دراسات، آراء، وخطوات نحو (أنسنة المدن) – خديجة مسعود كتاني

 

مقدمة تأريخية

النزعة الإنسانية وتطورها

مفهوم ورؤية النزعة الإنسانية ظهرت بداية في أوربا، غاية للتعرف على تراث الأمم القديمة، مجتمعاتها، فلسفتها، فنونها وآدابها، وكانت في غاية الأهمية بالنسبة للتراث الروماني واليوناني، التي ظهرت في القرن (الرابع عشر) الفترة التي إزدهرفيها التنقيب عن الآثار، المخطوطات في الكنائس والاديرة القديمة٠ تأثرالفكرالغربي في مرحلة القرن الرابع عشر، الخامس عشر، السادس والسابع عشر بالتراث القديم، وأصبح له توقية عظيمة إكتسبت (الانسنة)، النزعة الإنسانية، المقصود بها الاهتمام بالانسانيات مصطلح أطلق على هذه الانواع من المعارف والعلوم في (مدينة فلورنسا الإيطالية )٠الأسبق والأوائل الذين دعوا للانسانيات والاهتمام بالتراث والاثار القديمة وتحقيق النصوص هو الفنان الإيطالي (بترارك) الذي توفي ١٣٧٤م، ومن المفكرين في النزعة الإنسانية هو اللاهوتي والمترجم الهولندي (ايراسموس) الذي ترجم الكتاب (المقدس) والمعروف عنه اتقانه اللاتينية لذا إهتم بأحياء (التراث القديم) وإنتج رؤية جديدة مختلفة مع هذا التراث٠

متى ظهر مصطلح الإنسانية أساسا ؟ (النزعة الإنسانية) ولدت مبكرا لكن المصطلح ولد متأخرا ذلك في القرن التاسع عشر ١٨٠٦م وهذا ما أكد عليه (لالان) في موسوعته الفلسفية وأول من استخدمه أحد المفكرين الالمان وكان يريد به النظام التربوي التقليدي لتكوين الشخصية الكلية والإنسانية بواسطة الانسانيات، العلوم، الاداب، الفلسفة٠ وصف (لالان)

الإنسانية بأنها حركة يمثلها إنسانيو النهضة لرفع كرامة الفكر البشري وجعله ذو قيمة بربط الثقافة القديمة بالثقافة الجديدة بما يتعدى العصر الوسيط والعصر الذي ظهر فيه المدرسة٠ ويظيف عن الانسانوية هو ليس الانسان الذي يعرف التراث، بل المنبهر به والذي تبنى نموذجه، ورؤيته حركته، لغته الروحية٠ كما كان الإنسانيون القدماء يحيون الرؤية القديمة للعالم، فالانسانيون الجدد اصبح لهم رؤية مختلفة للعالم تقوم على مركزية الانسان٠

أنسنة المدن : في رفع جودة الحياة

عندما نسافر لبعض المدن حول العالم، نعيش على الأكثر تجربة مميزة أثناء تنقلنا في أرجاءها وممارسة بعض الأنشطة٠ نلتمسها في تخطيط المدن، الاشكال الهندسية التصاميم المسطحات الخضراء المفعمة بالحياة وألوانها، في المؤهلات المتنوعة سواء الممشى، الجسور ، الطرق والممرات ونلجأ الى أوجه المقارنة بين مدينتنا وهذه المدن وقد نسأل أنفسنا لماذا لاتكون المناظر حولنا جاذبة، لنستمتع ببصرنا وبيئتنا التي لاتقل أهمية وأصالة٠

وهل يمكن الوصول الى مانراه ونطبق هذه التجارب الرائدة ؟ نعم يجب أن نؤمن بقدراتنا وإمكانياتنا وتنوع بيئاتنا وكل هذا يصب في (أنسنة المدن) Humanizing Cities

يرجع تخطيط المدن الى (٦٠٠٠) سنة منذ العصور الاشورية، السومرية والبابلية٠ تطورت فيما بعد مع تطور الإنسانية والتكنولوجيا، وأصبح التخطيط الحضري الجديد من الضرورات بعد أن طغت استخدام السيارات ولفت هذا نظر المختصين بعد الاربعينيات، كون المقررات تخدم السيارات أكثر من الانسان٠حينها رأى الانسان العودة الى الانسنة، هكذا خرجوا بهذا المصطلح ٠

