قصة قصيرة.  الأب !!… بهزاد بامرني 

[ أنت ضعيف، ومن الآن تنتهي علاقتنا وقصتنا أنا وأنت ].

قالها الشاب الثلاثيني بشيء من العصبية والعتاب لأبيه الستيني المريض، وقام من مكانه للذهاب بلا وداع، وبلا رجعة.

ابتسم الأب، نهض من مكانه بصعوبة وعلى عجل قبل أن يبتعد الإبن عنه باتجاه الباب الخارجي.

حضنه بحرارة وضمّه بقوة إلى صدره المُتعَب، طبع على جبينه الطري قِبلة أبوية، إختصرت حبه الصادق الدائم له منذ لحظة بُكائه عند ولادته وإلى لحظة العتاب والفراق المُرَّةِ هذه.

كما شَكَرَ الأب إبنه من كل قلبه على صراحته هذه، وقال له وسط دهشته واستغرابه :

هذه هي الشهادة الوحيدة التي أعتز وأفتخر بها.

لقد خرجتْ صادقة من صاحب الشأن، وهو أنت يا عزيزي.

نعم، شهادتك هذه يا بني، تعني لِيَ الكثير الكثير.

قراءتي لِوَصفك لي بأنني [ ضَعيفٌ ]، أسعدتني سعادة لا توصف.

فهي تعني بكل صراحة، بأنني لم أكن قاسياً معك أنت وإخوتك أبداً، وهذا كل ما كنت اتمنى سماعه منكم وأنا على قيد الحياة.

فعلاً أنا محظوظ وسعيد جداً لسماع هذه الكلمة، فَلطالما انتظرتها طويلاً.

ثم واصل الأب كلامه مع إبنه قائلا :

الطفل يا ولدي، هو المخلوق الأضعف والأرَقُّ والأجمل والأصدق على وجه الأرض.

الطفل، هو الإنسان الوحيد الذي لا يحتاج إلى أقنعة متعددة مثل الكبار، فهو ببساطة لا يُجيد صنعة النفاق والتملق.

حبه للآخرين، صادق نقيّ شفاف لا تشوبه شائبة المصلحة، بالضبط مثل ماسَة نقيّةٍ لا تشوبها شوائب من الداخل.

هذا المخلوق البريء اللطيف، لا يقسو عليه ويسيئُ معاملته، إلّا وحشٌ بملامح إنسان، مجردٍ من كل المشاعر والأحاسيس.

هذه هي فلسفتي في الحياة حينما يأتي الحديث عن علاقتي بكم يا صغيري.

هل تعلم يا بني، لا يوجد في الحياة شئ أكثر مرارة من القسوة، خصوصاً مع العجز عن الرد والدفاع عن النفس.

وتتضاعف مرارتها حينما تقع على الضعيف، ولا وجود لشيء في هذا العالم اضعف من الطفل.

وأنت يا بني، طفل في عيني أبيك مهما تقدم بك العمر.

فماذا تتوقع مني مع قناعتي هذه، سوى أن أبدو ضعيفاً أمامك.

والحقيقة، فأنا فخور بضعفي هذا، فلعله يمنحني مِسْحَةً من براءة الطفولة.

وبعد توقف قصير عن الكلام من شدة التعب، ختم كلامه بالقول :

كن على ثقة يا ولدي، أن ضعف الوالدين مع أطفالهم، إنما يعكس مدى حبهم لهم.

وما أن أكمل الأب هذه الجملة، حتى فارقت روحه بدنه بين يدي إبنه الشاب.

وعلامات الرضا الجليّة على وجهه بعد موته الهادئ هذا، كانت بنفس حجم علامات الندم والحَيرة التي تعكسها ملامح وجه الابن.

ولكن طبعاً بعد فوات الأوان.

نهاية القصة.

========

بهزاد بامرني

2022-01-26