التضخم: أنواعه وأسبابه وطرق الحماية منه- بيار روباري

 

لا يوجد شخص واحد على وجه الكرة الأرضية، لم يعاني من مشكلة التضخم بصورة من الصور منذ ظهورالنقد وتداوله في العالم محل الذهب والفضة وبشكل واسع. ومع تداخل إقصادات العالم مع بعضها البعض بسبب عولمة الإقتصاد ونشوء شركات عابرة للحدود، بات هناك مجال أكبر تعرض الإقتصادات العالمية إلى مشاكل التضخم لأسباب داخلية وأسباب خارجية أو الإثنين معآ.

رغم أن كلمة التضخم باتت مألوفة لدى عامة الناس، ويسمعون بها بشكل يومي تقريبآ، لكن القليلين منا ما يدركون حقيقة ما هو التضخم ومصادره، وكيف يؤثر في حياتنا المعيشية اليومية. وهذا الأمر ليس محصورآ فقط في الناس الأقل ثقافة وتعليمآ، بل يشمل أيضآ فئة المتعلمين تعليمآ جيدآ، وهذا ينطبق على جميع المجتمعات، وليس فقط مجتمعات البلدان المتخلفة (النامية)، وذلك لسببين:

السبب الأول: علم الإقتصاد علم جاف والناس أخذ صورة سلبية عنه، وتظن أنه مجرد أراقام ولا يهم وهو شأن يخص الأثرياء وهذا غلط كبير.

السبب الثاني: الطلاسم (المفردات الصعبة) التي يستخدمها الخبراء الإقتصاديين عند الحديث عن التضخم والأزمة المالية والإقتصاد بشكل عام، وهذا ما يعاني منه حتى طلبة الإقتصاد، وهذا ينطبق أيضآ على الفلسفة والمنطق. أكثرية الأسئلة التي تتبادر للذهن عند الحديث عن التضخم هي:

+ ما هو التضخم؟

+ ما هي أنواع التضخم؟

+ أسباب التضخم؟

+ كيف يتم حساب التضخم؟

+ أثار التضخم؟

+ طرق معالجة التضخم؟

+ من المستفيد من التضخم؟

+ كيف أحمي نفسي (رأسمالي) من التضخم؟

 

*****

 

ما هو التضخم؟

التضخم بكلام مبسط، هو إرتفاع واسع النطاق في أسعار السلع والخدمات، وليس فقط في إرتفاع قيمة بعض العناصر. في إقتصاديات السوق، تتغير أسعار السلع والخدمات باستمرار، بعض الأسعار ترتفع وبعضها الآخر تنخفض وهكذا دواليك. ونتيجة لذلك يمكننا شراء سلع وخدمات أقل مقابل وحدة واحدة من عملة البلد، وليكن الليرة السورية مثلآ. بمعنى آخر، قيمة العملة الشرائية تصبح أقل مما كانت عليه من قبل.

يتم قياس التضخم بعدة طرق اعتماداً على أنواع السلع والخدمات، كما أن التضخم هو عكس الانكماش، الذي يعني انخفاض عام في أسعار السلع والخدمات وهذا يحدث عندما ينخفض معدل التضخم إلى أقل من 0%، ويشار إلى التضخم بنسبة مئوية. وينتج عن التضخم العديد من المشاكل أهمها تضخم كبيرلا يقابله ارتفاع في دخل الأفراد، وهذا يضعف القوة الشرائية للناس، مما يؤدي إلى الركود الاقتصادي.

 

الارتفاع الحاد في أسعار المواد الإستهلاكية يمكن أن تبطئ نمو الاقتصاد. ومع ذلك لايمكن إعتبار كل تضخم ظاهرة سلبية غير سارة. فالتضخم المستدام يحدث عندما يفوق المعروض النقدي في بلدٍ ما نموها الاقتصادي.

ولهذا البنوك المركزية حول العالم تتبع سياسات نقدية معينة للحفاظ على نسبة التضخم السنوي المحلي ضمن حدود مقبولة. ومن هنا تظهر دور السياسات النقدية وتأثيرها على التضخم بشكل واضح. وعادةً النسبة المستهدفة من قبل البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة فيما يتعلق بنسبة التضخم تتراوح، بين 2% و3%. فالبنك المركزي الأوروبي سياسته هو المحافظة على نسبة تضخم سنوي أقل بقليل من 2%، بينما البنك الإحتياطي الفيدرالي الأمريكي يسعى للمحافظة على نسبة 2% من التضخم السنوي.

