هوية وتاريخ مدينة إيمار (مسكنه) – الحلقة الرابعة – دراسة تاريخية –    بيار روباري

 

Nasname û dîroka bajarê Îmar (Meskene)

أسماء ملوك إيمار:

لقد كشفت نصوص مدينة “إيمار” عن العديد من أسماء ملوكها وحكامها والشخصيات الدينية والرسمية،

التي عاش فيها ومن ملوكها:” الملك انزي دمو، إب دامو، أشجي دامو، نان دامو”، إضافة لإسم الملكة “تيشالم” التي حكمت بالوصاية عن إبنها. وقد تكرر إسم هذه الملكة عشرات المرات في نصوص مكتشفة بمملكة “إيبلا” في المبادلات التجارية والمراسلات بين المملكتين، والواضح أنه كان هناك مصاهرة بين بين المملكتين، وبرأي الباحثين أن الملكة “تيشالم” أصلها يعود إلى مملكة “إيبلا”، وأنها كانت أميرة من العائلة المالكة، قبل أن تتزوج من أحد ملوك إيمار وتنتقل للعيش في المدينة. هذ إضافة إلى أن النصوص كشفت لنا عن بعض المدن القريبة من إيمار والمحيطة بها ومن المدن القريبة مثل مدينة: “ماني، ادني، سادو”.

لا شك إن مدينة إيمار الخورية – الهيتية – الكردية لعبت دورآ حضاريآ وإقتصاديآ مهمآ وخاصة الألفين (3000-2000) الثالث والثاني قبل الميلاد. وهنا الحديث يدور بشكل رئيسي عن المدينة الأولى والثانية اللتان تعودان إلى الفترة الخورية. والمدينة الثالثة التي أنشأها الهيتين في عهد الملك الهيتي “تشوبيليوما”

(1380-1340) قبل الميلاد، وخليفته الملك “مورشيلس الثاني” (1339-1306) قبل الميلاد، لا بل هم أنفسهم الذين بنوا مدينة إيمار وقلعة “إشتاتا”، وأكملت دورها كمرفأ نهري مهم للغاية. ولهذا طمع فيها الأعداء سواء أكان الرومان والبيزنطيين، أو المصريين أو العرب المسلمين، أو المحتلين التتار والمغول والعثمانيين.

وهذا ما كشفت عنه النصوص المسمارية المكتشفة في مملكة “إيبلا”، والتي يعود تاريخها إلى النصف الثاني من القرن الثالث قبل الميلاد. كما وربطت إيبلا بمصاهرة مع ملوك “إيمار” عبر زواج الأميرة

الإيبلية “تيشالم” من أحد ملوك إيمار. ومن هنا كانت العلاقة قوية بين الطرفين وخاصة في المجال التجاري، والتحالف في وجه مملكة “ميرا” الصاعدة والراغبة في السيطرة على مملكة “إيمار” لتتحكم في التجارة النهرية وفرض سيطرتها على عقدة الموصلات البرية بين منطقة غرب وشرق الفرات. لكن كل جهود ملوك ميرا باءت بالفشل بسبب تحالفات إيمار العسكرية مع الممالك الأخرى التي كانت تخشى قوة ونفوذ مملكة ميرا.

نهاية مدينة إيمار:

Dawiya bajarê Îmarê

لقد تعرض مدينة “إيمار” مثلها مثل بقية المدن الخورية – الكردية إلى العديد من العزوات والإحتلات عبر تاريخها الطويل. وليس هذا وحسب، وإنما المدينة تعرضت أيضآ لخسارة نهر الفرات عصب الحياة عدة مرات بسبب تغير مجرى النهر بفعل التغيرات المناخية، وهذا ما دفع بسكانها الخوريين والمدينة اللحاق بمجرى نهر الفرات، للبقاء على قيد الحياة، فالماء هي الحياة والحياة هي الماء. ومن جهة أخرى تعرضت المدينة لحريق هائل وأتى على معابدها والعديد من المباني والبيوت. الباحثين الذين نقبوا في موقع المدينة، أكدوا أن سبب هذا الحريق الهائل، كان نتيجة غزو شعوب البحر للمنطقة فقاموا بتدمير المدينة عن بكرة أبيها ومن ثم حرقها حوالي (1187) قبل الميلاد. وبهذه البربرية والوحشية تعاملوا مع كافة المدن الخورية – الميتانية – الهيتية – الكردية. بدءً بمدينة “خاتوشا” عاصمة الدولة الهيتية الأولى وإنتهاء ببقية المدن التي إحتلوها.

إستغل المحتلين الجدد للمدينة موقع المدينة المدمرة وجعلوا منها مقابر لموتاهم فعل ذلك كل من الرومان والبيزنطييين والعرب المسلمين وحتى العثمانيين. ولم يبقى من آثارها سوى بقايا من القرنين الثاني عشر والثالث عشر ميلادي، مثل مئذنة مثمنة الشكل مزينة بكتابات كوفية وبقايا قصر كبير. أما التدمير الثاني الذي تعرضت له مدينة “إيمار”، كان في نهاية الفترة الأيوبية الكردية، حيث قام أبو الإجرام “هولاكو” بتدميرها تدميرآ كاملآ بعد إحتلاله لمدينة بغداد في العام (1260) ميلادي وسيطرته على كامل المنطقة.

