إنبثقت اللغات الهندو – أوروپية من كوردستان- د. مهدي كاكه يي

 

قام 13 علماء بإجراء بحثٍ لمعرفة المنطقة التي إنبثقت منها عائلة اللغات الهندوأوروپية. الدول التي تنتمي إليها هؤلاء العلماء وأعدادهم لكل دولة، هي كالآتي: 3 من نيوزيلندا، 1 من بلجيكا، 2 من هولندا، 2 من أستراليا، 4 من الولايات المتحدة الأمريكية، 1 من بريطانيا، والذين يعملون في 13 مراكز بحثية وأقسام علمية متخصصة في المجالات التالية: علم الكومپيوتر، علم الأحياء الدقيقة والمناعة، علم اللغات النفسية، الدماغ (علم المعرفة الدماغية والسلوك)، علم النفس، الثقافة والتاريخ واللغة و العلوم المتعلقة بِآسيا والمحيط الهادئ، علوم المعلومات الصحية والمعلومات الحياتية، البيئة الجزيئية والتطور، الفلسفة، علم الرياضيات البايولوجية، علم الإحصاء البايولوجي، علم الوراثة البشرية، علم الإنسان الإدراكي والتطوري.

إشتركت في هذا البحث المراكز العلمية والجامعات التالية: جامعة أوكلاند النيوزيلندية، مركز ريگا البلجيكي، مركز ماكس پلانك للغات النفسية الهولندي، جامعة رادبود الهولندية، الجامعة الوطنية الأسترالية، كلية الطب – جامعة نيويورك الأمريكية، جامعة كاليفورنيا الأمريكية، جامعة أوكسفورد البريطانية. تمّ نشر البحث في المجلة العلمية الأمريكية (Science)[1]. هذه المجلة هي أشهر مجلة علمية عالمية الى جانب مجلة (Nature) البريطانية اللتين تنشران الأبحاث الأصيلة فقط أي يقتصر النشر فيهما على الإكتشافات والإختراعات فقط.

في هذا البحث، قام العلماء بأخذ فرضيتَين متنافستَين كمصدر للعائلة اللغوية الهندو-أوروپية. وجهة النظر التقليدية، تضع موطن هذه اللغات في سهوب پونتيك (جمهورية أوكرانيا الحالية) قبل حوالي 6000 عام. تدّعي فرضية بديلة، أن اللغات الهندو-أوروپية إنتشرت من منطقة الأناضول (شمال كوردستان) مع التوسع في الزراعة خلال 8000 إلى 9500 سنة مضت.

إستخدم الباحثون العلميون في بحثهم منهج دراسة العمليات التاريخية التي قد تكون مسؤولة عن التوزيعات الجغرافية المعاصرة للأفراد. تمّ إجراء هذا البحث من خلال النظر في التوزيع الجغرافي للأفراد على ضوء علم الوراثة، وخاصة علم الوراثة السكانية، جنباً إلى جنب مع بيانات المفردات الأساسية لِ(103) لغات هندو- أوروپية قديمة ومعاصرة، لِعمل نموذج واضح لإنتشار هذه العائلة اللغوية وإختبار الفرضيتَين المذكورتَين.

وجد الباحثون دعماً حاسِماً لأصل منطقة الأناضول على أصل السهوب. يتطابق كل من التوقيت المُستنتج والموقع الجذري لأشجار اللغات الهندو-أوروپية مع التوسع الزراعي من الأناضول الذي بدأ بين سنة 6000 و سنة 7500 قبل الميلاد. تُسلّط هذه النتائج الضوء على الدور الحاسِم الذي يمكن أن يلعبه إستنتاج الدراسة الجغرافية لتوزيع الأفراد وراثياً في حل الجدال الدائر حول عصور ما قبل التاريخ البشري.

