غائبون أم مُغَيبّون؟ – Ibrehîm Şitlo

 

منذ فتوتي وأنا أطالع بشغف كبير المؤلفات والكتب والمطبوعات التي تبحث في تاريخ الكورد وكوردستان، وأدقق في تفاصيل التاريخ في القرون الوسطى والأحداث التي توالت بعد تقسيم كوردستان بين الإحتلال الصفوي والعثمانيين الغزاة ، وأنبش في زوايا الروايات وأحاول تفسير بهض ما تخفيه السطور ومابينها ولا أدخر جهدا سعيا وراء الكشف عن أسباب فشل أجدادنا لتأسيس دولة كوردية ذات حدود مصانة، وعلم يرمز لحضارتها، ونشيد نردده كل صباح في ساحة المدرسة إستئذانا بيوم مشرق جديد نتمتع فيه بحرية المواطنة بحق في وطننا المستقل المصان الجانب.

وكنت دائما أخرج من قاعة المطالعة في دار الكتب الوطنية في حلب – التي كانت في حينها المنهل شبه الوحيد للأطلاع على الكتب والمؤلفات التاريخية – وأنا مقتضب الجبين محاولا فك اللغز الذي كان دائما بوم الخراب وطالع الشر وحماقة الفشل لجميع محاولات بعض أجداد جدوننا لإعلان إستقلال كوردستان.

وحتى محاولاتي لوأد شعورالعتب على أجدادنا الذين كان البعض منهم عثرة أمام الأخرين لمن كانوا تواقين لتحرير الإنسان الكوردي من التبعية لأجنبي والإنصياع لطاعة الدولة الطاغية التي تقتل فينا إرادة التحرر من طغيانها كانت، ولأنه إستعصي علي إيجاد تفسير لإمتداد الفشل الذي توالى قرنا بعد الأخر تسببت لي ضمنيا ولبعض الوقت نوعا من إنفصام الشخصية.

فمن جانب مبدئي كان علي أن أقضي على مشاعر اليأس التي كانت تعتريني أحيانا من ناحية وضرورة توعية زملائي في المدرسة وذوي القربي في القرية وفي المجتمع من جهة أخرى ومع الصراع بين اليأس والطموح العنيد للإستمرارفي النضال الذي كان يأتي ويتجدد بفعل الأمل الذي كانت تنعشه ومضات التحدي الجبارهنا وهناك في جميع أنحاء كوردستان.

كانت نشرات المنظمات الكوردستانية، ومذكرات ونداءات سفرائنا في أوربا المناضلون السادة نور الدين زازا و عصمت شريف وانلي والأمير كاميران بدرخان كافية لوأد اليأس وطاقة لبث روح الإستمرار في توعية الشعب وتصليب روح الثقة برجال مناضلين جبابرة كبارفي شمال وجنوب وشرق وغرب الإستمرارفي تحدي قوانين الحظر ورفض ممارسات التتريك والفرسنة والتعريب.

ولكن يبقى العتب على أجدادنا الذين تغافلوا منذ البداية عن تمثيل أنفسهم وتناسواعن هويتهم وانسلخواعن جلدهم بل وفوتوا الفرض التاريخية لإعلان إستقلال وطنهم بل قدموا أنفسهم وشعبهم ممرا وجسرا لعبور الآخرين بل الوافدين الغزاة إلى تراب وطننا والإستيلاء على ثروات بلادنا وطمروا حق شعبهم في غياهب الضياع ودفعوا به إلى الذوبان في بوتقة الطورانية والفارسية والعروبة.

ومن أحدث تلك المفارقات التي أدت بنا إلى المعاناة شبه الدائمة من الخضوع للغيرهو أننا وبأنفسنا نتهاون بحقوقنا عندما يتعلق الأمر بمصيرنا كأمة لها لغتها وأرضها وتاريخها نستكين للإرادة الأخرين

ومن المؤلم أن نكتشف تكرار هذا التهاون في معظم مراحل التاريخ ولا أكون متشائما أذا إدعيت أن هذا  التهاون تكرر في القرن العشرين بحدة الأمر الذي آل بنا إلى هذه الحالة المأساوية التي أحداثها الآن في معظم أرجاء وطننا المحتل والمقسم.

ومن الأمثلة القريبة هو الإعلان عن تأسيس الدولة: الجكهورية السورية.