من الأمثلة التي تحاكي الانسنة، حول مدينة روتردام الهولندية، عندما تعرضت للقصف بالكامل من قبل القوات النازية أبان الحرب العالمية الثانية٠ وعند إعادة بناء المدينة من قبل الولايات المتحدة الامريكية، الذي  قرر استخدام (خطة مارشال) لمساعدة دول أوربا للتعافي من الدمار الذي خلفته الحرب٠ وكشف عنها وزير الخزانة الأمريكي (جورج مارشال) أثناء خطابه في جامعة هارفرد عام ١٩٤٧وتم تحرير الخطة من قبل الكونگرس الأمريكي تحت مسمى (برامج التعافي الاوربية) وحصل  مارشال على جائزة نوبل للسلام ١٩٥٣ تقديرا لجهوده في هذه الخطة ٠

لكن عام (١٩٧٠) رأى سكان روتردام في هذا التخطيط أن ٦٠٠٠٠ من الكوادر العاملة تأتي من الضواحي يوميا ذهابا وإيابا وهذا تسبب في كثرة استخدام السيارات لبعد مسافة الضواحي عن المركز وخلف التزاحم، الضوضاء، التلوث، تداعيات صحية، عزلة إجتماعية، تداعيات السلامة العامة من حوادث الطرق، تشوهات بصرية أثرت في جمالية المدينة وطبيعتها٠

والسبب أن التخطيط الأمريكي تميز (بالتمدد الافقي) أي يشغل مساحة واسعة، مباني عمرانية ومساكن متباعدة، بينما تتمركز الاعمال والأنشطة التجارية في وسط المدينة٠ مسافة الترحال طويلة، الكثافة السكانية ضعيفة في الضواحي، عدم كفاءة النقل العام لكثرة استخدام السيارات والتزاحم في آن واحد٠لو ننظر الى:

(التمدد العامودي) الذي يتميزعن التمدد الافقي، بالكثافة السكانية العالية الأنشطة والمرافق الحيوية موزعة بإعتدال، استخدام متعدد للمساحة الرحلة اليومية للفرد قليلة وبمدة أقل وقد تكون مشيا على الاقدام وزيادة الصحة البدنية ، استخدام السيارة أقل، اسثمار الوقت أكثر، زيادة كفاءة العمالة، قلة الحوادث والعوامل السلبية المذكورة في التمدد الافقي٠

وهذه الأمثلة تدخل ضمن مقارنات طبيعة حياة التخطيط الحضري٠

الاستراتيجية التكاملية لانظمة النقل (المرور)

١-خفض الطلب على السيارات

٢- استخدام متعدد للأراضي وهذا يحقق تقارب المرافق العامة والتجارية ويقلل من استخدام السيارات لتقارب المسافات٠

٣- زيادة كثافة الأنشطة الحضرية

٤- تنوع وسائل النقل بين الترام، مسارات الدراجات، الممشى، وخاصة في المناطق المكتضة،

٥-أنظمة مرورذكية بما فيها كامرات الرقابة إشارات المرور مواقف سيارات آمنة

تأثير المدينة على الحالة النفسية والسلوكية للسكان

يقول الباحث في تسويق المدن والتنمية الحضرية الشاملة (عبدالرحمن الصايل) ؛ المدن أقوى الاختراعات البشرية التي جمعت شتاتهم، أفكارهم

عالجهم، وجعلهم أكثر صحة وسعادة وتقارب، ولكن في نفس الوقت هذا التجمع البشري في المدن زاد من الأوبئة والامراض والمشاكل الأخرى فلا يخلو الموضوع من التناقض٠

وعن التخطيط المستدام والسياسات البيئية الذي يتضمن بعد كبير في إشراك الناس وآرائهم في تخطيط المدن، للتعرف على العناصر الجاذبة والممتعة في المدينة ولايمكن تحديد العناصرالايجابية والسلبية بدون نقاش عام والدخول في كل مكونات المجتمع وتعزيز الولاء للمدينة خلال هذه المشاركة المجتمعية٠

