سئِمْتُ الغُربَةَ – شيرزاد زين العابدين

 

 

سئِمْتُ الغُربَةَ وما فيها مِن إغراءِ

وحَنينٌ موحِشٌ يُمَزِّقُ أحشائي

ما خُلِقتُ لِغَيرِ حُبِكَ يا وطني

يا بَسْمَةً سحريةً في ثَغرِ حَسناءِ

مالي أَراكُم تَنعَمونَ بالغُربَةِ هكذا

وَأَنا مِنَ الوجدِ أُلَملِمُ أَشلائي

فَإنْ غُمِض ليَ جَفنٌ ، نادني متين

فَأَرتَعِشُ مِن نَسيمِ القِمم الشَمّآءِ

وَإنْ غَفَوتُ ، فَلا أرى غيرَ محياك

مَرسوماً بِذاكِرَتي كالعَقيقِ الألآءِ

وَنؤيا في قعرِ نهنهكَ ، كالدُرَرِ

وَماءُ كاني مارانَ ،أحلى مِنَ الصهباءِ

عَشِقْتُ في ربيعكَ زمْجَرَةَ الرعودِ

وفي ليالي صيفكِ ، زَرْقَةَ الْسمآءِ

فَتَنْفَجِرُ الينابيعَ كالبراكينِ

مُنذِراً بِمَوسِمٍ وفيرٍ وَمِعطاءِ

وقلبي مُتَيَّمٌ بِحُبِكَ يا وَطَني

فَلَم تَسلبني مِنكَ مدينةُ الأضواءِ

وكلُ نَفيسٍ في سَبيلِكَ يهون

وتبقى أَنتَ حُبي حَياتي وَرَجائي

يا مَطلَعَ الفَجرِ والتأريخِ والحِكَمِ

يا مَنْبَعَ الفكرِ والجودِ والعطاءِ

يا مهدَ البَشَريةِ دونَ مُنازِعٍ

وَأسمُكِ غَنيٌّ عَنِ المَدحِ وَالإطراءِ

يا منبع الرافدينِ بِأبهى صورَةٍ

يا قَلباً مَزَّقَتهُ مَخالِبُ الأعداءِ

يا مبعَثَ أَمَلي سروري وبَقائي

يا منبع حُزني ألَمي وَشَقائي

أسمي مَحفورٌ عَلى جذعِ الكستناءِ

وَأَسمَعتُ آهاتي لأ حجاركِ الصمّاءِ

 

أَفدَيتك بِكُلِ ما أَمْلُكُ في الضرّاءِ

وَلَنْ أَكونَ دونَ ذلِك في السرّاءِ

 

فَإذا ماتَجَرّأَ بِأَرضنا كائنٌ

سَنُهلِكُهم بِالزوابِعِ ، وَالحصباءِ

 

لًقًد وَلَدَتنا أُمّهاتُنا أَحراراً

وَالحُرُ لا يستَكينُ لِلغَدرِ الشعواءِ

 

سَيعودُ نَوروز وَإن طالَ الزَمَنُ

وَ صَيحةُ كاوة سَتُسمَعُ في الجَوزاءِ

 

فَلا قَرَّتْ أَعيُنَنا بِغَيرِ أَرضكِ

ولا نُبَدِلَ ربوعَنا بِالْغَلواءِ

 

فَلا يدوم كُلَ يُسرٍ إلى الأَبَدِ

وَلا بُدَّ لِكُلِ عُسرٍ إلى إنقِضاءِ

 

(وَما ضاعَ حَقٌ وَراءَه مُطالِبٌ)

وَما الإستِقلالُ مِن خَيالِ الْشُعَراءِ

 

فَأمّا أنْ أَموتَ دونَكَ يا وَطَني

أَو أَرى رايتُكَ تُرَفرِفُ في العَلياءِ٠َ

شيرزاد زين العابدين

فرنساـ٢٠٠٩