دولة نموذجية موحدة بعقلية كوردية وبطريقة كوردية … قبل ان يجتهد كل منا بالإجابة ، فلنعطي التقييم اولاً للبناء والاعمار والتعليم والزراعة والصناعة والصحة والخدمات والأمن لكل من الأقليم الذي هو جزء من العراق والعراق كدولة ، ومما شجعنا أكثر أن نطرح مثل هذا الرأي ما رأيناه من الالتفاف الجماهيري الكبير للعرب السنة في أكثر من محافظة سنية حول أحدى القيادات الدينية السياسية الكوردية المعروفة على الخارطة السياسية العراقية المسمى نهرو الكسنزان وقد شاهد العالم أجمع ذلك الالتفاف وذلك الولاء الشعبي الكبير عبر شاشات التلفزة ووسائل التواصل الاجتماعي ، هذا الالتفاف الشعبي الكبير يدل بأن الإنسان العراقي لا يفرق بين دين ومذهب وقومية القائد لأن الأصل هو نزاهته وصدقه . . . لقد لاحظنا في المجتمعات المتطورة بأن الجزء إذا حقق قفزة نوعية الى الأمام فأن ذلك الجزء سرعان ما يتقدم الصفوف ويصبح في القيادة والمسؤولية لباقي الأجزاء دون تردد ، وكم من موظف مغمور أصبح قائداً لشركات كبرى لأنه قدم أفكاراً تعطي دفعة كبيرة للشركة التي يعمل فيها ، وهذا هو سر من اسرار تطور المجتمعات ( الريادة والقيادة للأصلح ) فعندما يكون الكورد اكثر نجاحاً من أقرانهم في الوسط والجنوب يجب ان تسلم إليهم مسؤولية قيادة وبناء وإدارة البلد بأسرع وقت لكي يلتحق مجتمعنا بركب المجتمعات التي سبقتنا .
السؤال من حيث الطرح هو صدمة لمجتمع مثل مجتمعنا ، ولكن من حيث المنطق هو سؤال واقعي وتطبيقه ممكن جداً ، وقد يكون الكورد هم من يقود العراق في المرحلة القادمة . الى متى يبقى الشعب العراقي يتحمل وزر فشل الحكومات المتعاقبة ، لابد أن يصحو في يوم من الأيام بدون فوضى وضمن حدود الدستور يقوم بأختيار من يخدمه ويعيد له مكانته وقيمته وكرامته .. عندما يكون للكوردي والمسيحي والصابئي وأي مواطن في هذا البلد الحق في أن يكون على رأس هرم القيادة ، عندها يصبح مثل هذا الطرح ممكن جداً . والكورد أصحاب تجربة ماثلة أمام الجميع ولا يختلف عليها إثنان بإنها نموذجية .
حالياً ذهنية أبن الجنوب مشبعة بأن الحكم والسلطة لا يمكن أن تخرج من أيدي الشيعة مهما أساؤوا ومهما فشلوا و إذا خرجت من يد الشيعة ستذهب الى يد العرب السنة ، أي الى يد العدو العقائدي التقليدي ، وكذلك العرب السنة يعملون جاهدين لإعادة الحكم بيد السنة الناطقين بأسم العروبة ، وهذا يعني العقلية التي تقود الناس( شيعة وسنة ) تذهب لخدمة الطائفة والمذهب وليست مصلحة البلد ، والطائفة تعني ان الفائدة من السلطة ستكون تحت تصرف دول الجوار لأن الحقيقة التي يجهلها الشيعي والسني على السواء بأن لا وجود للطائفية السياسية في الحكم بدون دعم وإسناد وأشراف الدول الإقليمية ( دول الجوار وما حولها ) . ولكن إذا أقتنع ابن العرب السنة وابن الجنوب الشيعي بأن الحكم والسلطة يجب ان تذهب لمن هو قادر ان يقود العراق الى بر الأمان دون وصاية أحد بغض النظر عن دينه وقوميته فهناك أحتمالية كبيرة ستخرج الحكومة من قبضة دول الجوار وستتحول الى يد أبناء الوطن لأن الذي سيتسلق هرم الدولة ويستطيع النجاح بشكل مطلق هو الإنسان الذي سيجعل الولاء العقائدي شيء شخصي وادارة الدولة فوق كل الولاءات . عندها ستجد أحتمالية كبيرة أن يكون من غير المسلمين ومن غير العرب هم القادة الحقيقيون لهذا البلد ، ، بمعنى آخر سقوط الفكر القومي و سقوط الفكر الديني عن السلطة هو السبيل الوحيد لولادة جديدة لعراق جديد . . أول الغيث هو التخلص من التبعية السياسية التي أرهقت العراق ، و الجميع يعلم أن التبعية المذلة الى الأجنبي لا تأتي الا عن طريق الفكر