 

وهناك في هذا المجال، نظريتين تناولتا ظاهرة التضخم وقامتا بدراسة أسباب التضخم وطرق معالجتها وهما:

1- نظرية الكمية:

Quantity Theory

النظرية الكمية، تعتبر أقدم النظريات التي إهتمت بدراسة التضخم، وتعود أفكارها الأولى إلى القرن الثامن عشر الميلادي ولصاحبها الفيلسوف والإقتصادي والمؤرخ الإسكتلندي: “ديفيد هيوم“، الذي افترض القدرة على الإنتاج، بما يتناسب مع الكميات المخصصة للاستهلاك بشكل واقعي، ولكن لم يستمر تطبيق الأفكار الخاصة بهذه النظرية، بسبب اندلاع الحروب العالمية، وما أثرته في الاقتصاد الدولي. وفي منتصف القرن العشرين للميلاد، ظهر العالم والمفكر الاقتصادي الأمريكي: “ميلتون فريدمان“، الفائز بجائزة نوبل في العلوم الاقتصادية عام 1976، لإنجازاته في (تحليل الاستهلاك والمعروض النقدي) ونظريته في شرح سياسات التوازن. إهتم بتطوير النظرية الكمية عن طريق دراسة الكميات المعروضة من النقود، ومن ثم قياس مؤشر التداول الخاص بها من أجل السيطرة على التضخم.

 

2- نظرية الكينزية:

Keynesian Theory

صاغ هذه النظرية العالم الإقتصادي البريطاني المعروف: “جون مينارد كينز” التي أشار إلى أن الأفراد يميلون للاستهلاك من المبالغ الإضافية، التي يحصلون عليها نتيجة العمل الإضافي الخاص بهم، وتؤثر بشكل عام في مستويات الدخل. ساعدت النظرية الكينزية، على وضع مجموعة من التنبؤات حول معايير الإنفاق على السلع والخدمات، كما ساهمت في دراسة النشاط الاقتصادي، هذا إضافة إلى مستويات الاستثمار، وخصوصاً في المجالات الصناعية، التي توفر القدرة على التحكم بالمؤشرات المالية.

 

*****

كيف يتم حساب معدل التضخم؟

يتم حساب معدل التضخم بعدة طرق منها:

1- مؤشر سعر المستهلك:

يتم حساب (التضخم الشهري) من خلال قياس نسبة التغير في أسعار السلع الاستهلاكية في نهاية الشهر مقارنة بالشهر السابق له، بينما يتم قياس معدل (التضخم السنوي) من خلال مقارنة الشهر الذي يتم حساب التضخم له بنفس الشهر من العام الذي سبقه، ويتم استخدام رقم قياسي موحد لمتوسط أسعار السلع والخدمات باستخدام أسعار المستهلكين أو أسعار المنتجين.

 

الجهة المسئولة عن قياس التضخم:

الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، هو من يقوم بقياس معدل التضخم بحساب نسبة التغير على أسعار (1000) سلعة وخدمة استهلاكية شاملة مثل: البيض، السكر، الزيت، الخضراوات، الفاكهة، اللحوم، الخبز، الرز، البطاطا، القهوة، الشاي، الدواجن، الأسماك، الطيور وغيرها»، خلال الفترة من 1 إلي 28 من كل شهر.

2- الرقم القياسي لأسعار الجملة:

يرصد التغيرات في أسعار السلع المحلية والدولية بين فترتين زمنيتين في الأسواق الأولية وذلك في المراحل قبل مستوى البيع بالتجزئة.

3- مؤشر أسعار المنتجين:

هي مجموعة مِن المؤشرات التي تحسب وتوضح متوسط حركة أسعار البيع من المنتجات المحلية مع مرور الوقت، ويقيس مؤشر أسعار المنتجين تحركات الأسعار من وجهة نظر البائع، بعبارة أخرى يتتبع هذا المؤشر التغير في تكلفة الإنتاج.

مثال حسابي:

“مستوى الأسعار العامة خلال السنة الحالية” (ناقص) “مستوى الأسعار العامة في السنة السابقة” (على) مستوى الأسعار العامة في السنة السابقة (×) %100.

 

*****

أنواع التضخم:

Types of inflation

هناك ثلاثة أنواع من التضخم هما: التضخم المالي، التضخم النقدي والتضخم الإقتصادي.

