رعب النزاعات العشائرية- كامل سلمان

النزاعات العشائرية التي تحدث بشكل مستمر وخاصة عند أهل الجنوب العراقي هي أشارة لثلاثة حقائق .
الأولى : أن الدولة تعيش أضعف حالاتها ، وإنها عاجزة عن تسجيل حضورها ، فلا هيبة للدولة ولا أعتبار للقانون .
الثانية : أن التخلف وصل أوج حالاته ، بعد أن كانت مجالس العشائر تمثل مدارس أخلاقية تربويّة للأجيال أصبحت هذه المجالس مقرات للتعبئة والتطرف والكراهية والتخلف .
الثالثة : أننا مقبلون على إنقسام عرقي من نوع جديد لم يحدث له نظير في أي بلد بالعالم وهو التقسيم العشائري .
من هو المسؤول عن جعل العشائر تأخذ زمام المبادرة والتحكم بالقانون ؟ طبعاً وبدون أدنى شك هم رجالات الأحزاب الدينية الذين يفضلون التحكيم العشائري على التحكيم القانوني والسبب هو إعتقادهم المطلق بأن الدولة لن تدوم لهم وأن وجود القانون المحكم سيمنع عنهم السرقات ويلاحقهم إينما كانوا ، لذلك يجب أن تكون هنالك دولة باقية لهم تحميهم وتستر عوراتهم وما أقترفته أيديهم من جرائم وهي العشيرة القوية التي هي فوق الدولة ، هذا من جانب ومن جانب آخر تشجيع المرجعيات الدينية للعشائرية نظراً لما تمثلها العشائرية من التزام وولاء للمرجعيات الدينية خلال الأحقاب الزمنية الماضية ، فبقاء العشائرية قوة قوية ضمانة لقوة ونفوذ المرجعية الدينية .
العشائرية عند العرب السنة وعند الكورد لا تمثل تحدياً للقانون والدولة ، لأن عشائر الكورد والعرب السنة يدركون تماماً مخاطر صعود العشيرة على ظهر الدولة ، يدركون بأن العشائرية بمعنى ضياع الدولة وتشتتها أن استفحلت ، وأن عدم وجود المرجعيات الدينية عند السنة والكورد جعل دور القبيلة والعشيرة لها دور ثانوي لعموم الناس .
عشائر الجنوب العراقي تحولت من عشائر المحبة والألفة وحمامات سلام لحل النزاعات الفردية والتواصل مع العشائر الأخرى إلى جيوش فتاكة تمتلك أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة ومنها تمتلك بعض الأسلحة الثقيلة ، وفي القريب العاجل سنجد بعضاً من هذه العشائر تستخدم الطائرات المسيرة وربما الصواريخ البالستية وذلك ممكن جداً ، فما تمتلكه المليشيات هو ملك للعشائر ، لأن رجال المليشيات عندهم الولاء للعشيرة فوق الولاء للمليشيا . وبما أن المليشيات تمتلك جميع أنواع الأسلحة سيكون بالتاكيد كل شيء في خدمة العشيرة خاصة وأن العشائر تضاعفت أعدادها بشكل مطرد بعد أن عادت جموع المتمدنين الذين كانوا يمنون النفس بدولة مدنية عادوا إلى عشائرهم بسبب ضعف القانون ، فأصبحت بعض العشائر ممالك لها أتباع بمئات الألوف ولها حدود جغرافية وكاميرات مراقبة ، إضافة إلى أموال طائلة تستطيع دفع أي مبلغ دية أو مبلغ الفصل العشائري . فهي مستعدة للقتل لأنها تعرف مقدماً بأن عشيرة المقتول سوف ترضى بالدية دون عواقب قانونية للقاتل .
الحقيقة التي يجهلها وجهاء العشائر بأن الأموال التي تغدق عليهم من الدولة المترنحة وضعف القانون هما سر صعود قوة العشيرة ، فهذه لا تعني بأي شكل من الأشكال اشارات خير لمستقبل البلاد ، فالبلدان اليوم قوتها بقوة قوانينها ، فالسؤال الذي سيخطر على بال كل قارىء ، بما أننا بلد وسط المجتمع الدولي ، فعندما يأتي الزائر الأجنبي أو الشركات الأجنبية أو العربية المستثمرة فمن سيحمي ويحفظ حقوق الأجانب ؟ أنا هنا لا أتحدث عن ملايين من الناس من أبناء الشعب العراقي الذين غادروا العشائرية وتركوها بلا رجعة منذ عشرات السنين عندما كان القانون فوق الكل خلال فترات أنظمة الحكم الساقطة أو الأزمنة الغابرة ، لأن هؤلاء العراقيين غير الموالين للعشائرية أصبحت دماءهم مباحة وأصبحت حقوقهم ملغية بفضل العشائرية وضمور القانون والدولة . ولكن الأجنبي والعربي وراءه دولة وليست عشيرة !
بالنسبة للأجانب يجذبهم مدى الأمان الموجود في البلدان التي يزورونها ، لذلك ترى عدد الأجانب الذين يزورون بعض بلدان امريكا اللاتينية ضئيل جداً والاستثمار فيها شبه معدوم بسبب سيطرة مافيات القتل والمخدرات على مؤسسات الدول هناك او فوق مؤسسات الدول مما جعل هذه البلدان تفقد مصداقيتها وسمعتها داخل المجتمع الدولي فلا يتجرأ أي أجنبي أو مستثمر لزيارة هذه البلدان الفاقدة للقانون فأصبحت بلدان منبوذة مرعبة ، فما الفرق بين سيطرة مافيات القتل والمخدرات على البلد عن سيطرة العشائر ، كلاهما يضعفون دور القانون ويلغون دور الدولة ، فهل نحن عازمون على السير بهذا الطريق إلى مالا نهاية أم أن العقلاء في البلد سيعيدون حساباتهم وينهون هذه المهازل ؟