ألمانيا وخطرالتّطرف! – إبراهيم شتلو

 

حكومة أضواء إشارة المرور بألوانها: الأحمر والأصفر والأخضر تجد نفسها مضطرة لأخذ العبرة من تاريخ ألمانيا النازية المعادي للسامية ومحرقة الستة ملايين مواطن ألماني يعتنق الديانة اليهودية في تحديد موقفها من إرهاب مجموعة موجودة على لائحة المنظمات الإرهابية في العالم والإجراءات الإحترازية التي قامت بها إسرائيل درءا لإعتداءات مستقبلية قد تطال أمنها.

من تبعات هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية أنه فرض على واضعي دستور جمهورية ألمانيا الإتحادية الإلتزام بقوانين حماية حقوق الإنسان واستقبال كل من يطأ أرضها تحت مسمى: الإلتجاء الذي يبررتحت شعار لجوء المستضعفين طلبا للحماية من تعرض اللاجئ من العذاب الدنيوي أو الموت ظلما على يد أنظمة لا تأخذ لحقوق الإنسان أي إعتبار.

وهكذا فقد أصبحت ألمانيا مقرا لمئتين وخمسين قومية ومذهب. هذه الحالة التي لم توفر للعديد من قطاعاتها اليد العاملة الرخيصة وحسب، بل وبدأت آثارها المذهبية والتراثية والأخلاقية والإجتماعية في المظهر والجوهر تصبغ الحياة في ألمانيا بطابع جديد آخر يناقض البديهيات الألمانية في الحياة اليومية ولتطال أيضا نظام الإدارات والمرافق العامة بل وتحديد المواقف السياسية للأحزاب والمؤسسات الإجتماعية.

وقد كشفت الأحداث الأخيرة في إسرائيل وغزة بوضوح تام هلامية الموقف الرسمي و العملي للأحزاب والشارع في ألمانيا الأمر الذي يدعوالمراقبين لتطورالأحداث إلى تسليط الأضواء على العوامل المؤثرة في القرارالرسمي للحكومة الألمانية قولا وعملا.

ففي الوقت الذي أعلنت فيه حكومة ألوان إشارة المرورالإئتلافية بمستشارها ووزيرة خارجيتها إستنكارها الحاد للمذبحة الوحشية التي ارتكبتها حماس صبيحة السابع من أكتوبر وأكدت على لسان رئيسها بأن وجود وأمن دولة إسرائيل هو من وجود وأمن ألمانيا والذي كرره المستشار ووزيرة خارجيتها بيربوك تحدى الشارع في العاصمة برلين ومدن ألمانية أخرى الموقف الحكومي الرسمي وخرج عشرات الآلاف جلهم ممن وجد الأمن والأمان وأعلن الولاء في هذا البلد الأوربي الغيرعربي والذي يدين شعبه بالديانة المسيحية التي يحرم أصحاب الفتاوي المتطرفين على المسلم الدعوة للميت الألماني بالرحمة !.

والأمر الذي بدا واضحا ولايقبل الشك أن الساسة الألمان بدؤأ ينظروا إلى نشاط الجاليات العربية والإسلامية بجدية ويأخذوا شعارات المتظاهرين المنادين برمي اليهود في البحربعين االأهمية والقلق بعد أن رؤوا على صعيد الواقع العملي مدى مخالفة تلك المجموعات التي إحتضنتهم ألمانيا لمبدأ التضامن المطلق لألمانيا مع الدولة العبرية إذ بدأت  مشاعر الجاليات العربية والإسلامية التي نقلت مواقفها وإتجاهاتها ومعتقداتها ومذاهبها إلى البيت الألماني بكل وضوح وكشفت بشكل صارخ لايقبل الشك مناقضة المبادئ الإنسانية التي كانت ألمانيا تعتبرها أساسا لدستورها وقاعدة أساسية لسوكها السياسي الداخلي والدولي في تعاملها مع من وطؤا أرضها من العرب والمسلمين الهاربين من أنظمة بلادهم.

إن إستغلال مئات الآلاف من المتظاهرين المتمتعين باللجنسية الألمانية والحائزين على حق الإقامة الآمنة  الداعين إلى إقامة الدولة الإسلامية في أوربا وتطبيق حكم الشريعة فيها مستغلين بحبوحة الحرية التي يكفلها الدستورالألماني لمواطنيه وللمقيمين على أرضه وهم بذلك يمارسون على أرض الواقع الدورالمزدوج بين حق المواطنة و مخالفة أسس الدستورالألماني.

كل ذلك أدى إلى إلقاء الضوء على واقع غفلت عنه الدولة الألمانية أو إستخفت بنتائجه أو لم يحسب له القانون الألماني له أحساب إذ أن مبدأ ضرورة تلاؤم اللاجىء مع القوانين وقواعد الحياة العامة في المجتمع الألماني لم يأت أكله مع مئات الآلاف من اللاجئين العرب والمسلمين. وقد أكدت التظاهرات الصاخبة المتلازمة بالعنف لهؤلاء اللاجئين حقيقة الثقافة التي ينهجها هؤلاء الذين قدموا من بلدانهم التي حرمهم حكامها من أبسط حقوق المواطنة.