كما أنّ إكتشافات عالِم الآثار الأمريكي الپروفيسور (روبرت جون بريدوود Robert John Braidwood) تتوافق مع نتائج البحث الذي أجراه هؤلاء العلماء، حيث يذكر (بريدوود) بأن الإنتقال من حياة الصيد الى حياة الزراعة حدث في شمال كوردستان في حوالي سنة 6000 – 10000 قبل الميلاد. يضيف بأن الشعب الكوردي كان من أوائل الشعوب التي طوّرت الزراعة والصناعة ومن أوائل الشعوب التي تركت الكهوف لتعيش في منازل بها أدوات منزلية متطورة للإستعمال اليومي وأن الزراعة وتطوير المحاصيل الزراعية قد وجدتا في كوردستان منذ (12) ألف سنة، إنتشرت منها إلى ميزوپوتاميا السفلى، ثم إلى غرب الأناضول ثم إلى الهضبة الإيرانية ثم وصلت منذ ثمانية آلاف سنة إلى شمال أفريقيا ثم أوروبا و الهند. مع إنتشار الزراعة، إنتشرت عائلة اللغات الهندو-أوروپية الى الشعوب التي تتكلم بها اليوم، كما توصّل إليه هؤلاء الباحثون العلميون. يستطرد هذا العالِم الأمريكي بأن الكثير من المحاصيل الزراعية التي نعرفها الآن، كالقمح والذرة والشعير قد إنطلقت من كوردستان. حول الصناعة، يؤكد الپروفيسور المذكور بأن الموقع الآثاري “چيانو” الواقع في شمال كوردستان يمكن أن يُطلق عليه إسم أقدم مدينة صناعية في العالم، حيث يُستخرَج منه النحاس إلى يومنا هذا، كما عُثر فيه على صلصال دُوّن عليه التبادل التجاري. في موقع “چيانو”، عثر عالِم الآثار (روبرت جون بريدوود) وفريقه التنقيبي أيضاً على أقدم قطعة قماش في العالَم والتي تمّت حياكتها في حوالي عام 7000 قبل الميلاد.

نتائج البحث تُفسّر كون أكثر من 50% من الكلمات الإنگليزية مأخوذة من لغة أسلاف الكورد السومريين، الذي أشار إليه العالِم اللغوي البريطاني (Wadell) قبل نشر هذا البحث بِعشرات السنين[2].

بالنسبة الى منطقة الأناضول، أقدم إشارة معروفة لها تمّت بإسم “بلاد الهيتيين” الذين هم أسلاف الكورد، على ألواح مسمارية تعود لِبلاد ما بين النهرين خلال فترة المملكة البابلية (2350 – 2150 قبل الميلاد). أول إسم مُسجّل إستخدمه اليونانيون لِشبه جزيرة الأناضول هو Ἀσία (Asía) ،[3] الذي قد يكون مقتبساً من إسم الكونفيدرالية التي تكوّنت من 22 دولة قديمة في غرب الأناضول والتي كانت بإسم (آسوا Assuwa) قبل سنة 1400 قبل الميلاد.

هذا الإكتشاف هو ثورة كبرى في التاريخ الكوردي ويُظهِر عراقة الشعب الكوردي والدور المحوري الذي لعبه أسلافه في لغات وثقافات شعوب العالَم وكونهم الروّاد الأوائل في إبتكار الزراعة والصناعة وتدجين الحيوانات والكتابة وإنشاء المدنية.

 

المصادر

  1. SCIENCE, VOL 337, 24 AUGUST 2012. pp. 957 – 960.
  2. Wadell, L. Austin. Sumer – Aryan Dictionary, London, 1927.
  3. Henry George Liddell, Robert Scott, ἈσίαA Greek-English Lexicon, on Perseus.

6 Comments on “إنبثقت اللغات الهندو – أوروپية من كوردستان- د. مهدي كاكه يي”

  1. بكل تأكيد ولا يحتاج هذا إلى المراجع والعلماء , يكفي أنهم أكدوا أن النار قد أكتشف في شانيدر كوردستان قبل كل مكان في العالم , وطريقة إضرامه ، ليكون ذلك الدليل القاطع على نتطور اللغة والحضارة السريع من هناك أي بالتجمع حول النار وتبادل الكلام والمعرفة والخبرات فكانت الحضارة الا,ولى من هناك
    لابد أن للبشر كانت أصوات متطورة عن الحيوان ونشأت اللغة قبل ذلك التاريخ وفي كل مكان سكنه البشر لكن القفزة بدأت من كوردستان وسكانها الهندو إيرانيين وهم أقارب الهندو أوربيين

    1. شكراً أستاذ حاجي علو على مشاركتك وإهتمامك وإثرائك للموضوع. كلامك صحيح، إلا أن الدراسات تحتاج الى الإستناد الى مصادر رصينة لتكون لها مصداقية، حيث أنه الى وقتٍ قريب كان علماء اللغة يظنون أنّ (أوكرانيا) كانت موطناً للغات الهندوأوروپية ومنها إنتقلت الى الشعوب الناطقة بهذه اللغات، إلا أنه في السنين الأخيرة أثبتت الأبحاث أن كوردستان هي مصدر تلك اللغات وليست أوكرانيا والدراسة التي اتحدث عنها في هذا المقال، هي من ضمن هذه الدراسات الحديثة. تحياتي وتقديري لك.

