تعزيز ثقافة حب الوطن والأرض – خديجة مسعود كتاني

 

 

حب الوطن والمواطنة :

هل أقمت في الغرب ؟

لتلتمس حبهم العميق، عشقهم لأوطانهم !

كل يحب وطنه بقدر مايحب نفسه، الأمريكي، الياباني، الفرنسي، الألماني والإنكليزي، نلاحظ فيهم قدسية المواطنة التي تولد الإيجابية لانها تعزز فيهم روح الانتماء وقوتها، رغم إختلاف الظروف ، الطبقة المعيشية، المستوى العلمي والثقافي، نرى فيهم حب لتراثهم، تأريخهم، كتابهم وعظماءهم٠

فهي حقيقة تثير الفضول لماذا كل هذا الإخلاص والحب للوطن؟ يخلصون ويصدقون في حبهم للغتهم، أشجارهم، صخورهم وكل مايتعلق بأوطانهم٠ التمست ذلك في تعليم الأطفال المعرفة عن أوطانهم قبل مرحلة الابتدائية، عن طريق قصص كارتونية لشخصيات تأريخية مثل انشتاين، جوتة Goethe وموزارت. تلاحظ صورهم على ورق الشوكولاتة كنت تتناولها وتتمعن في هذه الصور، الاهل يتقصدون شراء هذه الأنواع من الحلوى لتعريف أولادهم بهذه الشخصيات المهمة التي خدمت أوطانها والعالم أجمع٠

تحفيز الحس الوطني خلال العمل التطوعي ( الصورة لسنة ١٩٦٣ للمؤلفة في الروضة /المانيا الغربية). 