الديني او الفكر القومي ، فمن المستحيل ان تكون لنا قيادة قومية أو قيادة دينية مالم تكن أحدى العواصم المجاورة هي المحرك لهذه القيادة ، والكل يعرف مركز الثقل الديني والطائفي والقومي موجود في دول الجوار والدول الإقليمية وهذه حقيقة لا يمكن تجاوزها ، فقد خاب وفشل من تجاوزها ، فكل الحكومات التي جاءت بعد سقوط النظام الملكي أصبحت ضحية لجهالتها وعدم استيعابها لهذه البديهية ، فلم تنفعهم عنترياتهم ولم تشفع لهم جيوشهم الجرارة في التمرد على هذه الحقيقة ، هؤلاء هم ( أي الدول الإقليمية ) من ينّصب ويعيين نظام الحكم أو الوالي في العراق منذ الحكم العربي الاسلامي الاول مروراً بالامويين والعباسيين والصفويين والعثمانيين والدولة الملكية وما بعدها ، طالما يوجد شعب بملايينه يقدس الطائفية والقومية والدينية ورموزها . أن أقل الناس تأثيراً في المجتمع العراقي هم المثقفون ، الذين يكاد يكون تأثيرهم على سير الأحداث صفر ، فلا تجد من يصغي إليهم ، فرجال الدين ورجال الطوائف ورجال القومية ورجال العشائر هم الأكثر تأثيراً ثم يأتي من بعدهم اصحاب الاموال والاقوياء والفنانين والعساكر ثم في الأخير المثقف ، عكس باقي المجتمعات البشرية التي يكون فيها المثقف في الصف الامامي . قد لا يصدقني الكثير من الأجانب عندما نتحدث معهم عن الوضع العراقي ونقول لهم بأن المثقفين في العراق أعدادهم كبيرة وتأثيرهم ضعيف ، فيستغربون لأنهم أعتادوا في مجتمعاتهم رغم قلة المثقفين عندهم أن المثقف قادر على أن يقلب الدنيا عندما ينطق أو يكتب ولا يدرون أن المثقف عندنا تنقلب عليه الدنيا عندما يكتب أو ينطق ، أي بشكل مخالف لما عند جميع المجتمعات ، ولا يدرون عندنا حتى الاساتذة والجامعيين والنخب العلمية تتبع رجال الدين ورجال العشائر وغيرهم من المتنفذين بالمجتمع . بناءاً على ذلك فأن الشارع العراقي يترقب من سيكون المنقذ طالما القرار هو حاجة الشعب لهذا المنقذ بعد أن ذاق مرارة الفاشلين ، المنقذ هو بالتأكيد ليس شخص بل هي أمة تحمل الصدق والوفاء للناس كافة . . الشعب العراقي بمختلف طوائفه وقومياته ودياناته يدرك تماماً أن الكورد قادرين على جعل العراق بلداً يشار إليه بالبنان ، والإنسان العراقي لا يتكابر ولا يتعالى أن يرى الكوردي من يتصدى للمسؤولية فالكوردي كما يعرفه الجميع هو أهل للثقة ، والمشكلة ليست في باحة الشعب العراقي الذي يعرف محبة الكورد له وطبيعته العاطفية وارتباطه الجذري معه ، ولكن المشكلة عند دول الجوار وخاصة الجارة الشرقية والجارة الشمالية . لا يسمحون بذلك حتى وأن أضطروا الى إعلان الحرب لأن تلك الدولتين الجارتين لا يخشون أحداً إلا الكورد ، فهم يعتقدون يقيناً صعود الكورد يعني زوالهما ، فالسؤال هل ستكون إرادة الشعب العراقي أقوى أم إرادة دول الجوار أقوى ؟ إرادة الشعب العراقي وصلت الى قناعة مطلقة بأن التبعية الدينية والتبعية القومية سراب فقط ، وقد أتعبه ذلك السراب وعرف يقيناً ليس أمامه من حل سوى التخلي عن هذا السراب ، أما إرادة دول الجوار هو أن يبقى الشعب العراقي يركض وراء السراب حتى يهلك او يتلاشى ، فالمسألة كل يوم تتضح بأنها صراع إرادات ولا سبيل أمام الشعب العراقي إلا فرض إرادته ، والكورد سيكونون رهان العقلاء و ستكون أيادي الكورد مبسوطة لأبناء الوسط والجنوب ( سنة وشيعة ) فأن روابطهم التأريخية كفيلة بنجاح أي تعاون قادم بالضد من إرادة دول الجوار . إضافة الى أن هذه الخطوة ستكون ذات مكسب كبير لكل العراقيين وهي أن الكورد لم يعودوا بعدها بحاجة الى الانفصال وسيبقى العراق موحداً كما يشاءون . فهل سيفعلها أبناء الرافدين ؟