 

أولآ التضخم المالي:

Inflation

يعني إرتفاع في تكلفة معيشة الأشخاص مع مرور الزمن، والزيادة في أسعار السلع والخدمات، بحيث يعمل على تقليل القوة الشرائية لكل وحدة من العملات، فكلما ارتفعت الأسعار تقل قيمة الأموال في قدرتها على شراء السلع.
معدل التضخم المالي، هو المعدل الذي يشير إلى النسبة المئوية لزيادة الأسعار أو نقصانها خلال فترة محددة، وتشير إلى مدى ارتفاع الأسعار خلال فترة شهر – ثلاثة أشهر – ستة أشهر – سنة بأكاملها. فمثلاً إذا كان معدل التضخم لغالون البنزين 2% سنويآ، تكون أسعار البنزين أعلى بنسبة 2% العام التالي. لذلك يعتبر معدل التضخم هنا مؤشراً لوجود مشكلات اقتصادية، عندما يكون المعدل أعلى من 10% الذي يعني أن الناس إما يعانون من الركود، أو من التضخم الهائل أو كليهما معآ.

أنواع التضخم المالي:

هناك العديد من أنواع التضخم المالي، ولكل نوع منه أسبابه الخاصة المؤدية لحدوثها:
1- سحب الطلب: يحدث بسبب تضخم الدخل وإرتفاع الطلب على السلع الاستهلاكية، وعندما يطلب الاقتصاد المزيد من السلع والخدمات أكثر مما هو متاح.

2- إرتفاع التكلفة: يحدث عندما يزداد الطلب على السلع، لأن تكاليف الإنتاج ترتفع إلى الحد الذي لا يستطيع الإقتصاد فيه إنتاج سلع بوفرة.

3- التضخم المفرط: يحدث بشكل سريع ويكون خارجاً عن السيطرة.

4- إرتفاع أسعار الطاقة: يحدث عندما تقوم الشركات برفع أسعار الطاقة لزيادة الأرباح.

5- التضخم القطاعي: يحدث عندما ترتفع أسعار نوع واحد فقط من المنتوجات الصناعة.

6- الركود: يحدث عندما يرتفع التضخم الذي يرافقه نمو إقتصادي بطيئ.

أسباب التضخم المالي:

هناك العديد من الأسباب المؤدية إلى التضخم أهمها:
1- الإنفاق العام:

بالرغم أن الإنفاق الحكومي يعد عنصراً مهمآ في إجمالي الإنفاق العام وإجمالي الطلب للاقتصاد الحديث، إلا أن زيادة الإنفاق العام الحكومي بالنهاية يؤدي للتضخم.

2- تمويل العجز:

يعد تمويل العجز في ميزانية الدولة أحد الأسباب المؤدية إلى التضخم، ولسد العجز تقوم الحكومة بالإستادنة أو ببيع الأوراق المالية الحكومية مثل سندات الخزانة التي يشتريها الأفراد والشركات على حدٍ سواء، ويشتريها حتى حكومات أخرى، وبهذا فإنهم يقرضون الحكومة المعينة، مقابل وعد بسداد قيمة الدين مستقبلآ.

3- فرض الضرائب الغير مباشرة:

تعمل الحكومة أحياناً على فرض الضرائب الغير مباشرة، مثل ضريبة الاستهلاك وضريبة القيمة المضافة، وغير ذلك على الشركات مما يؤدي إلى زيادة التكلفة الإجمالية للصانعين والبائعين، وتزيد

من سعر المنتج والذي يؤثر سلباً على أرباحهم.

4- ارتفاع الأسعار دوليآ:

تحتاج بعض القطاعات أو الشركات إلى استيراد السلع والمواد وحتى المصانع من الأسواق الدولية، لذلك ترتفع تكلفة الإنتاج الإجمالية لديها لأن الأسواق الدولية تقوم برفع أسعار السلع أو المواد والمصانع، مما يؤدي إلى التضخم في الأسواق المحلية.

5- ارتفاع الأسعار:

عندما يكون الطلب الكلي على السلع والخدمات أكبر من الطاقة الإنتاجية للاقتصاد، يخلق ذلك فجوة بين العرض والطلب، وهذا يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وبالتالي إلى تضخم الطلب، كما أن زيادة تكاليف العمالة لتصنيع سلعة أوتقديم خدمة معينة، أو زيادة في تكلفة المواد الخام، تؤدي إلى ارتفاع تكلفة المنتج النهائي، وتسهم في تضخم التكلفة. إرتفاع أسعار السلع والخدمات يؤدي إلى رفع إجور العمال، وذلك حفاظآ على تكاليف معيشتهم، وهذه الزيادة في الإجور يؤدي إلى إرتفاع تكلفة السلع والخدمات وبالتالي يحدث التضخم الداخلي.
6- سرعة تداول النقود:

إن ازدهار الاقتصاد يعمل على ارتفاع نسبة تداول النقود، بحيث يلجأ الناس إلى إنفاق المال بمعدل أسرع مما يزيد من سرعة تداول الأموال.