 يقول أحد الباحثين كان يسكن مع عائلة في الغرب أثناء دراسته للدكتوراه والذي كان شائعا آنذاك، فطلاب الدراسة يعيشون مع أحدى العوائل ويقصد به البنسيون، يذكر أن ربة البيت كانت فرنسية تعلم أولادها قبل مرحلة المدرسة قصص كارتونية عن فكتور هيجو وشعره في ذلك العمر حتى يتعرفوا على هذا الكاتب، الشاعر، والروائي الكبير. يتولد لديهم الشعور بقيمة الوطن والانتماء مستقبلا، هنا تبرز دور الاسرة في غرس صفات المواطنة في أذهان الطفل ومشاعره٠ لقد أجمع علماء النفس والتنمية البشرية على أن الست سنوات الأولى من عمر الطفل أخصب فترة لتعليم وتنمية قدراته٠ عندما كنا في مدينة هانوفر وأنا في الصف الأول الابتدائي، نرجع الى الروضة بعد دوام المدرسة، ونقضي ماتبقى من الوقت لحين رجوع الاهل من العمل لاصطحابنا للبيت حينها كان الوالد طالب دراسات عليا في مدينة كوتينكن Göttingen  نقضي ذلك الوقت في الاعمال اليدوية وخاصة في المناسبات والاعياد مثل الكرسمس والايسترن ثم نضعها في علب جميلة ونزينها باشرطة تحاكي المناسبة ونكتب أسماءنا وتبريكات العيد٠ هذه الهدايا كانت تبعث لاطفال رياض المانيا الشرقية Ostzone  رغم كونها تابعة للمجموعة الاشتراكية و(حلف وارشو) آنذاك، لكن مشاعر الانتماء لم تتوقف خلف هذه الحدود المصطنعة والظروف القاهرة التي خلفتها الحرب العالمية الثانية٠ ولم تؤثر في الحس الوطني لاهلها بل التواصل كان مستمرا بينهما وهذه إحدى الأمثلة لهذا التواصل الوطني النابع من الانتماء والحب المشترك لهذا الوطن٠كل هؤلاء العظماء، العلماء، الباحثين الكتاب وأصحاب المعاول الذين عملوا المستحيل لتقديم أفضل ما لديهم من قدرات فكرية وعملية ووهبوا أيامهم لخدمة الوطن والأرض، في مختلف الظروف ونلتمس ذلك في نتاجاتهم وسيرة نضالهم للدفاع عن الأوطان والجود بالروح في أحلك الاوقات٠ وفي إعلاء كلمة الحق ومختلف الميادين الأخرى بدون خوف وكلل٠ كل هؤلاء راودهم هذا الحب العظيم للوطن الذي يحمل بين ثناياه الإيجابية التي تكمن في طياتها فلسفة الانتماء، ويقود المواطن لجهود إستثنائية لايرجو منها مقابل لكي يكون جزءا لهذا الانتماء ٠ لم أفهم هذه المعاني القيمة الا خلال أعمال هؤلاء الوطنيين، وهذا ما نحسه عندما نرتقي لمستوى العطاء للارتقاء باوطاننا وما ارتقت الأوطان الا باهلها المخلصين لتفعيل الوطنية في الوجدان الذي يظفي القيمة لهذا الوطن٠لايشعر المواطن الحقيقي بخدش في كرامته عن إنجاز أي عمل يقدم عليه، والكرامة ماهي الا شعور نفسي لا أكثر ولا أقل ٠ ترى الألماني من ميونخ (باڤارى) يكنس الطريق والساحات في برلين لا يخجل سعيد بعمله وصادق في أداءه ويولد لديه الإيجابية  ويحقق ذاته الفاعلة ويشعر بالوطنية، الثبات والاستقرار. الوطن ثابت والبقية متغيرات يستمدون العزيمة والقوة منه والأكثرية في الغرب يعرفون ثلاثة أركان عن أوطانهم وهي : جغرافية أوطانهم، التأريخ والاثارالتي خلفتها الحضارات التي توالت على هذه البقعة ليومنا هذا، وتأريخ الانسان الذي عاش على هذا الارض ومراحله ، وكل هذا عن أوطانهم، الجغرافيا بما فيها، جبالها، أنهارها، وديانها، سهولها وسواحلها (معرفة) ليس فقط معلومات منذ نعومة أظافرهم. كل ذلك عن طريق المناهج الموضوعة، المتاحف والمعارض أو أفلام السينما، كتب الأطفال، الأفلام الوثائقية والكارتونية  فالحكومات تعلم شعبها، بتوفير كل الوسائل المعرفية الثقافية وخاصة للأطفال وإتاحة الفرص من جولات ميدانية، سفرات، معارض، ووسائل المعرفة، لتثقيف شعوبهم واطلاعهم على ثراء وقيمة أوطانهم ٠ هذه الحياة الفطرية التي تشارك هذه الأرض لها قيمة فهذه السعادة تتولد لدى الفرد من البسيط، المتوسط، والكبير، هي سعادة إنتماءه لهذه البقعة التي تسمى (وطن) وهو سعيد بداخلها حيث الاستقرار والأمان والعز ترى المتشرد لايتحدث عن وطنه بسوء، متصالح مع نفسه، الناس يأكلون أمامه ولايحقد عليهم٠ الصياد يطبق تعاليم الصيد من حيث الوقت والمنطقة وعدد الحيوانات المسموح له صيدها أنه يضع نفسه محل الشرطة أن لم تتواجد في المكان ليحافظ على النظام المتبع و نبض جمال الطبيعة٠