من الواضح أن هؤلاء المتظاهرون لا يكلفون أنفسهم عناء الاعتراف بتعصبهم الأعمى لقوميتهم وثقافتهم ومعاداة كل ما هو غير عربي وغير مسلم بل لا يريدون لمجرد التفكير في شكل الحياة الفعلية بالنسبة لهم أو أن يتذكروا إذا كانوا بقوا في بلادهم أو لا يزالون يعيشون في غزة أو بيروت أو دمشق أو طهران. إذ أنه من السهل التظاهر في برلين وباريس ولندن أو واشنطن العاصمة بل وتحدي قانون تنظيم المظاهرات والتعبير عن الرأي بالمسيرات.

وعلى الرغم من الادعاءات التي يتفوه بها الناطقون بإسم المتظاهرين بأنهم يقومون بمسيرات “مناصرة للفلسطينيين”. ولكنها بالفعل مسيرات حقد وكراهية يقوم بها أشخاص يدعون إلى الإنتقام ويريدون تدمير إسرائيل ويعادون كل ماهو غيرعربي وغيرمسلم.

قد يكون من السهل – إلى حد ما – للسلطات الألمانية الحد من نشاطات منظمات ما أو إصدار قوانين حظرها إستنادا إلى الدستور ولكن لن يكون هذا الأمر بهذه البساطة – حسب رأيي – في حال رغبة الحكومة الإتحادية في إيقاف ممارسة المنظمات العربية – الإسلامية المتظرفة لنشاطاتها وحظرها وإغلاق مقراتها وإبعاد الأئمة المستوردين من تركيا ودعاة الكراهية وذلك لأسباب عديدة منها:

المتظاهرون من الإسلاميين العروبيون بلغوا من العدد الملايين و يتسلحون بعقيدة الجهاد والشهادة في سبيل الله وهم لايهابون العنف بل يؤمنون بقدسية مصير من يواجه العنف وهو يصرخ: الله أكبر. وفي حين يرى المتظاهر العربي – المسلم المتطرف في الشرطي الألماني شخصا يقف حائلا بينه وبين الجهاد في سبيل الله يتقيد رجل الأمن الألماني بقانون وضعي بناء على أسس حق الإنسان في التعبيرعن رأيه بحرية والقانون الألماني يكفل له ذلك.

ثانيا: تضطر الحكومات العربية للإستماع إلى صوت الشارع مهما كانت دوافعه خشية من إتهامها بما هو دارج وسائد ومتعارف عليه بقذفها بتهمة العمالة لأوربا أو التواظؤ مع الدولة اليهودية إسرائيل عدوة العرب والعالم الإسلامي عبر أبواق المتطرفين المدعومين من قبل طهران وأنقرة وقطر.

إذ أن هذه التهمة سهلة الإستخدام كسلاح للضغط على العديد من الحكومات العربية بعد أن دخلت حكومة الملالي في طهران على خط المزايدة على تيار محو إسرائيل وتركيا أردوغان التي يراقب الغرب سياستها الميكيافيلية الحرباء المفرطة في دعم التطرف الإسلامي وخلق بؤرالإرهاب وزرعها ليس في سوريا وليبيا والعراق وغزة وحسب بل وفي أوربا وبلدان أمريكا اللاتينية أيضا.

فهل ستتمكن ألمانيا أخذ العبرة من معطيات مسيرات الإنتقام وتأخذ الدرس من رفع شعارات العنف في شوارع مدنها – وهي محظورة بموجب قانون التظاهر الألماني – وإذا كان لها ذلك فهل ستنجح في التخلص من هذه الظاهرة المستفحلة في الوقت القريب قبل أن تفرض نفسها من جديد بقوة أكبرمع أول فرصة جديدة تتعلل بها بالتحالف مع منظمات ألمانية متطرفة يسارية أوغوغائية تخريبية في الداخل؟

إبراهيم شتلو

دراسات كردية – إسلامية

عن الألمانية بتصرف

One Comment on “ألمانيا وخطرالتّطرف! – إبراهيم شتلو”

  1. مقال ثمين وتحذير وتنبيه لخطورة افة التطرف والتعصب بكل اشكاله والوانه المثير للحقد والكراهية والتقسيم والتشظى بوجود حكومات وانظمة واحزاب مارقه وفتاوى ودعاوى تشجع على انتشار هذه الافة الفتاكه وتدعمها لتشكل اكبر خطر على المجتمعات والسلم الاهلى تحية للكاتب على مقالاته وكتاباته القيمة

Comments are closed.