ليمكن رصد البيانات ومعرفة الإيجابيات والتحديات والخروج بتوصيات

في سبيل المثال أن تحظى بعض المدن بإستقلالية عن المركز، ليكن بالإمكان استغلال ثرواتها واستثمارها فمثلا مدينة تمتلك مقومات سياحية أو زراعية و صناعية أو تمتلك ثروات طبيعية كالنفط والغاز وهذا ينعكس على التخطيط الحضري وطبيعة المدينة٠

رأى الباحث الفرنسي الانثروبولوجي (باسكال) أن التخطيط له تأثير على السلوكيات لدى الانسان،  وإكتشف أن تخطيط مدينة الرياض كان السبب في ظهور ظاهرة (التفحيط) ويعني السياقة العشوائية الغير آمنة في الأماكن العامة لغايات استعراضية، التي تتسبب في حوادث ومخاطر بشرية وخاصة من قبل الشباب٠ولكن لانستطيع أن نجزم أن التخطيط العمراني الجيد يحسن من السلوك البشري، والتخطيط العفوي يجعل السلوكيات غير جيدة،  بالرغم من التخطيط المتطور في أمريكا، عند ظهور جائحة الكورونا لم يتقبل السكان التعليمات الصحية الواجب اتباعها لتفادي الأضرار، وخرجت مظاهرات مناوئة أثر ذلك٠ رغم التخطيط العمراني المتقدم ٠ لكن الإنسان متى ما شعر بأنه مرحب به في مدينته بجميع أشكاله من حيث طبقته الاجتماعية الاقتصادية حياته الصحية والنفسية وعدم شعوره  بالتهميش والاهتمام يصب لفئة دون فئة فهذا يؤول إلى سلوك إيجابي وثقة بالنفس، إذا التخطيط مرتبط بالنفسية٠ لان السلوك يختلف من حيث العمق٠ لو صنفنا السلوك الى سلوك ظاهري وسلوك عميق، فالسلوك الظاهري هو رد فعل مباشر، على سبيل المثال أن تكون مبتسما صباحا وتتجنب مجادلة أحد، وهذا ينم عن الراحة النفسية والفضل يعود الى تأثير الحي السكني على النفسية ثم على السلوك وذلك إذا كان التخطيط متطور ومدروس يحاكي نفسية الانسان من حيث الممرات، المساحات الخضراء والألوان، بعكس السلوك العميق الذي ليس له علاقة مباشرة بالتخطيط الحضري وهذا ما يؤكده مثال مظاهرات أمريكا المناوئة ضد تعليمات جائحة كورونا٠ هنا ظهر السلوك العميق الذي ليس له علاقة بالتخطيط الحضري، ووفق مقولة (كاتش الآن دي بوتون) صاحب كتاب (عمارة السعادة) يقول فيها أن العمارة الراقية مفعولها اقل من تأثير حبة أسبرين او مهدئ وقتي، أي يجب على المباني والطرق أن تفهمك أعمق حتى تحسن من السلوك والنفسية٠وكيف يمكن للمدينة أن تفهم الانسان؟

بعد التحول والتحضر السريع للمدن، وفقد الانسان أهميته وأصبح موقعه ضئيل أمام حجم العمران حيث المباني الشاهقة وطرق عريضة٠ كون الانسنة

(نزعة إنسانية إجتماعية) تركز على وجود الانسان في المكان٠وكيف يكون المكان ملائم للإنسان٠ وللانسنة إرتباط بالارث الحضاري للمنطقة لذا تختلف الانسنة من مدينة الى أخرى٠ ومتى ما كانت المدن صديقة للإنسان وفي خدمة إحتياجاته وطموحه، والتخطيط  الحضري الجيد المدروس يجعله جزء من الانسنة٠ فالتشجير ، الحدائق، ممرات المشي الدراجات، ممرات لذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة، المناظر الجميلة يعزز شعورنا بأهمية المدينة التي تخدم الكل، بحيث تكون ملائمة وقريبة لرغبة الانسان وهذه الأشياء بدورها تعزز الانسنة ٠

البعد الإنساني في (أنسنة المدن)