دور الاسرة لغرس حب الوطن في شخصية الابناء

ماذا يعني الاحتفال ب (اليوم الوطني) وأهميته للنشيء الجديد ؟

الاحتفال بذكرى اليوم الوطني يعزز في نفوسنا أهمية الوطن٠ لكن يجب أن لايقتصر وجهة نظرنا للوطنية على إحتفال في يوم واحد في السنة لان الوطنية ليست شعارات ترفع وعبارات تقال فقط، بل هي سلوكيات تدعم بواقع ملموس، كالالتزام بقيم الوطن، معاييره، ثقافته، الحرص على مقدراته، دعم لغته، الاطلاع على مفاهيمه ٠ويمكن أن يكون اليوم الوطني فرصة زيارات ميدانية  لمنشآت الوطن المهمة والمرافق الحيوية المختلفة، المتاحف، المعارض، المدارس المختلفة لتبادل وجهات النظر والمهارات لاستثمار فرصة الاحتفال ، ونزول الشخصيات العلمية والثقافية الى المدارس ضمن برامج تثقيفية مبتكرة ومناقشة إقتراحات مفيدة  متعلقة بالوطنية والوطن، لتفادي تغلب ثقافات أخرى على ثقافتنا وهذا مايحدث كثيرا بواسطة وسائل التواصل الحديثة المتعددة، طرح مواضيع بناءة تعزز بناء الشخصية الوطنية المثقفة و تفجير طاقات الشباب والنشئ الجديد، من مهارات وسلوكيات متميزة تنهض لدى أولادنا روح الانتماء.

الاسرة هي المؤسسة الأولى في المجتمع التي لها دور أساسي في زرع القيم والمبادئ في نفوس النشئ الجديد٠

الانتماء ليست مجرد كلمة تقال أو معلومة تعلم بل هي مجموعة من التراكمات والسلوكيات والمهارات التي نمارسها أمام أولادنا ٠ ولكن كيف يمكن على ضوءها أن نرشد ونربي أولادنا على هذه القيم٠

لاننكر إننا نحب أولادنا وهم بحاجة للحب لكن يجب أن نعرف كيف نتعامل مع أولادنا والحب الذي نغرسه في نفوسهم، فالحب الذي يزيد عن اللازم يضر بالطفل٠ عندما نقدم كل شيء للطفل على طبق من ذهب يعني أفسدنا فرصة ألاعتماد على الذات، وتعويد الطفل على (السلوك الاعتمادي) بإعتماده كليا على الوالدين والآخرين، فلا يشاركنا الرأي ولا يشارك مدرسته بالواجبات الملقاة على عاتقه لان الاسرة قدمت له كل المساعدات. في هذه الحالة الحقنا الضرر بأولادنا بدل الحب الزائد الذي تسبب في تهميش دوره بطريقة غير مباشرة ولكن يمكننا ذلك وفق بعض الأسس: ١- الاعتماد على الذات وتبدأ من السنة الثالثة لعمر الطفل، نعلم الطفل كيف يلبس يأكل و يشرب ليذهب الى الروضة ثم المدرسة ويتعلم المهارات شيئا فشيئا ليخرج الى المجتمع غدا بدون صعوبات والتقليل من الطلبات يجعله يعرف قيمة الأشياء التي يتلقاها والاعتماد على الذات هي فرصة تطور شخصية الطفل  ٢- وضع الظوابط، القيم، والمبادئ بشكل صحيح والتي يجب أن تترجم مباشرة الى سلوكيات وأفعال٠ فمثلا التذمر من العمل أمام الطفل بسبب الإرهاق ربما ينعكس بشكل سلبي على نفسية الطفل ويجعله يخاف خوض الاعمال أو قد يكرهها ٣- على الوالدين الاتفاق على أسلوب تربية الطفل لكي لاتختلط الأمور وتتعدد الأساليب أمام الطفل٠

٤- عدم تعويد الطفل على العمل مقابل ثمن بل يجب تعويد الطفل على العمل التطوعي والخير مقابل الكلمة الطيبة مثلا، المدح والتشجيع، (لكي لايكون الانتماء للاسرة مقابل ثمن) ويمكن غرس فكرة الانتماء للوطن كأمتداد إنتماءه للاسرة ٠

 