وبعد هذا التاريخ لم تقم قائمة لمدينة إيمار وتحولت إلى أثر وطمرتها الأتربة إلى أن تم إكتشافها صدفة وتم إنقاذ القسم الكبير  من أثارها (حسب رأي الباحثين) قبل أن يطمرها هذه المرة مياه بحيرة الفرات. ولمن لا يعلم فإن قسم الآثار الشرقية في متحف “اللوفر” الباريسي يضم مجموعة أثار تصل إلى (900) قطعة، وﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﺮﻥ (18) الثامن عشر ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩ، من أثار مدينة إيمار الخورية – الهيتية، التي لا يعرف عنها الشعب الكردي شيئ صاحب هذه الأثار ولا قادته السياسيين ولا الطبقة المثقفة!!!!!

وبخصوص ﺗﺎﺭﻳﺦ المدينة بعد الإحتلال البيزنطي البغيض لها وقيامهم بتغير إسمها (لبارﺑﺎﻟﺴﻮﺱ) إﻧﺘﻬﻰ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﻣﺪﻳﻨﺔ “ﺇﻳﻤﺎﺭ” ﺍﻟﺸﺮﻗﻴﺔ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺜﻠﺚ ﺍﻷﻭﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻋﺸﺮ قبل الميلاد، ﻭﻣﻀﺖ ﻗﺮﻭﻥ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﺗﻌﻮﺩ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻣﺠﺪﺩﺍً ﺇﻟﻰ ﺃﻃﻼﻟﻬﺎ ﻭﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻬﺪ ﺍﻷﺧﻤﻴﻨﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺭﺟﺢ، ﺇﺫ ﺃﻣﺮ ﺍﻻﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭ “ﺟﻮﺳﺘﻨﻴﺎﻥ ﺍﻷﻭﻝ” ﺑﺤﻤﺎﻳﺔ ﺍﻟﺤﺪﻭﺩ ﺍﻟﺸﺮﻗﻴﺔ ﻟﻼﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭﻳﺔ ﺍﻟﺒﻴﺰﻧﻄﻴﺔ ﺑﺈﺣﺎﻃﺔ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﻤﻴﺖ ﻣﻨﺬ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺤﻴﻦ ” ﺑﺎﺭﺑﺎﻟﺴﻮﺱ” وسورت ﺑﺠﺪﺭﺍﻥ ﻣﻨﻴﻌﺔ، لتسهيل عملية الدفاع عنها أمام أي غزو قد يأتيهم من جهة الشرق. أما الإحتلال العربي الإسلامي للمدينة، فجاء ﻓﻲ ﺑﺪﺍﻳﺎﺕ ﺍﻟﻘﺮﻥ (7) ﺍﻟﺴﺎﺑﻊ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩﻱ بعد حصار المدينة وإجبار أهلها على إعتناق الدين الإسلامي الشرير. وعلى الفور غير المحتلين إسمها إلى (باليس)

ﻭإستخدمها ﺍﻷﻣﻮﻳﻴﻦ كحصن للدفاع عن إمبراطوريتهم في مواجهة البيزنطيين، وظل الوضع هكذا حتى زمن الدولة ﺍﻷيوبية، هذا ﺇﺿﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﺩﻭﺭﻫﺎ ﺍﻟﺘﺠﺎﺭﻱ الهام.

ﻭبقيت إيمار (ﺑﺎﻟﻴﺲ) ﻓﻲ ﻇﻞ عهد الخلفة (ﻋﻤﺮ ﺑﻦ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﻭﻋﺜﻤﺎﻥ ﺑﻦ ﻋﻔﺎﻥ) ﺃﺣﺪ الحصون ﺍﻟﺤﺪﻭﺩية الرئيسية للدولة الإسلامية في مواجهة الدولة البيزنطية، ﺇﻟﻰ ﺟﺎﻧﺐ ﻭﻇﻴﻔﺘﻬﺎ ﻛﻤﺤﻄﺔ ﺗﺠﺎﺭﻳﺔ ﺑﻴﻦ بلاد الرافدين (جنوب كردستان) ﻭمدن ﺳﺎﺣﻞ ﺍﻟﻤﺘﻮﺳﻂ. ﻓﻴﻤﺎ ﺑﻌﺪ بدأت ﺃﺑﻨﻴﺔ المدينة ﺗﺘﺪﺍﻋﻰ ومع ﻣﺮﻭﺭ الزمن بدأ عدد ﺍﻟﻘﻮﺍﻓﻞ التي تمر فيها ﺑﺎﻟﺘﺮﺍﺟﻊ ﻋﻤﺎ ﺳﺒﻖ، خاصة ﺑﻌﺪ إﻧﻬﻴﺎﺭ الدولة العباسية. ﻛﻤﺎ وﺩﻣﺮ ﺍﻟﺰﻟﺰﺍﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﺿﺮﺏ غرب كردستان وجزء من شمال كردستان في العام (860) ﻣﻴﻼﺩﻳﺔ ﺟﺰءً مهمآ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ. ﻭﺍﻟﻤﺆﺭﺥ “ﻳﺎﻗﻮﺕ ﺍﻟﺤﻤﻮﻱ” كان ﺃﻭﻝ ﻣﻦ ﺫﻛﺮ ذلك العام (1224) ﻟﻠﻤﻴﻼﺩ، وﺃﻥ ﻣﺠﺮﻯ ﻧﻬﺮ ﺍﻟﻔﺮﺍﺕ بفعل الزلزال إﺑﺘﻌﺪ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺷﻴﺌﺎً ﻓﺸﻴﺌﺎً، ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻭﻟﻰ ﺍﻟﺰﻣﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ كانت فيه مدينة “إيمار” تقوم ﺑﺪﻭﺭ ﺍﻟﻤﻴﻨﺎﺀ ﺍﻟﻨﻬﺮﻱ الهام على نهر الفرات في غرب كردستان عند منعطف النهر نحو الشرق، ﻭﻛﺎﻥ ﺗﺤﺼﻴﻦ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﻗﺪ ﻓﻘﺪ ﻭﻇﻴﻔﺘﻪ ﺍﻟﺪﻓﺎﻋﻴﺔ ﻓﻲ ﺑﺪﺍﻳﺔ ﺍﻟﻘﺮﻥ (13) الثالث عشر ﻟﻠﻤﻴﻼﺩ، ومع الزمن تراجعت أهمية المدينة ومع وتدهور إقتصادها وأخذ سكانها في البحث عن أماكن أخرى للعيش بهدف تأمين لقمة الخبز.

