سوريا عملياً تحت التقسيم :- كامل سلمان

سوريا اليوم تدخل المشرحة ، لا مجال للتعايش السلمي بين العلويين والسنة والكورد في سوريا ، وهذا يعني حان وقت التقسيم ولا وجود لدولة سوريا الموحدة بعد اليوم ، دولة علوية ودولة سنية ودولة كوردية صغيرة منتدبة تحت رعاية الامم المتحدة . هذه الصفقة التي كما يبدو بموافقة الدول العربية الشرق اوسطية وروسيا وإسرائيل ولا رأي فيها للعراق وإيران .
دولة عربية سنية لوكسمبورغية الترتيب تحت رعاية تركية وهذه الدولة سترضي الشهوة التركية التي استمرت مائة عام بعد الحيف التي شعرت بها تركيا في اتفاقية سيكس بيكو ، فهو تعويض مغري ويساوي صبر تركيا الطويل ، ومقابل ذلك غض تركيا النظر عن نشوء اول كيان كوردي حقيقي تحت رعاية الامم المتحدة مقابل بعض الشروط التركية ، يقابله خروج روسي من المنطقة ، ولا نعرف بالضبط ماذا ستحصل روسيا مقابل هذه الصفقة ، هل ستكون الجمهوريات المحتلة من اراضي اوكرانيا هي الثمن ، او دول افريقية هي الثمن ، هذا المشروع على ما يبدو سينال مباركة اردنية مصرية سعودية خليجية بقوة ، وهذا المشروع هو بداية النهاية لأسقاط وتقسيم إيران التي ستكون على مراحل ، روسيا لها الاستعداد في التخلي عن إيران نهائياً فيما لو حصلت على الأمان وبعض الامتيازات حتى ولو كانت شكلية . نظام بشار الاسد سيسقط وسيحاكم هو ورموزه وسيتم اعدامه بتهمة جرائم الحرب ، لكن كل ذلك يحدث بعد التقسيم ، بالضبط مثلما تمت محاكمة رؤوس الدولة الصربية بعد تقسيم يوغسلافيا .
القضية فيها كسب كبير لإسرائيل وكسب كبير لتركيا والمعارضة السورية والاردن والخط المعارض لإيران ، ولكن يبقى الرابح الأكبر هم الكورد ، على أعتبار علامات بزوغ الحلم الكوردي أصبح قاب قوسين او ادنى ، وأما الخاسر الاكبر نظام بشار الاسد ، لذلك من المتوقع ان إيران ستفتعل بعض القلاقل وداعش جديد او اجتياح لبعض اراضي كوردستان او محاولة احتلال دولة خليجية ، وقد حسبت امريكا حسابها ، لهذا السبب وضعت حاملات الطائرات قبالة الاراضي الإيرانية ، وكأن أمريكا تقول لإيران أما القبول بتجرع السم مع بعض المغريات أو الانتحار .
ان فكرة محاربة إيران او اسقاط النظام الإيراني لابد وأن تسبقها تحضيرات مهمة وطويلة الامد ، منها ضمانة عدم تعرض إسرائيل لهجمات إنتقامية من قبل إيران من عدة محاور ، ومنها ضرورة إشراك الدول الشرق اوسطية في محاربة إيران ، وكما هو معروف في السياسة لا توجد دولة تؤيد وتساند دولة اخرى في أية حروب مالم تضمن مكاسب سياسية واقتصادية وأمنية لصالح بلدانها مثلما فعلت دول التحالف الغربي والدول العربية في اسقاط نظام صدام حسين .