    1. العزيز الدكتور (مؤيد عبد الستار) المحترم تحية كوردية وبعد . عزيزي الدكتور حتى لو حضرتك قد ذكرت بعض ما جاء في مقال الكاتب الدكتور كاكه ئي قبل نشر مقاله بعدة سنوات هذا لا يعني أنه اقتبس تلك الجزئية من مقالك الذي وضعت اسم الرابط في أسفل توضيحك أعلاه. أنا محمد مندلاوي كتبت مقالاً عام 2009 بست حلقات تحت عنوان (ولدت الحضارة السومرية من رحم حضارة إيلام الكوردية) وذكرت فيه نفس كلام العالم (روبرت جون بريدوود Robert John Braidwood) بما أني كتبت مقالي المشار إليه أعلاه قبل مقالك بسنتين وقبل مقال الدكتور الكاكه ئي بعقد من الزمن هل هذا يمنحني الحق أن أدعي أنكما اقتبستما الجزئية من مقالي؟ بالطبع لا. بلا شك هناك بعض الملاحظات على مقال الدكتور الكاكا ئي بدءاً من عنوان المقال أرى أنه من الأفضل لو قال كوردستان الوطن الأصلي أو الوطن الأول للغة الهندو أوروبية الأولى، لأن هذه الشعوب تكلمت لغة واحدة ومن ثم انتشرت في أصقاع العالم وتباعدت عن بعضها وهكذا تباعدت لهجاتهم و لغاتهم التي ابتكرو لها مفردات عديدة فيما بعد حتى غدت كما هي اليوم شبه غريبة عن بعضها. ثم، أن كوردستان ليست مهد اللغات الهندو أوروبية فقط بل هي مهد البشرية الثانية أيضاً وذلك بشهادة التوراة والقرآن، بلا شك عندما اختارها الله لنشر الحياة ثانية بعد أن استوت سفينة النبي نوح على إحدى قمم جبالها بعد الطوفان لا شك أنها كانت مهد البشرية الأولى أيضا لذا اختارها الله لتكون مهد البشرية الثانية. تحياتي

  2. شكراً د. مؤيد على إهتمامك بالموضوع. أتابع بإستمرار مقالاتك الرصينة المتعلقة بالتاريخ الكوردي ولغات أسلاف الكورد القدماء وأحتفظ بها في أرشيفي. بالنسبة للمعلومات عن موقع “چيانو” وإكتشافات (روبرت جون بريدوود) المذكورة في هذا المقال، إقتبستُ هذه المعلومات من إحدى مقالاتي المنشورة والمعنونة (كوردستان مهد السُلالات البشرية الأولى)، حيث إعتمدتُ حينذاك فيما يتعلق بالمعلومات عن الآثار المكتشفة في كوردستان، على الدراسة القيّمة للمؤرخ (عثمان يوسفي) الباحث في جامعة طهران والمعنونة (تاريخ كُردستان على ضوء المكتشفات الاثرية)،. تحياتي وتقديري لك.

  3. ربما أوكرانيا بعدها فاللغات الآرية الاوربية تختلف كثيراً عن الهندو إيرانية , سوليكي قدَّم الدليل القاطع أن النار إكتشفت في شانيدر قبل أكثر من 40000 سنة وتكونت مدينة حجرية متحضرة و أكبر تجمع بشري في العصور القديمة جداً , هناك بسبب كثرة الكهوف التي سكنها البشر منذ ذلك الوقت وهناك إنبثقت الثورة الزراعية قبل أي مكان وهذا هو الدليل على سرعة تطور اللغة أيضاً , وعندي المقياس في تقارب اللغات والقوميات هو الأعداد من 1 إلى عشرة ومن عشرة إلى العشرين وهذا يكفي أن نقول الكورد هم فرس وهم أفغان وبعدهم باكستان والهند

Comments are closed.