فكرة البحث عن (البعد الإنساني) في المدن،  بدأ مع نشأة التصميم العمراني في منتصف القرن الماضي٠ لان المدن من حيث الأساس إنسانية لكن تغيير التقنيات في فترة الحداثة، وزيادة الاهتمام بالآلة على حساب الانسان ٠

انسنة المدن بمنظور( د٠ محمد محمود)، المدن كتعريف هي حملة عمرانية تسعى لتكوين بيئة مبنية ومتوازنة، تفتح أمام الانسان جميع الفرص لكي يتفاعل مع جميع فضاءات المدينة العمرانية بعفوية وحميمية إجتماعية، تخلق تجربة يومية مابين المباني من حيث الإيجابية من الناحية النفسية، وتهيء للإنسان جميع الفرص للتكيف والاستقرار٠ عندما نذكر الانسان نقصد الانسان الذي يمشي، ويقود السيارة، أوالدراجة، أو يستخدم وسائل النقل الأخرى٠ ولايمكن معاداة السيارة وفق مفهومه للانسنة، لان الانسنة تشجع على بيئة متوازنة لاتطغى فيها جانب على جانب آخر،   تهيء جميع الوسائل للتنقل في فضاءات المدينة بعفوية وسلاسة٠ ويوضح ذلك أكثر في محورين٠

 

المحور الأول:

لو نرجع لاصول الأشياء ومصطلح الانسنة الذي لم يظهر الا في القرن التاسع عشر، لكن فكرة تعزيز البعد الإنساني نشأت٠ يشير الباحث الى كل من الكاتبين : William H.Whyte  وكتابه بعنوان:

The Social Life of small Urban Spaces  والكاتب الثاني Jan Gehn  وكتابه Life  between Buildings  التي تعود للسبعينيات والثمانينيات ٠ أهمية الموضوع تكمن في فكرة تأسيسهما أدوات نقرأ خلالها تفاعل الانسان مع المكان وهذا مهم ٠ الفكرة توضح أن المدينة أصلها إنسانية منذ الازل، لكن سيطرة الآلة ووسائل التواصل جعل من المهم جدا التركيز على آليات نفهم فيها هذه الثقافة ٠ ركز Jan Gehn بشكل كبير على قراءة وقياس التفاعلات الإنسانية داخل الفضاء العام٠ ثم تحويلها وترجمتها الى قرارات تصميمية تتفاعل بشكل إيجابي مع البيئة الثقافية الاجتماعية، والاقتصادية، ضمن بيئة عمرانية متوازنة ويقصد بذلك لسكنة الضواحي والأطراف أيضا، لانه أنسنة المدن لاتركز حصرا على سكنة وسط المدينة فقط ٠ لكن أدوات ترجمة انسنة البيئة المبنية خارج المدن تختلف عن البيئة المبنية داخل المدن ٠ وحول كيفية تعامل المعماري والعمراني مع أنسنة المدن، فعليه التركيز على التفاعلات الإنسانية مع المكان وقياس هذه التفاعلات ٠ ولكن عندما يفكر المعماري أو العمراني بأن (أنسنة المدن) مجرد مجموعة إجراءات وحلول يمكن تطبيقها في المدن أيا كانت، فإنه يقدم حلول معلبة لاتستجيب للسياقات المحلية والعمرانية المبنية والتي تسمى (بأفضل الممارسات العالمية) سواء في أبنية المدن أو المشاريع٠ فلو تم التركيز على أفضل الممارسات العالمية، فما هو الا ملهم بصري فقط وحمالة أوجه وتؤخذ الحقيقة بسياق ظاهري فقط٠ أي الاعتماد على البعد الظاهري٠ لان لم ينظر الى المسببات التي أتخذت على ضوءها هذه القرارات، واستجابة هذه القرارات مع أفضل الممارسات العالمية والمحلية والسياقات الزمنية٠

أي المشروع العمراني في واقعه الصحيح يقع في سياق زمني مختلف وحتى أفضل الممارسات العالمية تحتاج أن تقرأه في خط زمني معين للتوصل الى المسببات التصميمية لانها مؤثرات مهمة٠

ماهي أدوات أنسنة المدن للمصمم العمراني أوالمعماري كذلك للامانات والهيئات ومن يديرها ؟