المدرسة

المدارس هي أولى المؤسسات التكميلية لغرس القيم باستخدام الأساليب التشجيعية وتجنب القوة والأساليب السلبية مع الطلاب، وإكتشاف مهارات الطلاب وقدراتهم وفسح المجال أمامهم مشاركتهم للانشطة المدرسية (كتحية العلم) والاستعراضات والمسابقات العلمية، الادبية كألقاء الشعر، المخيمات الكشفية، السفرات المدرسية للاماكن المهمة، أحياء المناسبات الوطنية والعامة الاعتناء بحديقة المدرسة من غرس الأشجار وعدم فسح المجال للعبث بها والحفاظ على الممتلكات العامة وصيانتها  …الخ كل هذه الأنشطة من العمل الخيري والتطوعي والمهارات المفيدة والخطوات البسيطة تحقق الذات الخيرة في الطفل لانها  تحفز النمو النفسي والاجتماعي والروح الإيجابية التي تولد روح الانتماء داخل الطفل٠

 زيارة المتاحف ضمن الانشطة المدرسية (مدينة هنوفر-المانيا) سنة ١٩٦٥.

 

رحلة القيم أو (استراتيجية غرس القيم)

وتشمل:

١-القدوة الحسنة؛ لاتنه عن خلق وتأتي بمثله ، فاقد الشيء لايعطيه

٢- التحفيز بالأسلوب التفاعلي وذلك بطرح الأسئلة وتفعيل الحوار٠

٣- استثمار المواقف وتكرار المشهد الذي يذكر بقيمة معينة أو تصرف إيجابي ٠

٤- الموعظة والتعليم المباشر

٥- الالتزام بالاولويات والمقادير المناسبة

هذه الاستراتيجيات تحتاج الى عدد من المهارات ولكن لابد أن تبين الأولويات بشكل متسلسل حسب الظروف والقيم التي نحب غرسها في الطفل وفق الفترة الزمنية والمرحلة العمرية التي يمر بها الطفل٠ لو ندرج هذه الإستراتيجيات التي ليس لها معيار ثابت ودائم، لكن تعكس صورة عامة في كيفية غرس هذه القيم ١- القدوة الحسنة في أعلى الهرم فهي الأولى في الأولويات ولكن هذا لايعني أن هذه القدوة معصومة من الخطأ ولكن بنسبة مسموحة ، فلو كانت هذه القدوة لاتطبق مما تقوله أو تنصح به على سبيل المثال٠الكثير من الناس يخلطون بين تعليم القيم وغرس القيم، فمجرد نقل المعلومة لاتكفي لغرس القيم، فمثلا الآباء الذين يدخنون يصابون بالصدمة لممارسة أبناءهم التدخين، وقد يدخن في السر وأولاده يدخنون لانه يستنشق دخان والده، أي يدخن معه٠ عندما ينصح بالابتعاد عن التدخين هل هذا تعليم أم غرس قيم رغم صحة المعلومة وهل تأتي ثمارها؟ طبعا لا، فهنا يظهر الفرق بين غرس القيم وتعليم القيم ٠ وهذا يحاكي المثل (لاتنه عن خلق وتأتي بمثله)٢ – الأسلوب التفاعلي والتحفيز الإيجابي أي الاهل يجب أن يمتلكوا مهارة الحوار وكيفية مناقشة أولادهم بدبلوماسية وذكاء ٣- استثمار المواقف وتكرار القيم أي المواقف التي تذكر بقيمة معينة أو تصرف إيجابي ومدح أحدهم عن هذا التصرف أمام أولادنا وتكرار هذا المشهد ألأخلاقي على التلفاز كتوعية واستثماره لصالح الأولاد ٤- الموعضة الحسنة ويعني التعليم المباشر وهي هامة ولايمكن التقليل منها، لكن لاجل أن تكون فعالة ومؤثرة يجب إطلاع الأولاد على كيفية تطبيق هذه القيم٠ كل ماذكر في تطبيق هذه الاستراتيجيات المتنوعة لغرس القيم في نفوس أولادنا وكيفية ترتيب هذه الاستراتيجيات التي قد لاتأتي ثمارها، الا بعد أن يرى هذه المواعظ مطبقة خلال سلوكياتنا نحن الأهالي٠ بهذه الطريقة يمكن غرس قيم الوطنية خلال تنمية مهارات الطفل والمشاركة الجماعية والثقافية ومنها ما ينمي الحس الوطني في نفوسهم. تكون فعالك