هل أمريكا جادة في فصل سوريا عن العراق؟ – بيار روباري

 

مشهد التحركات العسكرية الأميركية الشبه يومية في غرب العراق وشرق سوريا منذ أسابيع لا يخفى على أحد، وترافق كل ذلك مع وصول عدة حاملات طائرات إلى منطقة الخليج والبحر المتوسط والبحر الأحمر، إضافة إلى القوة الجوية الضاربة التي حطت في الإردن وبعض القواعد العسكرية الأمريكية في جنوب سوريا والأردن، وحملة الإستنفار التي شهدها الجيش الحر في منطقة التنف بالجنوب السوري، وقوات سوريا الديمقراطية في شرق الفرات إستعدادآ لعمل عسكري ما.

طبعآ الجميع أخذ يحلل ويفسر هذا التحرك الأميركي الكبير والقوي، وإنقسم القوم إلى فريقين:

الفريق الأول: فسر هذا التحرك على أنه يأتي في إطار ممارسة الضغوط على ايران وهي تفاوضها على عدة ملفات من ضمنها ملف المحتجزين الغربين ومن بينهم الأمريكيين، إضافة للملف النووي الإيراني، وتحرشات الميليشيات الشيعية بالقوات الأمريكية في شرق سوريا.

الفريق الثاني: يرى أن تحريك كل هذه الألة العسكرية الضخمة ليس فقط لممارسة نوع من الضغط على النظام الإيراني. ثم إيران ليست بحاجة لتحريك كل هذه القوات تدرك أمريكا تملك قوة عسكرية جبارة. وبالتالي فإن لأمريكا هدف أشمل وأكبر من ممارسة الضغط، وحددوا الهدف بفصل العراق عن سوريا من خلال غلق الحدود بين الدولتين، بالتعاون مع قوات سوريا الديمقراطية – قسد والجيش الحر وحليفتهم الأردن، وذلك لتحقيق مجموعة أهداف دفعة أهمها:

1- تقليم أنياب النظام الإيراني الإرهابي وإعادته إلى حجمه الطبيعي، من خلال فصل العراق عن سوريا وضرب ميليشياتها الطائفية الإرهابية في سوريا.

2- حماية القوات الأمريكية في سوريا والعراق من خطر المليشيات الشيعية الإجرامية.

3- إضعاف الوجود الإيراني في سوريا ومن ثم دحرها منها لاحقآ.

4- حماية إسرائيل من تلك الميليشيات الإرهابية.

5- زعزعة حكم عصابة الأسد، والضغط على النظام الروسي في سوريا.

6- تمتين وجودها في سوريا ودعم حلفائها الكرد والعرب.

7- القول لروسيا نحن باقون في سوريا وإن أردتم فنحن لها، بعد التحرشات الروسية المتكررة بالقوات الأمريكية على الأرض وفي السماء.

شخصيآ أرى أن التحرك العسكري الأمريكي له أهداف قريبة المدى وبعيدة المدى وهي مزيج من كل ذلك وتتوقف على نتائج المفاوضات بين الجانبين الأمريكي والإيراني.

 

وبسبب هذه التحركات العسكرية الأمريكية الجادة والكبيرة وتغيير اردوغان من لهجته وتعثر بوتين في حربه الأوكرانية، سارعت القيادات الشيعية في كل من العراق ولبنان وايران وسوريا، زادت من إتصالاتها ولقاءاتها الأمنية والعسكرية السرية والعلنية منها، لا بل خرج بعضهم على الإعلام مثل “حسن نصرالله” و”نوري المالكي” لرفع معنويات أتباعهم من خلال الجعجعة والكلام الحماسي. وعلى الفور أوفد الأفعى خامئني رئيس عصابة ما يسمى فيلق القدس “قاآني” إلى العراق للقاء قادة الميليشيات، ومن هناك توجه إلى سوريا وإلتقى بقادة النظام الأسدي، وختم جولته التحضيرية في الضاحية الجنوبية من بيروت التي حولها حزب الله إلى أكوام من الزبالة والركام وإلتقى بقادة حزب اللات. وأمر نظام الملالي الإثنى العشري ميليشياته الطائفية البغيضة بالإختباء والإبتعاد عن الحدود السورية – العراقية، وفعلآ إختفوا كالجرذان من على جانبي الحدود السورية والعراقية. بعض المصادر ذكرت أنهم إبتعدوا عن الحدود لمسافة أكثر من (30) ثلاثين كيلومتر، ولكن لا نملك ما يؤكد ذلك على الأرض.

