( ألفاتِعَة ) لأمّي – فرياد إبراهيم –

 

الكردي المسلم ككل مسلم يتوجب عليه قراءة الفاتحة في كل صلاة فرضا 17 مرة في اليوم هذا عدا السنة والتعويض وفي مجالس العزاء . وامي كذلك. وانا في صغري كذلك.
وكنت اجيد ترتيل القرآن ترتيلا وحفظت كثيرا من السور المتوسطة الطول والعرض بكاملها وانا لم ازل في المرحلة المتوسطة.
وكنت اسمع امي الأمية تقرأ الفاتحة هكذا : (العمد لله رب الحالمين. الرعمن الرعيم….إياك نحبد وإياك نستحين…الذين أنحمت حليهم…ولا الزالين …)
داده : بالله عليك أهي فاتحة ام جعجعة أم رحى تطحن قرونا ؟!
وكنت اصحح لها قولي : الحمد لله
هي : العمد لله
أنا : إياك نعبد
هي : إياك نحبد
لا لاينفع . فنحن قوم جلنا يجعل (العين ع حاء ح) و (الحاء ح عينا ع) بالفطرة كما ينطق ا العرب ال p باءّ والراء المخففة مشددة. والمشددة مخففة:
( وه ره )=(وه رره)
مه رر = مه ر
ظلت أمي تقرأ بهذه الشاكلة جهرا في كل صلاتها عدا العجماوات. وذريعتها في ذلك أن أباها قد علمها هكذا بالسياط والركلات وهي لم تزل طفلا في الثامنة من العمر.
ذكرتُ لها جارتنا الطرشاء الخرساء أم سامان . كيف يتقبل الله دعائها إذا لم يفهم لغة الطرشان والخرسان. يا أمي : صلي إذن صلاة الطرّش والخرس تقيك من شر العين والحاء. أو اقرئيها كلها عجماء كي لا اسمعك على أضعف الأيمان.
لم تلن ولم تذعن لندائي ورجائي.
وقلت لها يوما :
– اقرئيها أمي الحبيبة بأية لغة تشائين أليس هو الذي يسمع من في القبور؟ فهناك في القبور من مات قبل ظهور نبي العرب ، أليس كذلك؟
ولما شببتُ حثثتها ان تقرأها باللغة الكردية . فجن جنونها ووبختني:
– هل تجرعت ذاك (الزقنبوت) مرة اخرى ؟ تعني الويسكي .
نزلت علي يوما افكار كالوحي. فقمت بكتابتها نثرا بصيغة سجع الكهان:
بسم الله الرحمن الرحيم:
( شكرا لله خالق الأنس والجان ِ، مالك جهنم والجنان ِ، إياكم أن تميزوا بين إنسان وإنسان ِ، لا فرق بين مسلم ويهودي وبوذي و نصراني، ولا بين عربي من قريش أو من نجران أو بين عربي و غير عربي ، لا تنعتوا هؤلاء بالأعاجم وانما بالأخوة في الأيمان ، أشف ِ لنا الطرشان مع الخرسان ِ، أنك أنت تشفي الأطرش والأخرس مع العميان ِ ، واترك لنا برحمتك الواسعة الخيار أن نقرأ الفاتحة بأية لغة ولسان، يسّر لنا أمورنا والتغلب على وعورة مسالك القرآن والفرقان ، فأنت ( الرعيم الرعمان ) .
وقرأتها على أمي. و بعد ان فرغت من قرائتها طلبتُ منها أن تردد لفظة : (رعمان .) فنطقتها صحيحة : رحمان !! سألت : ما هذا ؟ قلت : ان هذه هي (الفاتعة ) الكردية و باللغة العربية . فما هي الا أن أقتربت مني كنار بدخان وشرر : ويحك ان هذا تحريف، كفر! الفاتعة هذه غير التي احفطها.
واخبرتها :أنك بالطريقة القديمة كنت تسيئين الى المسيحيين بنعتهم ب (الضّالين ) سبع عشرة مرة في اليوم فرضا. و سنّة وتعويضا بغير عدّ و حساب.
لم تُخفِ امتعاضها : انها كلام الله والا فكيف لي أن أذكر بالسوء افضل ممرضة مسيحية في مدينتا كلها : كاترين.
وفي الصيف زارتنا قريبة كانت تسكن في مناطق وسط البلاد . انها لم تتعلم سوى كلمات بعدد الأصابع باللغة الكردية . رغم انها كانت تقضي العطلة الصيفية كل عام في الشمال.كلمات من قبيل ( وه رره )أي تعال،( برو) بمعنى (حاجب ) وهي تقصد ( بررو- بالراء الغليظة ) بمعنى (أذهب أو أمش) ، (سوباس- الباء بنقطة واحدة بدلا من ثلاث) أي( شكرا)…
والسبب انهم يرون أن تعلم لغتهم من قبل الأعاجم فرضا بل واجبا ، ولا يكلفون انفسهم مشقة تعلم لغة أعجمية إستكبارا منهم لا عجزا واستغناءا ، بل واستهزاء بكل ما هو غير عربي ، وإنغلاقا على الشعوب الأخرى . فقلما يجد المرء عربيا تعلم اللغة الكردية أو الفارسية أو التركية رغم صلة الجوار والقرابة . أي ان العرب لم يكتفوا بحمل غير العرب أعباء دين غليظ بالفاظه ، شرس بمعانيه ، فضّ جاف عنيف بتعاليمه وأفكاره و مبادئه الشوفينية ، متخلف مشوه للحقائق والتأريخ ، مخالف للأنسانية ومقوّض لبنيان التعايش السلمي بين الشعوب والأديان على وجه البسيطة.
في ملتي واعتقادي ان الشعوب غير العربية (المستسلمة) للأسلام– ولاأقول(المسلمة) أبدا وقطعا وحاشا – وقعت تحت لواء محمد في عبوديتين معا، عبودية مزدوجة دون أن تشعر: عبودية تعلم لغة لا تمت بواقعهم بصلة ولا بتأريخهم ولا بتراثهم العريق ، وعبودية الأستسلام والطاعة العمياء.
طلبتُ من نفس الزائرة يوما ان تقرأ (الفاتعة الكردية) بعد أن ترجمتها الى اللغة الكردية. ماسكا بيدي كوبال – عصا – أبي المعقوفة . ففعلت لحسن حظها طواعية وقرأت بلكنة غريبة مشوهة لم نفهم منها شئ ما عدا بضع كلمات مشتركة بين الكردية والعربية . وعندما وصلت الى كلمة ( كه رر- بالراء الغليظة) المترجمة عن كلمة ( أطرش) قرأتها (كه ر – بالراءالنحيفة) تبادلنا امي وأنا النظرات المريبة. فكلمة ( كه ر) هي بمعنى ( حمار)!
رأيت أمي تجاهد في إخفاء ضحكة بيدها.
فقلت لها منتهزة قراءة السيدة العربية فرصة لشرح موقفي:
– وكم من حمار صار اطرشَ على لسانكِ وكم من اطرش حمارا ! فاضحكي على نفسكِ أولا ، يا داده.