 

خامسآ، المعتقدات الدينية لسكان إيمار الأصليين:

Bîrûbaweriyên xelkê Îmarê yên nijad

مثلما رأينا فإن مدينة “إيمار” القديمة بناها الخوريين أسلاف الميتانين والهيتين والشعب الكردي، حوالي الألف الثالث قبل الميلاد والثانية بنوها حوالي الألف الثاني. أما المدينة الجديدة والثالثة بناها الهيتيين في (1400) القرن الرابع عشر قبل الميلاد، وهي المدينة التي بنى على أنقاضها كل من المحتلين الرومان والبيزنطيين والمحتلين العرب المسلمين مدينتهم. وهذا ما كشفت عنه الإكتشافات الأثرية والنصوص المسمارية التي عثر عليها الباحثين الذين نقبوا في موقع المدينة، وتجاوز عددها (1000) ألف نسخة أو

نص. والتي غطت جميع نواحي الحياة في مدينة “إيمار”، ويعود تاريخها للعصر البرونزي الحديث، وهذه النصوص كما ذكرنا أنفآ كانت قد كتبت بثلاثة لغات هي: “الخورية، الهيتية، الأكدية” وبالأبجدية المسمارية. هذا إضافة أن هذه النصوص غطت ثلاثة أجيال بدءاً من إعادة تأسيس المدينة، وحتى أواخر القرن الثاني قبل الميلاد، وتحديدآ حوالي العام 1187 قبل الميلاد.

كما هو معروف تاريخيآ فإن أسلاف الشعب الكردي من الخوريين كانوا أصحاب ديانة ولم يعبدوا يومآ الأصنام، بخلاف جميع شعوب الأرض. وديانتهم كانت تسمى “اليزدانية” وهي عقيدة كردية رصينة، تدعوا الناس إلى عبادة الخالق الواحد، وتخليص الروح من المادة، والى إحترام عناصر الحياة الأربعة: (النور، الهواء، الماء، التراب). وتعاليمها تقوم على تهذيب النفس البشرية، وتمكينها من الإنتصار على الشر أي (الأعمال السيئة) بتجلياتها المختلفة والوصول بالنفس إلى الذات العليا أي الراحة، أو ما يطلق عليه الفردوس، والفردوس هي حالة الهناء والطمأنية. ومن ناحية أخرى إن الديانة اليزدانية مبنية على تأليه العناصر الطبيعية وتحديدآ: الشمس، القمر، النجوم، الماء والأرض، والشمس هي مركز الديانة اليزدانية.

كما إن الطقوس والمراسيم الدينية اليزدانية تتم على أنغام الموسيقى التي تنعش الروح وتسمو بالمشاعر. لهذا ترى الكرد يرددون في جلساتهم الخاصة: “الكردي الذي لا يعشق الموسيقى والرقص مشكوك في كرديته، كون هذا الأمر متجذرٌ في جينات الشعب الكردي منذ ألاف السنين وحتى الأن”. واليوم يمكننا ملاحظة كل ذلك في فروع الديانة اليزدانية، والتي تشمل الفرق التالية: “الإيزيدية، الدرزية، الهلاوية -(العلوية)، الشبكية، اليارسانية، الإسماعيلية والكاكائية. والعقيدة اليزدانية عقيدة مسالمة وليست تبشيرية ولا تعرف ثقافة التكفير، أو الجهاد والغزو، ولا السلب أو السبي والذبحٍ أو النهب (الغنائم) كما هو الحال مع اليهودية والإسلام.

للمعلومات الديانة اليزدانية لا تقر بمقولة (اللوح المكتوب)، فالخالق ليس مسؤولآ عن تصرفات البشر، فالإنسان نفسه هو المسؤول عن أعماله الإيجابية منها والسلبية. وتمنح اليزدانية المجال للإنسان للتفكير بحرية ولا يضع قيودآ على تفكيره، بل العكس يحثه على العمل والإبداع وتدعوه للإعتماد على النفس، ولا تقر الديانة اليزدانية بشيئ إسمه (القدر). إضافة لذلك فإن الديانة اليزدانية لا تقر بمفهوم الجنة والنار وإنما بتناسخ الأرواح ولا نبي لها.

وتتمحور الديانة اليزدانية أصلآ حول عبادة “إله الخور” أي إله الشمس، ولهذا سميوا (بالخوريين) كونهم كانوا يعبدون الإله “خور”، وتسمية الخور كانت تطلق على الشمس باللغة الكردية القديمة. وكلمة الشمس ذاتها هي الأخرى مأخوذة عن المصطلح السومري – الكردي “شمش”. والشعب الخوري حيث ما وجد، كان يعبد نفس الألهة ويمارس نفس الطقوس الدينية، وكلمة “دين” ذاتها مأخوذة عن المفردة السومرية – الكردية (دينا).