والدليل الأخر على كذب هؤلاء المجعجعين، هو دعوة القيادات الشيعية في العراق وايران أنفسهم أمريكا بالعودة للمنطقة عسكريآ وتحديدآ إلى العراق وسوريا بعد ظهور تنظيم داعش الإرهابي وتمدده في كل من سوريا والعراق، وتهديده المباشر لحكم نوري الهالكي وسلطته وسلطة بشار الوحش، وتمكن التنظيم من قطع أوصال الهلال الشيعي. ولولا التدخل الأمريكي العسكري السريع لإنتهى نور الهالكي في جحر مماثل لجحر صدام حسين هو والوغد مسعود البرزاني، ولتم تعليقهما كما علق المجرم صدام حسين من رقبته ومعهم بشار الوحش. فهؤلاء الأوغاد وناكري المعروف مدينون بحياتهم الشخصية وكراسيم للعم سام والجنود والطيراين الأمريكان.

ولولا القوات الأمريكية لأباد تنظيم داعش الإرهابي كل الكورد وليس فقط الكورد اليزيديين منهم، وخير دليل على ذلك معركة “كوباني”. أنا كإنسان كوردي أشكر الولايات المتحدة وقوات التحالف على حماية شعبنا الكوردي في غرب وجنوب كوردستان، وبفضل أمريكا حصل شعبنا الكوردي على الفيدرالية في جنوب كوردستان، ونحن اليوم على الطريق للحصول على الفيدرالية في غرب كوردستان أيضآ بفضل هذا الدعم.

 

ومن جهته أوفد بشار الوحش “حسام لوقا” أحد جلاديه إلى الضاحية الجنوبية لبيروت سرآ، للقاء أزعر الضاحية الجنوبية “حسن نصرالله”، لطلب الدعم لمواجهة أمريكا في شرق سوريا والحراك الشعبي في محافظة السويداء. وبعكس خطاباتهم الإعلامية ذات النبرة العالية والتهديدية، الأنظمة الثلاثة في كل من سوريا والعراق وايران في الواقع يخافون من قيام الولايات المتحدة الأمريكية الإطاحة بالنظام الأسدي الذي سيكون له تأثير كبير ومباشر على النظاميين الشيعيين الطائفيين المقيتين في كل من العراق وايران وعصابة حسن نصرالله التي أخذت من لبنان رهينة لها، ووضعته في خدمة المصالح الفارسية القومية.

 

السؤال هو: هل تريد أمريكا حقآ إغلاق الحدود بين سوريا والعراق وليس في قدرتها؟؟

 

كل ما يمكن قوله في هذا الصدد هو تخمين وتقديرات، لأن القيادة السياسية الأمريكية لم تعلن عن رغبتها في القيام بمثل هذه الخطوة لليوم. من الوارد جدآ إقدام الولايات المتحدة الأمريكية على هكذا خطوة، وإن قامت بمثل هذه الخطوة ستلقى تأيدآ ودعمآ كبيرآ من إسرائيل والإردن. والسعودية ستدعم ذلك ولكن سرآ لكونها أبرمت إتفاقية تطبيع العلاقات مع نظام الملالي منذ أشهر قليلة. برأي الشخصي كل شيئ مرتبط بنتائج المفاوضات الجارية بين الطرفين الأمريكي والفارسي والوضع الدولي وخاصة الحرب الأوكرانية فإذا فشلت المفاوضات هناك إحتمال أن تقدم الولايات المتخدمة على خطوتها هذا، ولربما يكون ردها أكثر عنفآ. وفي هذه الحالة ستدفع ايران ميليشياتها لقتال القوات الأمريكية في سوريا والعراق وحتى في أماكن أخرى من العالم، ولكنها لن تتورط بنفسها في المعركة بشكل مباشر لتخوفها من ضربة أمريكية عنيفة تهز عرش الملالي من الشرش. يمكن لها التورط في الحرب إذا تعرضت هي نفسها لضربة أمريكية مباشرة.

وإذا نحجت المفاوضات بين الجانبين وفي جميع القضايا التي هي موقع خلاف فلن تقدم الولايات المتحدة على مثل هذه الخطوة، وايران من جهتها ستلجم زعرانها وتأمرهم بالإبتعاد عن مواقع القوات الأمريكية وتجنبها كونها باتت قوات صديقة.