7- النمو السكاني:

النمو السكاني بشكل طبيعي يؤدي إلى زيادة إجمالي الطلب على السلع والمنتجات، مما يؤدي هذا الطلب المفرط إلى التضخم.

8- الاحتكار:

يقوم المحتكرون بتخزين السلع ولا يعرضونها في السوق، مما يؤدي إلى الإفراط في طلب هذه السلع والتأثير بشكل سلبي في الاقتصاد، وهذا يؤدي بدوره إلى التضخم.

*****

 

ثانيآ التضخم النقدي:

monetary inflation

ظاهرة نقدية تنشأ في كل الاقتصاديات التي تستخدم النقود بسبب نمو كمية النقود بمعدلات عالية جداً، تفوق متوسط معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي الفعلي، ومعدل نمو الاحتياطات من الذهب والفضة والعملة الصعبة لدى المصرف المركزي ومعدل نمو استثمارات المصرف المركزي في السندات وأذون الخزانة مجتمعة. ويؤدي هذه الزيادة في كمية النقود بتلك المعدلات العالية إلى ارتفاع الأسعار مصحوبة بانخفاض القيمة الحقيقية لوحدة النقد وإنخفاض القوة الشرائية له.

يعتبر التضخم النقدي ظاهرة اقتصادية عالمية، ومشكلة مزمنة عجز عن علاجها كافة الاقتصاديين. كل ما يفعله الاقتصاديين وضع حلول تخفف من حدتها وتعمل على تخفيض معدلات نموها. وبما أن التضخم النقدي ظاهرة اقتصادية عالمية، فإن هناك أسباباً دولية وأخرى محلية لنشوء هذا التضخم ويمكن توضيحه بالآتي:
1- مثلآ تفاقمت ظاهرة التضخم النقدي عالمياً بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، وذلك بسبب اتباع الولايات المتحدة للسياسات الاقتصادية التوسعية (أي التضخمية) الرامية إلى إعادة إنعاش الاقتصاد الأميركي للخروج به من حالة الكساد التي وقع فيها.

2- لقد تسبب سعر صرف الدولار الأميركي بارتفاع سعر صرف اليورو والجنيه الإسترليني والين الياباني والعملات الرئيسة الأخرى المقبولة عالمياً في تسوية المديونيات الخارجية. وبناءً عليه ازدادت النقد.

 

كيف يمكن معالجة التضخم المالي وأثاره السلبية:

يعد التضخم أحد المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها كل الاقتصادات في مراحل معينة، سواء أكانت إقتصادات متقدمة أو النامية، ونتيجة الآثار السلبية التي يتركها التضخم على حياة الناس بشكل عام والاقتصاد بشكل خاص، وهذا ما يفرض على الاقتصاديين وضع التضخم كأحد الأهداف الاقتصادية الرئيسة التي على الاقتصاد الكلي معالجته أو الحد منه على أقل تقدير. وإن ارتفاع سعر سلعة ما لمدة معينة، لا يمكن اعتباره تضخماً، لأنه غير مستمر ولم يشمل جميع السلع والخدمات.

 

يمكن علاج التضخم من خلال أهم سياستين هما السياسة المالية والسياسة النقدية:

 

أولا، السياسة المالية:

financial policy

تتم معالجة التضخم من خلال استخدام أدوات السياسة المالية، ونعني بها الأنفاق الحكومي والضرائب. فعندما يحصل التضخم يمكن للدولة معالجته بواسطة زيادة حجم الضرائب بغض النظر عن تفاصيلها، إذ أن زيادة الضرائب تؤدي إلى اقتطاع جزء من دخل الأفراد، وهذا يقلل من الطلب على السلع والخدمات، وبالتالي تنخفض الأسعار وينخفض التضخم هذا من ناحية.

ومن ناحية أخرى يمكن اللجوء إلى الإنفاق الحكومي لمعالجة التضخم إذ يمكن أن تقوم الحكومة بضغط الإنفاق الحكومي وهذا يعني تخفيض حجم الإنفاق وخصوصاً الإنفاق الاستهلاكي لأنه يؤدي إلى زيادة الطلب ومن ثم التضخم. أما الإنفاق الاستثماري ربما يؤدي إلى تخفيض حدة التضخم لأنه يؤدي إلى زيادة الأسعار بالنسبة للسلع في بداية الأمر، لكن فيما بعد يؤدي إلى انخفاض أسعاره وانخفاض التضخم لأنه يؤدي إلى زيادة إنتاج السلع والخدمات مقابل ثبات أو زيادة الطلب بنفس النسبة.