والهيتيين وفق جميع المصادر التاريخية التي تناولت تاريخهم ومعتقداتهم ولغتهم وأثارهم المنتشرة في أرجاء المنطقة، التي يطلق عليها اليوم زورآ (تركيا، سوريا، لبنان)، أكدت بشكل قاطع أن المعتقدات والطقوس الدينية الهيتية كلها مأخوذة عن أسلافهم الخوريين مثلهم مثل الميتانيين كونهم إمتداد لهم.

إن الكتابات المسمارية التي وجدت قرب عاصمة الهيتيين “هاتوشا” والتي تقع شرق مدينة أنقرة الحالية

بحوالي 140 كيلومتر، وفي العاصمة الشرقية لدولة الهيتيين “گرگاميش” جرابلس الحالية، وفي غيرها من المواقع الأثرية الهيتية التي نقبت فيها، قدمت لنا صورة شبه واضحة عن ديانة الهيتيين وطقوسهم الدينية، والتي لا تختلف بشيئ عن ديانة أسلافهم الخوريين، وكانوا يدينون بالديانة اليزدانية والتي يطلق عليها البعض تسمية “الديانة الشمسانية”.

وكما هو معلوم فإن الخوريين ومن بعدهم أبنائهم وأحفادهم (الميتانيين، الهيتيين، الكرد، ..)، لم يفرضوا الإلتزام الديني الفردي على أحد، كون ذلك غير موجود في فلسفة ديانتهم اليزدانية، بعكس الزاردشتية واليهودية والمسيحية والإسلام. وكان النُساخ الذين يعملون في الإدارة الملكية للدولة الخورية والميتانية

ومن بعدهم الدولة الهيتية، كان جهازاً بيروقراطياً مسؤولاً عن تنظيم ومتابعة شؤون الدولة، أي الشؤون الملكية، التي كان يُنظر إليها على أنها جزءٌ من الدين مثل: تنظيم المعبد، رعاية الطقوس الدينية، تقديم القرابين، الإحتفالات، إضافة إلى أخبار العرافين.

في عرف الهيتيين كان الملك الكاهن هو من يؤدي دور الوسيط بين عالم الآلهة والبشر المتربطين به ارتباطاً وثيقاً، ولم يكن الهيتيين يقومون باحتفالات تعبدية دورية منتظمة لإرضاء الآلهة، ولكنهم كانوا يجرون طقوساً دينية لرفع البلاء عنهم وحماية أرواحهم وممتلكاتهم أو الإحتفال بمناسبات خاصة معينة. وكان هناك ثمة تلازم بين الأسطورة والطقس الديني، فقد كانت الأساطير مصدراً للكثير من الطقوس الدينية، وكانت تمثل قصصآ ما. كما حفرت عدة مواقع خصيصآ لأداء الطقوس الدينية، للدلالة على قرب الإنسان من الآلهة، وخصوصاً ما كان منها متعلقاً بالأرض. والهيتيين مثل أسلافهم الخوريين كانوا يلجأون للآلهة في مواسم الجفاف وغيرها من المشاكل الزراعية والحياتية. وكانوا يخاطبون آلهتهم بلغة عامية، وعادةً العوام يقدمون طلباتهم إلى الآلهة مباشرةً دون طقوس معقدة، أو طلب التوسط من الكهنة لدى الألهة في الكثير من الإمور والحالات.

ونفس العبادات والطقوس الدينية كانت تمارس في مدينة “إيمار” وكل من (سپيرا، مبوگ، باب، أزاز، گرگاميش، أرپاد”، وغيرهم من المدن والحواضر الخورية – الهيتية في غرب كردستان.

وأهم الألهة التي كان يعبدها سكان مدينة “إيمار” هو الإلهة “إنانا” السومرية – الكردية والتي كانت جزءً من ملحمة گلگاميش، وهي أول ملحمة مكتوبة في تاريخ الإنسانية، من بعدها يأتي إله الخصوبة “هدد” الذي عربه الكنعانيين إسمه إلى (بعل). وهو إله خوري – هيتي، وعرف في جميع أرجاء بلاد الخوريين ومنها مدينة إيمار وأوگاريت الواقعة على الساحل الشرقي للبحر المتوسط، ومملكة گرگاميش وغيرها

من الممالك. ويعتبر واحد من أهم آلهة “سومر” وكان له عبدة في مدينة “گوزانا” كون عبادة هذا الإله إنتشرت في كامل بلاد الخوريين وعرف الإله “هدد” إلهاً للرياح والأمطار. ثم يليهم في الترتيب إله العاصفة (تيشوب). وإلى جانب هذه الألهة، كان هناك عدة ألهة أخرى مثل إله الشمس (شيميگي)، وإله القمر (كوشوه).

ولا شك بأن مدينة “إيمار” كانت مركزآ دينيآ يزدانيآ مهمآ، وبدليل هذا العدد الكبير من المعابد فيها وحي ديني كامل. وكان لهذه الحي ومعابده دورآ مهمآ في حياة المجتمع الإيماري ومحيطه المباشر أي القرى والمدن القريبة منهم،هذا إضافة إلى دور المكتبة التي كانت تقوم بنشاط فكري ديني وتخريج الكهنة للعمل في تلك المعابد، التي كان لها نفوذآ كبيرآ على مستوى القرار في المدينة، والتي تخص المجتمع وأفراده، ويمكن القول أنها كانت شريكآ في الحكم مع العائلة الملكية بحكم تأثيرها في المجتمع.