وبالتالي ستنسحب القوات الأمريكية وتعود إلى بلدها وأقصد بذلك القوات الجديدة التي أرسلتها أمريكا حديثآ للمنطقة، كلنا يتذكر عندما أمر الرئيس الأمريكي بإعادة القوات الأمريكية من العراق وعاد على أثره الهلال الشيعي للحياة من جديد، بعد القضاء على تنظيم داعش الإرهابي المتوحش وكيف سيطرت الميليشيات الشيعية على الحدود السورية – العراقية من الجانبين، لا بل سيطرت ايران على القسم الأكبر من الأراضي السورية وإحتلتها عمليآ وإن بشكل مستتر، وحققت بذلك حلمها الوصول إلى سواحل البحر المتوسط، وسط صمت عربي مخزي. التركي كل همه هو منع الشعب الكوردي من نيل حريته وإستقلاله فقط. والقادة العرب ملتهين بتفهات الحياة مثل الكرسي والزاعمة، ونهب وسلب المال العام على الطريقة البرزانية القذرة والجشعة، وإستعباد شعوبهم وشراء اليخوت القصور الفخمة في الخارج، وبناء القصور في الداخل وممارسة كل المبيقات والفجور.

 

الخلاصة:

كل الإحتمالات واردة في العمل السياسي وإستخدام القوة العسكرية هي جزء من العمل الدبلوماسي ولكن من النوع الخشن.

طبعآ الجانب الكوردي في غرب كوردستان لا يستطيع القول “لا” لأمريكا إن طلبت منه المشاركة في عملية عسكرية ألا وهي تنظيف الحدود السورية من الميليشيات الشيعية، لأن قول لا لأمريكا سيكون له كلفة باهظة وخاصة الكورد بحاجة إلى المظلة الأمريكية. بقناعتي على الطرف الكوردي المشاركة إن قررت أمريكا القيام بمثل هذه الخطوة، ولكن يمكن له للكرد الطلب من أمريكا إخراج تركيا من مدينتي “غريه سبي” و”سريه كانية”، ووقف الإعتداءات الجوية التركية على قوات قسد وقادتها بطيران الدرون.  وهذا مطلب معقوا ويمكن لأمريكا تحقيقة بممارسة بعض الضغوط على اردوغان.

 

إن غلق الحدود السورية – العراقية، لاشك سيخدم الشعب الكوردي في كل من جنوب وغرب كوردستان وذلك للأسباب التالية:

  • سيضعف شوكة المليشيات الشيعية الموجودة في سوريا والعراق ومعهم النظام الأسدي، وبالتالي سيقل خطرهم على الشعب الكوردي سواء في منطقة شرق الفرات وغربها وفي مدينة حلب أيضآ.
  • سيزداد الدور الكوردي في سوريا، إن ضعف النظام الأسدي أو إنهار أو عزل عن السلطة، وسيكون للكورد كلمة مهمة في مستقبل البلد وتحديد هوية النظام السياسي المقبل.
  • سيخفف ضغط النظام الفارسي على إقليم جنوب كوردستان، وسينشغل بوضعه الداخلي عندما يجد قد إنهار مشروعه التوسعي الإجرامي في المنطقة.
  • سيكون للكورد سيطرة شبه كاملة على الحدود السورية – العراقية إن شاركوا في المعركة ونظفت الحدود من الميليشيات الشيعية الإرهابية.
  • سيتوقف عصابات الأسد الإجرامية في تنفيذ الأعمال الإرهابية في مناطق الإدارة الذاتية، وتتوقف علميات التحريض العنصرية ضد الشعب الكوردي وقوات قسد والإدارة الذاتية.
  • النظام الشيعي في العراق سيتواضع ويفهم بأن الهلال الشيعي الطائفي إنتهى في المذبلة، وسيخف من ضغط الحكم الشيعي عن كاهل الشعب الكوردي في جنوب كوردستان، ويتوقف عن حجز أموال رواتب الموظفين الكورد.
  • النظام الفارسي العنصري، سيلجم ويحشر ضمن حدود بلده إذا خسر سوريا ولبنان معه، وبالتالي يقل شره.

الأسابيع والأشهر القليلة القادمة، وحدها كفيلة بالإجابة على التساؤل الذي طرحنه في عنوان هذا المقال. وستكشف لنا المزيد من المعلومات من اليوم ولذاك الحين، ويبقى الجواب اليقين عند صناع القرار الأمريكي وتحديدآ البيت الأبيض والبنتاغون وجهار الإستخبارات.

 

30 – 08 – 2023