*

فرياد

2 Comments on “( ألفاتِعَة ) لأمّي – فرياد إبراهيم –”

  1. كاك فرياد إبراهيم المحترم
    أحسنت كالمعتاد وأبدعت
    للاطلاع:
    “( ألفاتِعَة ) لأمّي”. ( ألفاتِعَة ) لأمّهاتنا وآبائنا وما بينهما!
    ” كلمة ( كه رر- بالراء الغليظة) المترجمة عن كلمة ( أطرش) قرأتها (كه ر – بالراءالنحيفة) تبادلنا امي وأنا النظرات المريبة. فكلمة ( كه ر) هي بمعنى ( حمار)!”. تجد هذه الظاهرة اللغوية في لغات أخرى. فمثلا في الاسبانية: “pero” تعني ولكن، أمّا “perro” تعني الكلب. وثمة ظاهرة مشابهة هي تكرار ذات الحرف في نهاية المقطع الأول وبداية المقطع الذي يليه في الكلمة الواحدة. فمثلا في الايطالية ” mamma” بخلاف “mama” في اللغات الأوربية الأخرى بمعنى الأُم بالعامية. وفي الاملاء بالعربية تستخدم الشدّة في التحريك. ” فقلما يجد المرء عربيا تعلم اللغة الكردية أو الفارسية أو التركية رغم صلة الجوار والقرابة .” وكذلك الأمر للناطقين بالانجليزية واللغات العالمية الأخرى يتوقعون الآخرين يتعلمون لغاتهم المعنية. وقال بروفيسور في جامعة استرالية ما مفاده: هنالك مشكلتان في التحدث باللغات، الأولى هي الذين لا يجيدون الانجليزية والثانية هي الذين يجيدون الانجليزية لا غيرها. هذه هي المعادلة اللغوية الّا اذا اقتضت الضرورة. فمثلا الرفاق العرب الذين كانوا أنصارا في كردستان تعلموا اما اللهجة السورانية أو الكرمانجية حسب تواجدهم هناك ولا يزالون يتذكرونها. ولي الشرف تقديم تعريف وتعارف بالسورانية الى بعضهم في لندن قبيل مغادرتهم للالتحاق برفاقهم في كردستان العراق.
    (كاك)محمد توفيق علي

  2. كاكه محمد توفيق الغالي والنفيس
    تحية وسلام
    طرحت موضوعا شيقا والحديث ذو شجون

    طوبى لك

Comments are closed.