ونسير وارء نص ومواد دستور سوريا بعد إعلان إستقلال سوريا عن فرنسا والصادر في سنة 1950.

هذا الدستور الذي جاء بعد إعلان إستقلال سوريا وكان هذا الإستقلال ثمرة الثورة التي قادها الكوردي من عشيرة رشفان – إبراهيم هنانو وشارك فيها الآلاف من الكورد في حارم و سلقين وجبل الكورد  ودمشق و حماه والجزيرة والذي جاء ليقول – دستور الجمهورية السورية – في مقدمته وبالحرف الواحد:

الدستور السوري مؤرخ في 5 أيلول 1950

ومنشور في العدد 45 الصادر في 7 أيلول 1950 من الجريدة الرسمية

مقدمة الدستور

نحن ممثلي الشعب السوري العربي،المجتمعين في جمعية تأسيسية بإراد الله ورغبة الشعب الحرة، نعلن أننا وضعنا هذا الدستور لتحقيق الأهداف المقدسة التالية:

…………..

ونعلن أن شعبنا الذي هو جزء من الأمة العربية، بتاريخه و حاضره و مستقبله، يتطلع إلى اليوم الذي تجتمع فيه أمتنا العربية في دولة واحدة، و سيعمل جاهدا على تحقيق هذه الأمنية المقدسة في ظل الإستقلال والحرية.

ونعلن أن هذه المقدمة جزء لا يتجزأ من هذا الدستور، وضعت لتذكر المواطنين بالمبادئ التي قام عليها قانونهم الأساسي.

وإننا، نحن ممثلي الشعب السوري العربي، لنضرع إلى الله العلي القدير أن يحفظ أمتنا وشعبنا ويقيهما من كل مكروه، ويسدد خطانا حتى نحقق مثلنا العليا، ونعيد بناء المجد التليد الذي شاده أسلافنا العظام ونرسم لأبنائنا طريق السؤدد والعز.

الفصل الأول

في الجمهورية السورية

المادة الأولى

  • سورية جمهورية عربية ديمقراطية نيابية ذات سيادة تامة.
  • وهي وحدة سياسية لاتتجزأ ولا يحوز التخلي عن جزء من أراضيها.
  • 3- والشعب السوري جزء من الأمة العربية.

 

المادة الرابعة

اللغة العربية هي اللغة الرسمية

المادة السادسة والستون بعد الماءة

يعتبر هذا الدستور نافذا من حين إقراره، وينشره رئيس الجمعية التأسيسية.

دمشق في 23 ذو العقدة 1369 و 5 أيلول 1950

رئيس الجمعية التأسيسية

رشدي الكيخيا

وكان يرأس الحكومة آنذاك السيد ناظم القدسي – من مدينة حلب -.

وكان الكوردي السيد فوزي سلو – من حماه – وزيرا للدفاع حيث إستلم هذه الحقيبة الوزارية في عام 1949 ورافق تفاصيل صياغة الدستورالسوري المذكورأعلاه.

ولنا الحق نحن الجيل اللاحق لكي نتساءل لماذا لم يلعب الإنتماء القومي للشخصيات الكوردية التي قادت الثورة ضد الوجود الفرنسي وحملت السلاح لطرده ورفعت شعارالإستقلال وقدمت المئات من الشهداء في مقاومة الوجود الأجنبي وكانت على رأس القوى السورية الفاعلة التي لعبت دورا محوريا لإنهاء الإنتداب والجلاء عن سوريا وإعلان الإستقلال وتأسيس الدولة وتولت بعدها مناصب هامة بل وزارات أساسية وعلى سبيل المثال:

في شهر أيار من سنة 1949 كان السيد حسني الزعيم – برازي من كورد حماه – يشغل منصب رئيس لمجلس الوزراء و حقيبة وزارتي الداخلية والدفاع الوطني.

وكل من الكورد السادة:

نوري إيبش – من كورد دمشق – وزيرا للزراعة

خليل حردم بك – من كورد دمشق – وزيرا للصحة والإسعاف العام.

في عام 1951 كان كل من السادة:

رشاد برمدا – من كورد حارم – وزيرا للداخلية والماليا معا.

علي بوظو – من كورد دمشق – وزيرا للزراعة

عبد الباقي نظام الدين – من كورد الجزيرة – وزيرا للمعارف

في كانون الثاني من عام 1952 إستلم الزعيم فوزي سلو – من كورد حماه – منصب رئيس الدولة و رئيس مجلس الوزراء.