هذا الوضع بدأ يتغير بعد الإحتلال الروماني – البيزنطي لوطن الخوريين، ومن ضمنها مدينة “إيمار” وكامل غرب كردستان وشمالها الغربي (الأناضول) بدءً بمدينة “خاتوشا” عاصمة الدولة الهيتية الأولى ومرورآ بمدينة “شمأل وألالاخ وپاتين وأگروا ودارزه ودلبين، وگرگاميش ومبوگ وإنتهاء بمدينة باخاز،

وخاصة بعد تبني الديانة المسيحية بشكل رسمي من قبل البيزنطيين والرومان. حيث بدأ هؤلاء المحتلين ببناء كنائسهم المقيتة على أنقاض معابد الكرد اليزدانية، وتحويل بعضها الأخر إلى كنائس، والسعي لفرض الديانة المسيحية على أبناء الشعب الخوري.

وزاد الوضع سوءً مع الإحتلال العربي الإسلامي للمنطقة وضمنآ مدينة “إيمار” الأثرية وسپيرا حوالي العام (638) ميلادية، وفرض هؤلاء الغزاة الهمج لغتهم ودينهم الشرير، على الكرد من سكان المدينة وكامل المنطقة وهذا شمل كل كردستان لاحقآ، وأجبروا الكرد على إعتناق الإسلام بحد السيف، ونهبوا أهل المنطقة وسرقوا أرزاقهم وإستوطنوا فيها، واليوم يدعون أن مدينة إيمار وما حولها عربية دون حياءٍ وخجل، ويقولون عن الكرد أنهم مهاجرين!!!! وكما حولوا الألاف من المعابد الخورية – اليزدانية إلى مساجد، وهذا يثبت مدى الحقد والكراهية في نفوس المسلمين تجاه أتباع الأديان الأخرى، وتحديدآ الأديان التي سبقت اليهودية والمسيحية، كالديانة اليزدانية والزاردشتية، كي يطمسوا ما سرقوه من هذين الدينين الكرديين.

وعرفت المجتمعات الكردية القديمة: كالمجمع الخوري، السومري، الكاشي، السوباري، الميتاني، الهيتي بالتسامح الديني ولم يحدث قط أن فرض أسلاف الشعب الكردي هؤلاء دينهم على الأقوام الأخرى بعكس اليهود والمسيحيين والمسلمين. وهذا التسامح الديني ورثه الشعب الكردي من أسلافه، فتجد لليوم الكرد أكثر الشعوب تسامحآ في هذا المجال ولا يعتدون على الأخرين، ولا يقصونهم لأنهم من أبناء دين أخر مختلف عن دينهم، وهذا برأي يعود لسببين:

السبب الأول:

إن الديانة اليزدانية، ديانة غير تبشرية بعكس الديانة اليهودية والمسيحية والإسلام، فهي ديانات تبشيرية وشمولية وعدوانية وتقصي الديانات الأخرى، وتسعى لفرض هيمنتها على الأخرين، وفي هذا المجال يعتبر الإسلام أكثر الأديان عنفآ وعدوانية، ولولا ذلك لما إنتشر قط.

السبب الثاني:

هو أن في تلك الحقبة الزمنية كل الشعوب كانت تحترم ألهة بعضها البعض، وكل شعب كان له ألهته الخاصة به. ولذا لم يشهد التاريخ البشري حروب دينية قبل ظهور الديانة اليهودية التبشيرية الشريرة، التي حاولت فرض عقيدتها على الجميع ولكنها فشلت. وأخذت المسيحية والإسلام هذه الخاصية السيئة والعدوانية عن الديانة اليهودية الشريرة، والإسلام نسخة مشوهة عن اليهودية، ولهذا تلتقي اليهودية والإسلام معآ في السوء والشر والعدوان أكثر من إلتقاء اليهودية والمسيحية.

وقد يكون هذا التسامح الكردي الزائد مع أديان المحتلين لوطنه كردستان وعلى وجه الخصوص اولئك البيزنطيين المسيحيين المجرمين والعرب المسلمين الأشرار والقتلة، وغيرهم كالتتار (الأتراك) تسبب

لهم بالمأسي والويلات على مدى ألاف السنين، ومازالت هذه الحالة المأساوية والمدمرة مستمرة ليومنا

هذا. وبقناعتي على جميع أبناء الشعب الكردي بكل هوياته الفرعية، أن يعودوا إلى دينهم “اليزداني” والإحتماء به وبلغتهم الكردية، كي يحافظوا على هويتهم القومية من جهة، ومن جهة الأخرى الحفاظ على هويتهم الثقافية ويقطعوا مع ثقافة أعدائهم ومحتلي بلدهم من الفرس والعرب والتتار بشكل نهائي.

وفي ختام هذا المحور لا بد من التوقف عند أمرٍ ملفت ألا وهو صيغة النصوص الدينية التي عثر عليها في موقع مدينة “إيمار” والتي جاءت بأسلوب مسرحي واضح. وفي نفس الوقت قابلة للإخرج المسرحي والتمثيل إذا ما توفرت لها جميع العناصر المسرحية مثل: الديكور (المكان)، اللباس والأدوات والزينة أي (الزمان)، والممثلين (الشخصيات) والنص الحواري الجيد. يمكن القول أجريت بعض التجارب في زمانها بمشاركة بعض المنشدين مثل: “الزمارو” ورجل القداس “لوبيش، قيداش” والنادبات “النوقاقتوم”. وهذا الأدب المسرحي سبق المسرح الروماني واليوناني بقرون عديدة، وكان الإيماريون يحتفلون بشكل مسرحي متقن. من هنا يمكننا القول بأن الخوريين سبقوا اليونانيين كثيرآ في فكرة المسرح ولهذا يعتبرون هم أباء المسرح وليس اليونانيين.