4 Comments on “هل بالإمكان أن يُدير الكورد شؤون العراق ؟- كامل سلمان”

  1. الاستاذ كامل المحترم السلام عليكم .. اعتقد ان الكثير من ابناء الوسط والجنوب يتمنون بصدق ان تسلم مقادير الامور في محافظاتهم الى الكورد ومنهم من صرح بذلك في القنوات الاعلامية و السبب واضح وضوح الشمس وهو العمران المختلف الجوانب الذي تحقق ولا يزال في كوردستان منذ تسعينيات القرن الماضي ولحد الان وخاصة اولئك الاخوة الذين عاشوا تجربة البناء في الاقليم في الوقت الذي تعاني مناطقهم من الحرمان في جميع جوانب الحياة و السبب الرئيسي في ذلك هو انشغال المسؤولين فيها بتحقيق مصالحهم الشخصية وهو ما دفعهم الى البحث عن السبل التي تعيق عملية التقدم العمراني في كوردستان من خلال محالولات تخفيض حصة الاقليم من الموازنة او قطعها وغيرها من القرارات … مع فائق التقدير لكم على طرح هذه الافكار التي تصب في خدمة الشعب بعيدا عن كل انواع التطرف و العنصرية .. ومن الله التوفيق .

    1. استاذ عبد الرسول علي المندلاوي المحترم .
      صدقت ، ونظرتك دقيقة جداً ، ان شاء الله سيشهد المستقبل قبول كوردي واسع ، شكراً لكلماتك الرائعة ، تحياتي

  2. الاخ العزيز و استاذنا ” كامل سلمان ” المحترم .. طرحك لقيادة ” اهل العراق ” من قبل ” الكورد ” من اجل تحريرهم من الظلم و الفساد و المعاناة ” فكرة انسانية جيدة ” ولكن هل هناك “ضمان وامان ؟؟ ” الامام ” الحسين – ع ” اراد ايضا انقاذ ” اهل العراق ” من الظلم والفساد و المعاناة .. وعندما جاء تعرض الى غدر و خيانة فقتلوه ومع عائلته في ارض كربلاء .. الامام ” علي ابن ابي طالب ” ع ” تعرض ايضا الى غدر و خيانة من قبل اهل العراق في معركة نهروان مع الخوارج – قرب بغداد وفي معركة صفين مع ” معاوية بن ابي سفيان ” على نهر فرات وفي معركة الجمل في البصرة .. واخيرا قتلوه في الكوفة … افكارك وكتاباتك قيمة ودروس علمية و انسانية وحضارية .. احسنت يا استاذنا الغالي

    1. ا. د . قاسم المندلاوي
      شكراً لإضافاتك وشكراً لأحساسك الصادق ، وأنا اتطلع الى تعليقك كنت أقرأ بنفس الوقت مقالتك القّيمة الثمينة ( جرائم حكام ايران بحق الرياضيين والفنانين ) لقد أسهبت بالمقال بمعلومات ثرية واستطعت ان تعطي للمقال حقه من كل الجوانب ، تحية وتقدير مرة ثانية الاستاذ الغالي د . قاسم المندلاوي

Comments are closed.