قصة قصيرة / الصَّدَقَة !!… بهزاد بامرني 

عام كامل مضى على وفاة الأب، ذلك الحاج الميسور الحال وصديق الفقراء.

ولا يزال إبنه الوحيد يعيش على النقيض من سيرته إن صح التعبير.

فهو لم يكن متحمساً مثل أبيه في التصدق على الفقراء ولا في إيصال الحقوق الشرعية للشيخ و …

إهمال الإبن هذا، ترك أثره السلبي على قلب الأم، فهي قلقة على مصير ابنها، إذ كيف سيواجه ربه يوم القيامة والحالة هذه ؟!!…

قلقها هذا تحول تدريجيا إلى كوابيس مرعبة، كأن ترى إبنها في المنام يستغيث بها وهو يُعذَب في النار و …

لتقرر في خاتمة المطاف مفاتحته بهذا الخصوص، وأن عليه مراجعة نفسه قبل فوات الأوان.

وبدوره، لم يتفاجأ الإبن من موقف الاُم، فهو فعلا لا يكترث لمثل هذه الأمور، إن لم يكن بالضد منها ايضا.

لكنه بالمقابل، طلب منها الإصغاء إليه حتى ينتهي من توضيح موقفه، حيث قال :

اُمي الغالية، صدقيني أنا لست ضد مد يد العون للآخرين كما تظنين، ولا أظن أن هناك إنسانا مُنصفاً لا يتشوق لفعل الخير.

لكن في زماننا هذا، حيث أن من أهم واجبات الدولة ضمان أبسط مقومات الحياة للمواطن، وذلك تحت مظلة الضمان الاجتماعي والصحي و …

فالصدقة والحالة هذه، ليست خيراً ابداً كما تتصورين.

بل هي شر مطلق، وتجسيد للقول : كلمة حق يراد بها باطل.

فهي تضع الرتوش على مكامن الخلل في أداء الحكومة، وتمهد لها الطريق للتّملص من مسؤولياتها تجاه المواطنين.

بل دور الصدقة بالنسبة للفقير، هو تماما دور المواد المخدِرة بالنسبة للمُدمن عليها.

إذ لا تلبث نشوة الصدقة والمُخدّر عليهما أن تزول.

حتى يعود كل منهما إلى واقعه الذي هرب منه، ليعيش نفس المأساة من جديد وهلم جرا.

فقر وعِوَزٌ للفقير لا نهاية ولا حد لهما، وواقع مُرٌّ وقاسٍ للمُدمن لا يعرف الرحمة ولا الهدنة ولو بعض الوقت.

ثم واصل الإبن حديثه قائلا :

نعم، قد تبدو الصدقة في ظاهرها شعورا نبيلاً وقِمُة في الإنسانية، حيث المشاركة في التخفيف عن معاناة الآخرين وآلامهم و …

لكنها في حقيقتها لم تكن أبدا ًحلاُ جذريا لمعاناة الفقير، بقدر ما هي سَحقٌ لعزة نفسه، وتركه وحيداً يُصارع وحشاً مرعباً إسمه قسوة الحياة وغياب العدالة.

الصدقة يا أمي، تشجع على الازدواجية والنفاق، إنها أفيون من نوع خاص.

فبينما يشعر الغني المُتصدق على الفقير بالفخر وإنتظار جني الحسنات، مع عِلمه يقيناً أنه سارق وفاسد، وأنه إنما يهب ما لا يملك.

نرى بالمقابل، تظاهر الفقير بالرضا والتسليم لقدره المحتوم، مع علمه أن حقه ضائع على يد ذلك الذي يتصدق عليه.

فكل منهما يعلم أنه يعيش في مجتمع يفتقر إلى أدنى درجات الصدق مع الذات.

وهكذا، لا بد لكل مَن يعيش في مجتمع الصدقات، أن يمتلك أكثر من قِناع، ليخدع نفسه أولاً، ثم الآخرين.

وهنا، يأتي دور رجل الدين لتجميل صورة الصدقة، وأن الله مع الصابرين.

وذلك بهدف امتصاص غضب الفقير، خشية أن يستعيد وعيه ويُعلن الثورة على أصحاب الثروة والنفوذ، اللذان سرقا منه لقمة عيشه هو وأطفاله.

ولو كان الأمر بيدي، لقطعت نهار الجمعة لِسان كل الخطباء الذين يشجعون الناس على دفع الصدقة.

ولا يجرؤون بالمقابل على نزع الشرعية عن الحكومة التي تستهتر بكرامة المواطن وعزة نفسه، وتتركه لذل السؤال والتسوُّل.

بحسب قناعتي، فإن خطبة الجمعة التي لا تهز عروش صُنّاغ القرار الفاسدين حينما يتطلب الأمر قول الحق.

لا تتعدى كونها ثرثرة ولقلقة لسان، ولا يُعدُ خطيبها سوى مُهرجٍ في ديوان السلطان.

ثم ختم كلامه بالقول :

عزيزي المتصدق، هل سألت نفسك يوماً وأنت تنحني لوضع مبلغ زهيد في يد المتسول الجالس على الأرض :

# مَن قام بتوزيع هذه الأدوار علينا أنا والمتسول، وهل يمكنني أن أجلس مكانه بعض الوقت ؟!!…

# هل من العدل والإنصاف هذا التفاوت الفاحش بين الغني والفقير، بحيث تتجسد الطبقية المقيتة في المجتمع الواحد بأبشع صورها ؟!!…

ثم ختم كلامه بالاعتذار من والدته بتقبيل يديها، طالباً منها أن تسامحه لو كان قد سبب لها بعض الإزعاج.

:::::::::::::::

بهزاد بامرني

٧ / ١١ / ٢٠٢١