ولو بقيا وطن الخوريين مستقرآ، ولم يتعرض لكل تلك الغزوات الوحشية والبربرية السامية الإستيطانية بمختلف مسمياتها، والهجمات المصرية والأوروبية، والإحتلالات التي لا تعد ولا تحصى وأسؤوها كانت تلك الإستيطانية منها، لتطورت حركة المسرح بكل تأكيد وربما تفقوت على المسرح اليوناني، الذي جاء متأخرآ للغاية عن المسرح الخوري – الإيماري.

وهذا دليل على مدى تطور الأدب المسرحي والفكر في المدينة، ورغبة كتابها في نقل الآداب القديمة مثل الأدب السومري إلى مدينتهم مثل ملحمة “گلگامش” أول ملحمة مدونة في التاريخ، ووجود الحواريات

الأدبية مثل الحوارية بين “النخلة وشجرة الأثل”، وهذا ما تؤيده النسخ الإيمارية وتحويل هذا الحوار إلى سيناريو قابل للتنفيذ، وكان بماثبة منهاج لتدريس الأدب للمتعلمين في مدينة “إيمار”. ومن هنا جاء تحول مدينة إيمار إلى منارة علمية وأدبية، ومن الناحية التاريخية هي أول مدينة إحتضنت ما نطلق عليه اليوم (الجامعة) في التاريخ البشري، وكان يقصدها الراغبين في تعلم العلوم والأدب والفن، إضافة لدراسة علم الكهنوت، ويقصدها الطلاب من كافة الممالك والمدن التي كان يعج بها غرب كردستان وجنوبها.

 

بالطبع كانت الجامعة بدائية، ولكن بمقاييس ذلك الزمان كانت تعتبر شيئآ فوق التصور ومتطورآ للغاية كجامعة “هارفرد” الأمريكية في يومنا هذا أو جامعة أوكسفورد البريطانية، ولولا أن قاصيدها من نفس الشعب أي يتقنون نفس اللغة ويحملون نفس الثقافة والمعتقدات الدينية لما قصدوها. وهذا دليل أخر على أن الخوريين أسلاف الشعب الكردي كانوا إلى ذلك الحين الشعب الوحيد الذي يقطن هذه البلاد قبل مجيئ الكنعانيين من اليمن وإيريتيريا، كماد كتب المؤرخ اليوناني الشهير “هيرودوت”.

سادسآ، معنى تسمية إيمار وأصلها:

Wateya navê Îmarê û koka wî

لمعرفة أصل تسمية إيمار ومعناها، لا بد أن نتبع نظرية “علم إصول الكلمات”، المتبعة في كل أنحاء العالم، وباللغة الكردية نسميها “پيڤ- سازي”. إضافة للمقارنة مع مفردات وتسميات أخرى مشابهة لها أو قريبة منها جدآ. وسوف نشرح كل ذلك باللغتين الكردية والعربية لتوضيح الأمر.

سأبدأ بما قاله البعض من الكتاب والباحثين العربان الذين تناولوا معنى تسمية “إيمار” وأصلها. هناك فريق إدعى أن التسمية فارسية وتعني المحراث، وتستخدم كإسم ويطلق على الذكور والإناث. وفريق أخر إدعى أنها تسمية عربية ومأخوذ من فعل “آمر” أي من يأمر عكس الناهي. وهناك من إدعى أنه تسمية رومانية وتعني الملك والأعلى من الجميع. وصاحب اسم “ايمار” هو شخص قوي وشجاع، يحب تولي المناصب القيادية والسلطة، كما أنه ذكي وحكيم ويعتمد عليه.

وهناك فريق أخر ولكن خبيث جدآ ومدلس ومزور لغوي إدعى ما يلي: أن كلمة “إيمار” تعني أعمار، إذ قلبت العين ياءً، ومخرج الحرفين واحداً، وهكذا تعني أي البناء والسكن، أي أنها كانت عامرة في يوم من الأيام، لكنها الآن تبدو أطلالاً متهالكة.

بداية كل ما طرحته المجموعة الأولى من أراء، هي مجرد تخمينات وفنتازيا شخصية، لا تسند إلى العلم والمعرفة اللغوية نهائيآ، وبالتالي لا علاقة لها “بعلم إصول الكلمات” لا من قريب ولا من بعيد، ولا يمكن أخذها على محمل الجد، وهي غير صحيح بالمطلق. ولكن هناك عملية تزوير وتدليس جلية في كلامهم، ومن المعيب والغير أخلاقي، أن يقوم أناس يدعون العلمية، بتزوير الحقائق العلمية اللغوية. وبعد قيليل سنشرح كيف تم التزوير، ووفق المعيار الذي إتبعه هؤلاء المزورين يمكنني جعل كل مصطلحات العرب كردية، وهذا أمر غير مقبول أخلاقيآ ومرفوضة علميآ.

إن تتبع أصل كلمة أو مصطلح ما، والتطور الذي شهده هذا المصطلح والتغيرات التي جرت عليه عبر التاريخ، يحتاج إلى شرح وتفاصيل، وإعطاء أمثلة والقيام بعملية مقارنة مع كلمات أخرى من نفس اللغة والمجموعة اللغوية. ومن دون ذلك يبقى الكلام مجرد لغو وحشوا، ولا مكانة له في عالم البحوث  العلمية ودنيا الباحثين والأكاديميين. سأضرب لكم مثلآ على ذلك لتقريب الصورة وفهم الموضوع فهمآ جيدآ.