على المصمم العمراني والمعماري أن يستخدم أدوات يمكنه خلالها قراءة المدينة من حيث سياقها المبني والغير مبني، بمعنى ( التفاعلات الثقافية ، الاجتماعية والاقتصادية للافراد داخل هذه المدينة) ٠

أنسنة المدن للامانات والهيئات التي لاتقتصر فقط على تقديم هذه الفضاءات العامة ولا إدارتها بل أنت تحتاج الى (قاعدة معلومات معرفية) تقرأ فيها تفاعل الانسان مع المكان ٠بمعنى اليوم ونحن في المدن يمكننا قياس كل شيء من المناخ ، البعثات الحرارية ، الكاربونية وكل الأشياء البيئية الا (الانسان لا يمكن قياسه) لانه لاتوجد قاعدة بيانات له، بل نحتاج الى بروفايل (DNA) لتفاعل الانسان مع المدينة، في هذه الحالة يمكنك أن تستجيب للحالات الاجتماعية ومعرفة من يتواجد في الفضاء العام وهو مهم، والذي يغيب اليوم عن الفضاء العام أهم٠ (الفضاء العام) عبارة عن البنية التحتية الاجتماعية التي تربطنا جميعا بمختلف تعدداتنا الاجتماعية، الثقافية والاقتصادية ٠ انت لاتستطيع تقرأ تفاعل الانسان مع المدينة لانه تفاعل متغير ويحتاج أن ترصده بشكل ثابت ومستمر٠ لكن هناك دول رائدة في هذا المجال وتعد (كوبنهاگن) اليوم المشروع الأكثر تطور في قراءة (تفاعل الانسان مع المدينة) وتفاعل الانسان مع الانسان والتي بدأت في ظل جائحة الكورونا لرصد تفاعلات السكان مع هذه الظروف نظرا لارتفاع مستويات القلق للناس في الفضاءات العامة عند الخروج من المرافق العامة بشكل متباعد مصحوب بتوتر عالي وذلك عن طريق الرصد المستمر لتفاعلات الناس ضمن الفضاء العام كون كوبنهاكن من الدول المتقدمة جدا، والتي استطاعت التوصل لمعرفة من المتواجد في الفضاء العام ومن لا وكيف يمكن الاستجابة لل للتفاعلات بواسطة الرصد المستمر ٠

المحور الثاني:

البعد المحلي والجوانب الاجتماعية والثقافية ٠ لو نختزل الانسنة داخل (الفضاء العام ) و هو خليط مابين البيئة المبنية والبيئة الاجتماعية في سياقها الاجتماعية والثقافية ضمن مكون إقتصادي ٠ يعتقد المعماري إنه قادر بمنتجاته العمرانية والمعمارية أن يغيرالمجتمع ٠ لكن الحتمية البيئية بحاجة لمراجعة لان حقيقة تكوين الفضاء العام هي البيئة الاجتماعية والبيئة المبنية بشكلها المادي، ماهي الا حاضن للفضاء العام، قد يشجع على بعض الممارسات والأنشطة والتفاعلات، ولكن تبقى البيئة الثقافية والاجتماعية المكون الذي يقود هذا التفاعل، لذا عندما تنتقل من مدينة الى مدينة وتترك لديك إنطباعات وأثر وهي خليط مابين البيئة الثقافية والاجتماعية في هذه المدينة٠ قد تكون أحيانا البيئة المبنية بمعالمها بذاتها صورة ذهنية تتركها لدى الانسان لكن الذي يصنع شخصية المكان والفضاء العام هي تفاعلات الناس الثقافية والاجتماعية داخل هذا الفضاء

كيف يتفاعل المصمم العمراني وكيف يتعاطى مع هذه البيئة الثقافية والاجتماعية والتي تحدد الكود السلوكي هنا٠السياق الثقافي دائم التغيير والقيود الثقافية داخل البيئة المبنية والاجتماعية في تفاوض دائم عندما يستجيب المصمم العمراني والمعماري لهذه المتغيرات الثقافية والبيئة الاجتماعية فهو يجمد هذه الثقافة ويقدمها بشكل مادي ثابت ويضع هذه الثقافة في حالة من الجمود٠ بعكس الأسلوب المرن الذي يجعل من الفضاء العام فضاء قابل للتغيير والتطور٠

