من طَرائف حَلَب – إبراهيم شتلو

كان أكراد مَنطقة جَبَل الأكراد/ شمال حلب والتي أصبحت تعرف – خطأ نتيجة جهل أو تجاهل – الآن منطقة عفرين – سوريا يمتهنون زراعة الحبوب والكرمة والزيتون وتربية المواشي كما كانَ البَعض منهُم يَصنع الفَحم من أشجارالغابات التي كانت تُغطي مَساحات واسعَة من الجبل حيث كانوا يقومون ببيع فائض منتوجاتهم في مَدينة حلب كأقرب مَركز تجاري كبير لهُم لتصريف مَنتوجاتهم فيها وبالتالي يتزودون بمُستلزماتهم الحياتية واحتياجاتهم الأُخرى

ونتيجة لهذه العَلاقة التجارية والإقتصادية بين أهالي ريف جَبَل الأكراد وسُكّان مدينة حلب، والعَلاقات الإجتماعية التي بُنيت نَتيجة لهذا التّعامل كان الشّخص الكُوردي يَتَمتّع عند أهالي حلب بسُمعَة طَيّبة تَختلط فيها صفات الرُجولة والفُروسية والشّجاعة والكرم والمصداقية المَمزوجة بالبَساطة وطيبة السّريرة.

وكانَ أن خَطَرَعلى بال الكُوردي الذي باعَ حملَ حماره من الفَحم في سوق الفحم – سوق باب جنين -* أن يَنتهز هذه المَرّة فُرصَة وُجوده في حلب لكي يُعطي لنَفسه قسطا من متعَة الحَياة بَعد عَناء العَمَل والسّفر، فَقَصَدَ القَصّاب – اللحام *- في السّوق وإشترى أوقية* من الكَباب المشوي مُع الخبز الحَلَبي وإرتأى الإستمتاع بلذة الكَباب في الحَمّام أولا بَعد أن يغسل جسمه من غبار الفحم وعرق الطريق.

وَبالفعل قَصَدَ الكُوردي إبن الجَبَل أول حَمّام في سوق باب جنين. في الحَمّام خلع ثيابه ولفّ جَسَده بالميزر*المعتاد ثمّ وَلَجَ كَبينة مصطَحبا صُرّة الكَباب المشوي معه وإفترش الأرض بَعدَ أن وَضَعَ صرّة الكَباب بجانبه. وَصَبّ بضع طاسات من الماء الحار على رأسه وجسمه مُستمتعا برائحة الصابون ورغوته التي كانت قد غطت رأسه.

وَبعد شعوره بالرضى من مَجيئه للحمّام وإرتياحه للنّظافة التي بدأت تبث النشوة في جسمه إنتابه الإحساس بالجّوع فتذكّر الكَباب المَشوى ففتح عيناه وَمدّ يده يُريد تناول صرّة الكَباب ولكن هيهات لم يجد أثرا لها!.

 وَبَعد بَحث وفحص وتفتيش في جميع زوايا الكابين الذي كان فيه لم يعثرعلى أثر لصرّة الكباب ولا للكباب

  فَقَطَعَ أمَلَهُ من وجودها في المَكان الذي إستحمّ فيه وقررالبَحث والسّؤال عن الكَباب في سائرأنحاء الحمّام فهبّ من مَكانه يدور ويَسعى ويُلقي النّظر في أرجاء الحمّام وزّواياه وينظر في وجوه الزبائن محاولا الإستفسارمن الحاضرين في الحمام عن كَبابه إلا أنّه وفي تلكَ اللّحظة بالذّات خانَته ذاكرتُه وَلَم يَتمكّن من تذكّر كلمة: كباب

وبينما هو يسير في أنحاء الحمام مدققا أنظاره في أرجائه قررالمناداة على رُوّاد الحمّام لعلّ أحد ما قد وجد كبابه فيردّهُ لَهُ وطال تفكيره إلا أن ذاكرته لم تسعفه فَأمسَكَ بذَكَره بيده اليُسرى وَتَجول في الحَمّام وهو يُنادي بالعربية وَبلَكنة كُردية:

كُردي، كريدانو…غريبو من هالبلدانو…يَللّي شافلي مثل هذا…ليفف بالنانو

……………………………………………………………………………………………………………………....

*من طرائف حلب/ كتبتها بمناسبة إغفال دعوة ممثلي الشعب الكوردي عن محادثات جنيف يناير

كان باب جنين يتألف من مجموعة شوارع وأزقة وسط مدينة حلب ويعتبرمركزا تجاريا لمدينة حلب وريفها وسوقا كبيرا تصطف في أنحائه وعلى أطرافه الخانات والمخازن التي يؤمها المنتجين من الفلاحين والحرفيين ويقصدها التجاروبائغي الجملة والمفرق والمستهلكين من مدينة حلب وضواحيها