عبر الزمن العديد من الأحرف تبدل نفسها بأحرف أخرى، سواء كان ذاك الحرف في الكلمة أو جاء في نهايتها. في العديد من الحالات حرف (پ) الكردي إستبدل بحرف (ڤ)، وهذا حدث ليس بقرار سياسي أو من مجمع لغوي، وإنما الناس نفسها تقوم بهذه العملية في حياتها اليومية، دون قصد، الهدف عادة هو البحث اللفظ السهل والقصير، وكلما كان المصطلح قصيرآ يسهل لفظه وإستخدامه. ولهذا نقول نقول اللغة كائن حي، لأن الذين يستخدمونه أحياء أي البشر، وهذا النمط من التغيير شهدته كل اللغات التي تنضوي تحت لواء اللغات الهندو- أوروبية، والكردية واحدة منها. بالمناسبة الحرفين اللذين ذكرناهم لا يوجدان في اللغة العربية إضافة إلى أخرى مثل الحرف (گ).

P: پ

V: ڤ

G: گ

Ap: الماء (بالكردية القدية)

Apa: الغروب (بالكردية القدية)

Av/aw: الماء (بالكردية الحديثة)

Ava: الغروب (بالكردية الحديثة)

Di zimanê kurdî de, pir tîp hene wek tîpa (p) xwe bi tîpa (v) guhartinî û wisa peyv hatinî guhartin numîne (ap) bûyî (av). Û herwisa tîpa (z) xwe bi tîpa (j) guartî û peyv li gor wê hatinî guhartin numîne (roz) bûyî (roj). Û gelek tîpên din wek van tîpana hevdû guhartinî û ev tişt an guhartin ne tenê di zimanê di kurdî çêbûyî, belam di hemû zimanên Îndo- Ewrupî de pêkhatinî.

Mînak: مثال، نموذج

Ro apû: غربت الشمس

Ew – ro  – apbû ——> Ewroapû ——> Ewrupa: أوروبا

Dema Xoriyan ev têgîn bikaranînî, û di ramana wan de ew tê wateya çûyîna royê yanê ro apû. Lê bi demê re vê têgînê du wateyên din wergirtin: yekemîn wate “parzemîn” û duyemîn wate “danîşvanên vê parzemînê”. Pir caran di dîrokê peyvan de, wateyê wan têguhartin û hincaran wateyek baş werdigrin û hincaran jî wateyek xerab werdigrin.

Numîne:

Ser: فوق، على

Serî: رأس

Ser  +  serî  ——->  Serserî: مسؤول الرؤوس (مسؤول العمال)

Vê têgînê bi demê re, wateyek din û xerab bir, jiber kû berpirsyarên kar di kargehan de, hewil didan bi jinan re xewkirin, jiber wê herkesek serserî bûya, xelkê biçavek xerab lê dinêrîn û jê bidûr diketin û digotin: “Ev mirovek pîse û bawerî pê nabe”.

Bi salan re peyv an têgîna “Serserî” wateyek xerab girt û hîro çi Kurd an Ereb bi wateya (pûşt) bikar tînin.

ليس (الأوروبيين) هم الذين أطلقوا هذه التسمية على أنفسهم ولا على قارتهم، بل الشعب الخوري سلف الشعب الكردي هو الذي أطلق هذه التسمية عليهم، ولكن دون أن يقصد بذلك سكان القارة الأوروبية ولا جغرافيتها، ولكن مع الزمن إكتسبت التسمية أكثر من معنى. المعنى كان “القارة” والمعنى الثاني “سكان هذه القارة”. وعبر تاريخ الكلمات، الكثير منها إكتسبت معاني أخرى غير المعنى الأصلي، وأحيانآ كان المعنى الجديد إيجابيآ وأحيانآ أخرى كانا سلبيآ.

مثال:

أخذ العرب عن اللغة الكردية مصطلحات كثيرة ومن ضمنها مصطلح “سرسري”، وأعطوها معنآ سلبيآ مغايرآ لمعناه الأصلي. المصطلح مركب من كلمتين الأولى (سر) وتعني فوق أو على. الثانية (سري) وتعني الرأس. والمصطلح ككل يعنى رئيس الرؤوس بمعنى (مسؤول العمال). ولكن البعض من هؤلاء الرؤوساء إستغلوا موقعهم وحاولوا ممارسة الجنس مع النساء اللواتي كن يعملن في المعامل. من هنا إكتسبوا سمعة سيئة، ونبذهم المجتمع ومع الوقت كلما صدر فعل مماثل عن رجل ما ضمن المجتمع قالوا عنه (سرسري). وهكذا مع الزمن إكتسب هذا المصطلح معنآ سلبيآ مختلف كليآ عن معناه الحقيقي.

 

يوجد في اللغة الكردية الكثير من الكلمات، بدل حرف (پ) نفسه بحرف (ڤ) وهناك الكثير من الكلمات، بدل حرف (ز) نفسه بحرف (ژ)، وهكذا ينطبق الأمر على العديد من الأحرف الأخرى، وهذا لا ينطبق فقط على اللغة الكردية، وإنما جميع اللغات الإندو- أوروبية.

مع الزمن كلمة (أپ) التي كانت تعني الماء في الماضي، أخذت معنى العم أي شقيق الوالد. وإن كنت لا تعرف تاريخ هذه الكلمة، التي تعود لألاف السنين قبل الميلاد، لا يمكنك فهم العديد من المصطلحات ولا أصلها ولا معناها، ومنها معنى تسمية “أوروبا” ومنشأها.