التشوه البصري : وتحسين المشهد الحضري

جبلت النفس البشرية على الجمال، وحببت اليها المناظر والمشاهد الجميلة٠ كون المناظرالعشوائية وكل ماهو منافي للذوق العام يعتبر أمرًا مزعجا للعين، وقد يؤثر سلبيا على المزاج٠ مع إزدياد البشر والتسارع العمراني والتطور الحضاري إزداد رصد التشوهات البصرية الذي يعد جانب كبير ومتشعب ٠ التشوه البصري نوع من التلوث ولكن لابد التعامل معه سواء القضاء عليه أو التقليل منه بواسطة وضع قوانين خاصة بالخصوص وزيادة الوعي المجتمعي بدءا من نشأة الانسان٠ والدراسات أثبتت أن التلوث البصري يؤثر سلبيا على نفسية الانسان ٠ وطريقة تفكير الانسان الذي يعيش ضمن المساحات الخضراء أفضل بكثير من الذين تفتقر مناطقهم لهذه المساحات ٠ أهم حالات التشوه البصري والاعمال التي تشوه طبيعة وجمال المدن٠

١-القطع الجائر للاشجار والقضاء على المساحات الخضراء

٢- ترك فضلات البناء لسوء أدارة مواقع العمل

٣- الكتابة على الجدران، بدلا من المراقبة المستمرة وتحويلها الى قطع فنية معبرة٠

٤- القاء القمامة في غير محلها، بدلا من فرز النفيات والقاءها في الحاويات الخاصة بكل نوع، وقد يتم تدويرها٠

٥- زيادة ممرات المشاة والدراجات وذوى الإعاقة والاحتياجات الخاصة

٦- عدم تناسق إرتفاع المباني والوانها بالنسبة للمدينة، وإنشاء الأبنية في مواقع تحجب جمالية الطبيعة٠

٧- إختراق لوائح التخطيط وتخلف تشوهات عمرانية وبصرية٠

٨- تحسين الطرق، الارصفة، والممرات

٩- الحفاظ على انسجام المواد البنائية من حيث النوعية واللون فمثلا استخدام الحلان في البناء مثال (الأردن)

١٠- أن يحاكي التخطيط الحضري التراث الثقافي لتلك المدينة

١١- مراقبة أعمال البناء وتطابق المواصفات

١٢- تحسين المشهد الحضري كبادرة معالجة التشوهات البصرية

١٣- توحيد الرقع التجارية

١٤- تحسين واجهات المحلات التجارية، وعدم وضع المنتوجات والبضاعة على الأرصفة أمام المحل، لانها تحد من مساحة الرصيف، ويعكس إنطباع غير متحضر

١٥- إزلة المواد الفاقدة الصلاحية منها هياكل السيارات والأجهزة القديمة

١٦- سلفنة الطرق أثر الحوادث وضغط عجلات المركبات الكبيرة وخاصة في الصيف الحار ، والتقليل من عمليات الحفر في وسط الشوارع

١٧- صيانة وتشغيل أعمدة الانارة في المدينة ٠

 

إجراءات التقليل من التشوه البصري في المدن

١-تفعيل دور الرقابة في رصد المخالفات والغرامات في حل هذه الظاهرة

٢- الزام وضع الواح خاصة أوسور لاخفاء التشوه البصري

٣- برامج المراقب المعتمد للرقابة وإلابلاغ عن المخالفات بعد التحذير٠

٤- استخدام طائرات الدرون لرصد المخالفات ٠

٥- استخدام كامرات الذكاء الاصطناعي لرصد السلوك الفردية والهدف ليس رصد السلوك بقد ماهو تغييره ورجوع الأمور الى طبيعتها٠

٦- الموازنة بين المركزية واللامركزية لمتابعة الخطط المعالجة للتشوهات البصرية ٠

٧- تفعيل دور المقاولين والمهندسين ورفع قدرات هذه القطاعات

 

المصادر:

الأستاذ٠عبدالجبار الرفاعي

د٠ عبدالرحمن الصايل

الدكتور محمد محمود

المهندس فؤاد العسيري

د٠ مشاري النعيم

د٠ أحمد بن جميل قطان