القوات الامريكية في سوريا لا تكفي من حيث العدد لإسقاط نظام بشار الاسد بل أن هذه القوات ستأخذ دور المساند العازل لأية مساعدات تأتي لهذا النظام ، وأن الذي سيسقط النظام السوري هو الشعب السوري بكورده وعربه وبدعم عسكري كبير من قبل الجيش التركي والجيش الاردني ، أي من الجنوب ومن الشمال ومن الشرق وستتولى إسرائيل من خلال القوة الجوية بقطع الطرق الغربية الممتدة الى بيروت وساحل البحر المتوسط . هذا السيناريو أصبح واضحاً جداً ، المليشيات في العراق ستظهر نعومة وميوعة كبيرة لأمريكا حفاظاً على وجودها ، وهي شبه مقتنعة بأنه قد حان الوقت لتحتمي بعباءة الدولة العراقية وأن إيران ورقة خاسرة ، وهذا ما سيفعله حزب الله في لبنان كذلك ، اذا عليهم ان يفرزوا أنفسهم من هذا القارب الغارق . وستكون سلوكياتهم أقرب الى الدولة واكثر براغماتياً ، ولا أظن على المدى القريب هناك أية فكرة لأسقاط النظام الحاكم في العراق ، ولكن من الممكن ان تشهد المرحلة المقبلة مشاركة كوردية سنية واسعة في الحكومة المقبلة مقابل تراجع شيعي واضح ، بمعنى التعددية تأخذ حصتها الواقعية . هذه النظرة المختصرة لما يحدث في منطقة الشرق الاوسط هو تخطيط لعبت فيها تركيا الدور الاكبر بعد ان اتهمت إيران وعلى لسان اردوغان ( بأن إيران ذهبت بالعراق بشكل أكثر من حجمها ) وما سببتها الطموحات الإيرانية في بناء إمبراطورية إيرانية في وسط عالم تحكمه قوى عظمى لا تقبل بأي شريك لها ، وهذا الكلام من أردوغان كبير جداً وله تفسير عميق ، وللأسف لطالما كانت دول الشرق الاوسط جميعها بلا استثناء غير واقعية تعمل بالشعارات والعواطف ، فجعلت الشعوب تدفع ثمن عنترياتها الى أن اسقطتها في الحضيض ، ( تحرير فلسطين ، امة عربية ، مقاومة ، ممانعة ، جهاد ، الشهادة ، ) وغيرها من هذه المفردات التي لم تجلب لنا غير الشر والهزيمة . فهل سيتغير خطاب اهل الدار أم أن حليمة لا تفهم غير عادتها القديمة ؟
رب سائل يسأل ماهو الدليل على كل ما تفضلت به ؟ سيكون الجواب كالتالي ، الاخبار المتداولة التي انتشرت قبل اسابيع عن ترحيل السوريين وهم بالملايين في تركيا ولبنان والعراق والاردن ، الخبر تم تطبيقه عملياً في تركيا ، ترحيلهم الى أين ؟ إذا لم يكن هناك وطن يستوعبهم . فهذه الدول ستتخلص من هذا العبء الثقيل وهو وجود اللاجئين السوريين في أراضيها ، ، أما الكيان الكوردي سيحتاج الى قوة تحميه ، هنا سيصبح كل من حزب العمال الكوردستاني المعارض لتركيا والديمقراطي الكوردستاني المعارض لإيران بالاضافة الى قسد ، هم نواة الجيش الذي سيحمي هذا الكيان الجديد ، بذلك سترتاح كل من تركيا وإيران من هموم المعارضة الكوردية المسلحة ، فتكون إيران قد حصلت على مكسبين مقابل خسارتها الكبيرة ، الاول التخلص من اكبر معارضة مسلحة والثاني اطلاق سراح سبعة مليارات دولار من الاموال المحتجزة ، ومكسب ثالث خفي هو ابعاد فكرة اسقاط النظام الإيراني في الوقت الراهن ، بذلك تكون إيران راضية على استحياء لما يجري ، وحتى الفصائل العراقية المسلحة ستأمن على نفسها من التدمير وحصولها على فرصة الانزواء تحت راية الدولة . وأما تركيا ستكون جداً سعيدة بالتخلص من المعارضة الكوردية المسلحة التي ستفتح الباب لحكم ذاتي للكورد في تركيا بشكل سلمي وقد يكون ذلك طوق نجاة لأردوغان في الحصول على انضمام تركيا للإتحاد الاوربي . يبدو أن الاحداث مترابطة وسيكون الجميع سعداء بنسب متفاوتة .
كل الرابحين سيصبحون حلفاء لأمريكا وأصدقاء لإسرائيل .
كل الظروف الدولية مهيأة لمثل هذا السيناريو ، أحدث انواع الاسلحة الامريكية وأقوى وحداتها القتالية حضرت الى الشرق الاوسط . فهل هذه دعابة ؟