الديمقراطية حكم الأقلية !- كامل سلمان

المعروف عن الديمقراطية هي حكم الأغلبية ، لكن الحقيقة الديمقراطية هي حكم الأقلية ، صحيح أن المرشح الإنتخابي نجاحه يعتمد على اصوات الأغلبية ، لكننا دائماً نرى هذا المرشح هو أساساً من الأقلية ، والمقصود بالأقلية هنا هي الأقلية المجتمعية والتي تقود المجتمع من رجال أعمال وأكاديميين وسياسين وغيرهم . الفائز هو من الأقلية المجتمعية التي تستطيع إقناع الأغلبية الناخبة . . . في كل ديمقراطيات العالم المرشح من الأقلية ، لأن الأغلبية عليها ان تنتخب مرشح من الأقلية ، فالأغلبية أداة لتنفيذ رغبات الأقلية . الأغلبية هي الطبقات غير المتعلمة ، هي الطبقات المسحوقة ، هي الطبقات التي يمكن خداعها عن طريق الوعود والعواطف من خلال الوسائل الإعلامية التابعة للأقلية . رجال المال والإعلام والعلماء والمثقفين والاكاديمين والسياسين والوجهاء هم الأقلية ، وبالنتيجة هم من يقودون الدولة ، فهي خدعة بأن الديمقراطية حكم الأغلبية ، هذه حقيقة الديمقراطية .
لكن الفرق بين ديمقراطية الدول المتقدمة وديمقراطية الدول المتخلفة ، ديمقراطية الدول المتقدمة مرشحيها من الطبقات الأجتماعية المميزة التي يهمها سمعة البلد ومستقبل البلد ، لذا فان المرشح الإنتخابي في الدول المتقدمة يلتزم بالوعود التي يوعد بها الأغلبية وينزل عند رغباتهم بعد الفوز الانتخابي أما في الدول المتخلفة فان مرشحيها من طبقة الأقلية الثالثة ، والمقصود بطبقة الأقلية الثالثة هم طبقة اللصوص والمجرمين والعملاء والدجالين والمرشح الإنتخابي الفائز من هؤلاء يبقى يعطي الوعود حتى نهاية حكمه ويبرر تنصله عن تنفيذ الوعود بأن أعداءه عرقلوا عمله او يتهم جهة خفية بنظرية المؤامرة ، ثم يبدأ حملة انتخابية جديدة بنفس الوعود وكذلك يقنع الناخبين من جديد بوعوده الفارغة ويستمر الحال وتبقى الدولة تعيش الفساد لأن من يستطيع إقناع الأغلبية بآرائه هو المتحايل السليط اللسان المخادع الذي يعرف من أين تؤكل الشاة فهو ذئب بلباس آدمي . فكلما كان المجتمع اكثر تخلفاً كلما كان المرشح الناجح هو الأكثر سوءاً وأكثر حيلة ، وهذه تجربة عاشتها المجتمعات المتخلفة في معظم بقاع الأرض . لذلك لا نستغرب أن الدول التي تعيش التخلف ومارست نظام الحكم الديمقراطي أصبح وضعها أكثر سوءاً ، وتزداد درجة السوء عندما يحشر الدين ورجال الدين في هذه الممارسة الإنتخابية . من طبيعة الأغلبية في كل مجتمعات الدنيا إنها تنظر للأقوال ولا تنظر للأفعال ، تتأثر بقوة الإلقاء والخطب الرنانة ، وشخصية المتحدث ، وأحياناً دموعه ، ولنا في المثل الهندي تعريف لعقلية الأغلبية ، يقول المثل ( إذا أشار الحكيم بإصبعه إلى القمر فإن السذج من الناس ينظرون للأصبع ) هؤلاء هم الأغلبية ينظرون للأصبع ويتمعنون بالأصبع ويظهرون التفاسير والتأويلات والإعجاب بشكل الأصبع لأن القمر بعيد عن مداركهم . أما المرشح النزيه الذي لا يجيد لغة الخداع فيبقى في الظل ملوماً محسورا . للأسف فأن الشعوب تقاتل من أجل إقامة نظام الحكم الديمقراطي ولكنها بالنتيجة أول من تدفع ثمن تضحياتها ، فلو تمعنا قليلاً بالأنظمة الديمقراطية عند المجتمعات المتخلفة سنلاحظ بوضوح مستوى الفساد والمحسوبية والظلم والتخلف . فما هو الحل بالنسبة للدول النائمة التي ابتلت بالديمقراطية كما ابتلت من قبل بالدكتاتورية ؟ هل الحل يكمن بالعودة إلى نظام الحكم الدكتاتوري أو نظام الحكم العسكرتاري أو نظام الحكم الملكي أو البقاء في ظل الديمقراطية الفاسدة ؟ يبدو أن أفضل الحلول أكثرها مرارة . ويبدو أن القدر قد حكم على الدول المتخلفة أن تبقى رهينة التخلف والفساد ولا سبيل للخلاص لأن الديمقراطين الفاسدين يعرفون بأن الناس سيدركون الحقيقة يوماً ما وسيمتعضون من حيل الفاسدين لذلك يسعى الفاسدون إلى بناء أجهزة امنية عنيفة وتشريع قوانين لملاحقة ما يسمونهم بالمخربين الذين يعملون على إجهاض ديمقراطيتهم الفاسدة . وجوه الفاسدين تتكرر في كل إنتخابات فيصبحون كابوساً جاثماً على صدر المجتمع ، يمتلكون القوة والجيوش والمال والإعلام .
خيط الأمل الوحيد المتبقي عند الشرفاء المخلصين لمجتمعاتهم للتخلص من هذه الكوابيس هو إستغلال الفسحة الضيقة من الحرية في ظل النظام الديمقراطي الفاسد والتحرك لإيصال الوعي إلى الناس وإقناع الناس بأرائهم والتركيز على ثلاثة شرائح إجتماعية مهمة لها تأثير كبير على باقي شرائح المجتمع ، وهذه الشرائح الثلاثة هم الفنانين والرياضين والطلبة وخاصة طلبة المعاهد والجامعات ، هذه الشرائح الثلاثة قريبة جداً من جيل الشباب وهي الشرائح التي تتقبل التوعية وتتقبل الحقائق أكثر من غيرها وهي على تواصل مع باقي شرائح المجتمع وقادرة على تغيير المعادلات على الأرض ، فعلى كل مثقف محاولة الوصول إلى عقول هؤلاء ومحاولة إيصال الحقائق وتذكيرهم بمسؤوليتهم داخل المجتمع ، وخيط الأمل هذا طويل ومعقد ، ولكن علينا أن نتذكر دائماً بأن المجتمعات الراقية غيرتها أصحاب الثقافات والعقول الراقية ، فلا مجتمع راقي بدون عقول ثقافية راقية ، لأن هؤلاء الفاسدين لا يمكن هزيمتهم بالقوة وبالعمل الثوري ولكن يمكن هزيمتهم بالثقافة والوعي .