في حين كانت مشاعر الإنتماء العربي القومي عند الشخصيات ذات الإنتماءات العربية تجعلهم تقصد باريس و لندن تفاوض فرنسا وبريطانيا العظمى وتبرم معها إتفاقيات ومعاهدات وتفاهمات وتوافقات وترسم الخطوط العريضة لتأسيس الدولة السورية على أساس قومي عربي كان رجالات الكورد يعادون الفرنسيين والإنكليز بل وكأنهم كانوا يمثلون القوى التحررية الوطنية لسوريا بل الذين ضحوا بكل غال ونفيس وكانوا محور النضال الذي تحقق بفضل دورهم الكبيرالجلاء ونيل الإستقلال أصبح معظمهم بعد إنهاء الإنتداب الفرنسي يساهموا في هيئات الدولة السورية الجديدة مشاركين غافلين بل مصفقين ومباركين أسس قيام هذه الدولة على أساس قومي عربي وكون اللغة العربية هي اللغة الرسمية وبدون أن يأتي ذكر للوجود الكوردي أو إشارة بشكل مباشر أو غير مباشر في محاضر جلسات الهيئة التأسيسية للدستور أو قرارات مجلس الوزراء أو مداولات المجلس النيابي في دمشق؟.

واليوم ونتيجة لغياب مشاعر الوعي القومي لدى الكورد نجد أنفسنا نقارع العنصريين الناكرين ونقاوم التذويب القسري والتغيير الديمغرافي ونتوسلهم فقط وهم يسفكون دماء بناتنا وأبنائنا ليتذكروا فضلهم أو على الأقل وقوفنا إلى جانبهم في الضراء ليوافقوا أن يعترفوا بأننا كوردا أصلاء لنا حق الحياة بكرامة وعلى الأقل كشركاء في الوطن الذي دافعنا عن كيانه وحرية قاطنيه وأنهم مدينون لنا بفضلنا عليهم ليمارسوا عبادتهم في جوامعهم،وأن يطلقوا على بعضهم أسماء مثل:محمد و أحمد و محمود و علي …..بل وأن يتكلموا بلغتهم العربية ويتفاخروا بلغة الضاد بل وليصارحوا بأصولهم العربية!

وقد تكون كل هذه المعاناة التي نحن عليها اليوم نتيجة لغياب وعي أجدادنا عن التمسك بحقنا كشعب أسوة بالشعوب الأخرى هذه الشعوب التي جاءت لتجاورنا ثم لتتعمد إبتلاعنا بواسطة السلطة التي تنازل أجدادنا لهم عنها في غفوة و قد تكون تلك الغفوة  نتيجة للثراء الأخلاقي الذي نتميز بها عنهم.

عاش الشعب الكوردي، وكل عام وأمتنا الكوردية بألف خير.

Ibrehîm Şitlo

Kurdish&Islamic Studies Association

April20th 2023

 

2 Comments on “غائبون أم مُغَيبّون؟ – Ibrehîm Şitlo”

  1. إلى السيدات والسادة القراء الأكارم،
    تحية و احتراما، وبعد.
    أود أن أعبر عن أسفى لوجود بعض الأخطاء المطبعية أو بالأحرى الإملائية في مقالتي أعلاه وكتاباتي السابقة وحتى المستقبلية لأنني لا أستطيع أن أتخلى عن عادة غير صحية وهي أنني أكتب وقلما أقوم بوضع مسودة أو تصحيح دقيق لما أكتبه. إذ أسرد أفكاري وماتمليه علي شحنات الرغبة في التعبير عما يجول للتو في خاطري أو تمليه علي ذاكرتي بين الفترة والأخرى.
    راجيا قبول المعذرة.
    الكاتب

  2. مقال ثمين ما ذكرته عين الحقيقة والصواب ومربط الفرس والعلة والسبب فى حرمان الكورد من نعمة الحرية والاستقلال اجدادنا فوتوا الفرص وجرفهم تيارات التعريب والتفريس والتتريك والتقسيم والتشظى والخلافات والصراعات الداخلية ولا زلنا نعانى من نفس المشكلة دون استخلاص العبر والدروس من الماضى المرير بارك الله بك استاذنا الجليل وكثر الله من امثالك الشرفاء والمخلصين

Comments are closed.