أنا أعلم علم اليقين أن أكثر 99% من الكرد لا يعرفون تاريخ هذه الكلمة أو المفردة وتحولاتها، ولا هم مطالبين بمعرفة ذلك، ثم يدرسوا ذلك في المدارس، ولكن الباحث عليه معرفة ذلك، ولهذا سمي بالباحث إضافة للطلبة الذين يدرسون الأدب الكردي في الجامعة. والمثال الثاني الذي يمكن أن تعودوا إليه هو إسم (العراق وسوريا) هذين الكيانيين المصطنعيين، وقد كتبت دراسة تاريخية عن هوية هذين الكيانيين وهي منشورة على شبكة الإنترنيت

Ap: bi zimanê kurdî hîro bûye mam.

Pênc: خمسة

Pêncap:تعني خمسة مياه

هناك مقاطعة في باكستان تسمى بي “پينج-أپ” والتي ينطقها العرب بنجاب وهذا نطق غير سليم، وسببه عدم وجود حرف (پ) في اللغة العربية، في المقابل هذه المفردة موجودة في اللغتين الكردية والأوردو، لأن كلا اللغتين تنتميان لنفس المجموعة اللغوية أي “الإيندو- الإيرانية” التي تنتمي بدورها إلى مجموعة اللغات “الأندو – أوروبية”.

وفي محور جغرافية مدينة إيمار تحدثنا عن موقع المدينة وجغرافيتها، من حيث نوعيته التربة والطبقات الصخرية، وكيف قام الخوريين أصحاب هذه الأرض، بمعالجة الموقع الصعب والقاسي بعد إختياره لبناء المدينة عليه، ولتكون في نفس الوقت مرفآ نهريآ يعتاشون منه. كان على الخوريين أن يتعاملوا مع أمرين مهمين كي يستطيعوا تحويل هذا الموقع إلى أرض صالحة للبناء وفي نفس الوقت بناء مرفأ على الجهة الشرقية المطلة على النهر والأمرين هما:

الأول: تسوية سطح الموقع وتمهيديه ليكون صالحآ لبناء مدينة سكنية تضم ألاف البشر بكل متطاباتهم، ومن شاهد الموق أو صوره أو أفلامآ عنه، يدرك عظمة الشعب الخوري ومهارته في بناء التحصينات رغم قلة أدوات الحفر والبناء وبدائياتها في ذاك الوقت. في الحقيقة كان الموقع عبارة هضبة صخرية مدرجة تطل على وادي نهر الفرات. فقام أهله المنطقة من الخوريين بهندستها وإنتظامها من خلال تخطيط الأرضية الصخرية للموقع، وأتبعوا إسلوب تسوية الأرض من خلال التراب الذي نقلوه إليه نقلآ من مناطق مجاورة للهضبة، وثبتوها عن طريق جدران إستنادية قوية.

الثاني: تحصين الموقع لكي يسهل الدفاع عنه، وذلك من خلال حفر خندق عميق وطويل وعريض في الجهة الغربية للموقع كنوع من الحماية الطبيعية. وهذا ما منح الموقع نوعآ من الحماية ضد أي عدوان خارجي يتعرض لها المدينة.

هذه المقدمة كانت ضرورية للدخول في صلب الموضوع ألا وهو معنى تسمية “إيمار” وأصلها. لأنه ما ذكرناه أنفآ له علاقة مباشرة بالتسمية ذاتها. إن أصل تسمية “إيمار” تعود للغة الكردية القديمة وبالعربية تعني إنشاء أو بناء. ونفس هذا المصطلح أي “إيمار” أخذه العرب عن اللغة الكردية وعربوه بعد إضافة حرف (العين) إليها وتبديل الحرف الكردي (إي) بالحرف العربي (إ) وأصبحت إعمار.

Îmar: بناء، إنشاء

Îmar  ——>  إعمار

I: (إ)

Î:  (إي

كل الذين يعرفون مدينة “إيمار” الأثرية يعلمون أنها صنعت صنعآ، مثلها مثل مدينة “رستن” الواقعة في منتصف المسافة بين مدينتي (حمص وحماه). وتسمية “إيمار” تعنى العمارة أو النمشأة، لأنها كما قلنا نحتت نحتآ بسواعد شعبها الخوري أجداد الكرد.

وتسمية “إيمار” نفسها عبر الزمن تغيرت في اللغة الكردية وأخذت عدة أشكال إلى أن أصبحت في اللغة الكردية “مال” أي البيت. مع الزمن سقط حرف (إي)، نظرآ لثقله وحدته الناس في حياتهم اليومية تخلوا عنه، والتطور الثاني، كان إستبدال حرف (الراء) بحرف (اللام) لسهولة نطق هذا الحرف. وإليكم شرح ذلك الأن باللغة الكردية.

 

Têgîna “Îmar”, bi demê re du guhartin ketinê, ta ew bû mal di kurdiya hîro de. Yekemîn guhartin ew bû kû kurdan di jiyana xwe ya rojane de dest ji tîpa (î) berdan, jiber ew sert û dirêje. Û duyemîn guhartin ew bû, kû kurdan tîpa (r) bi tîpa (l) guhartin, jiber kû ev tîp di bilêvkirinê de hêsantir e.

Îmar  —–>  mar  —–>  mal.

نهاية الحلقة من هذه الدراسة وإلى اللقاء في الحلقة القادمة.

ونحن في إنتظار أرائكم وملاحظاتكم ومنكم نستفيد.