ثانياً، السياسة النقدية:

monetary policy

السياسة النقدية تستخدم أدوات مختلفة ومتمثل بسعر الفائدة، ونسبة الاحتياطي النقدي وعمليات السوق المفتوحة، لمعالجة مشكلة التضخم.

ذكرنا سابقاً إن التضخم يمكن أن يحصل كنتيجة لزيادة السيولة النقدية مع ثبات المعروض من السلع والخدمات، أو يحصل زيادة في السيولة بمعدل أسرع من زيادة أنتاج السلع والخدمات وهذا ما يدفع إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات فترتفع الأسعار ويحصل ما يعرف بالتضخم.

 

ومن أجل معالجة التضخم تلجأ الدولة إلى استخدام أدوات السياسة النقدية، مثلاً تعمل على رفع سعر الفائدة هذا يؤدي إلى سحب السيولة النقدية من الأسواق، لأن الجميع يبحث عن الأرباح وبما إن إرتفاع سعر الفائدة يحقق الأرباح مع عدم التأكد بحالة السوق مستقبلاً، عندها سيلجأ المستثمرون إلى إيداع أموالهم في المصارف للحصول على سعر الفائدة، فتنخفض السيولة النقدية والطلب والتضخم.

كما يمكن أن يلجأ البنك المركزي إلى سياسة نسبة الاحتياطي النقدي الذي يعني كمية الأموال التي يجب أن تحتفظ بها البنوك لدى البنك المركزي، وهذا الأخير هو الذي يقرر نسبة الأموال التي يجب أن تؤديها البنوك لديه تبعاً للظروف الاقتصادية، فإذا حصل التضخم يرفع البنك المركزي هذه النسبة فتنخفض قدرة البنوك على منح الائتمان ومن ثم انخفاض الطلب فتنخفض الأسعار ومن ثم التضخم، والعكس صحيح في حالة حصول الانكماش.

كذلك يمكن أن يلجأ البنك المركزي إلى سياسة عمليات السوق المفتوحة لمعالجة التضخم، فعند حصول التضخم يدخل البنك المركزي إلى سوق الأوراق المالية كبائع للأوراق المالية، إذ إن بيع الأوراق المالية مقابل النقود التي يحصل عليها، يعني سحب السيولة النقدية من الأسواق ومن ثم انخفاض الطلب والتضخم. لأن دخول البنك المركزي كبائع إلى الأفراد والبنوك التجارية والمؤسسات المالية، سيؤدي إلى تقليص الاحتياطيات النقدية لدى البنوك التجارية وتقل قدرتها على منح الائتمان فينخفض الطلب كنتيجة لانخفاض الإنفاق فيتلاشى التضخم.

 

إن أدوات السياسة النقدية التي تم تناولها أعلاه تسمى بالأدوات الكمية، وفي حال لم تؤدي إلى نتيجة مرجوة يمكن اللجوء إلى إستخدام الأدوات النوعية، التي يمكن الإشارة إلى بعض منها:

1-  تنظيم الائتمان الاستهلاكي كأن يرفع البنك المركزي قيمة القسط الأول أو تقصير مدد السداد ففي كلا الحالتين سينخفض الطلب على الائتمان فينخفض الإنفاق ومن ثم التضخم.

2-  الإقناع الأدبي كأن يقوم البنك المركزي في حالة التضخم بتوجيه دعوة إلى إدارات البنوك الأخرى إلى توخي الحيطة والحذر في سياساتهم الاقراضية والاستثمارية.

3-  التأثير المباشر وذلك من خلال فرض العقوبات على البنوك التي تنتهج ممارسات غير ملائمة من وجهة نظر السياسة النقدية، كأن يرفض البنك المركزي إجراء عملية إعادة خصم لصالح البنوك التجارية عند إعلان عدم موافقته على سياساتها الاستثمارية، أو رفض إمداد البنوك التجارية بالاحتياطات النقدية الإضافية في حال تجاوز قروضها الحدود العليا المقررة.

وفي حالة الإنكماش، المتمثلة بالركود وإنخفاض النشاط الاقتصادي، يلجأ البك المركزي استخدام هذه الحلول ولكن بشكل معاكس لما تم ورد أنفآ.

 

*****

 

ثالثآ التضخم الإقتصادي:

Economic Inflation

التضخم الاقتصادي، يُعرف على أنه زيادة كبيرة في المخزون المالي، سواء أكان في الدخل النقدي، أو أسعار السلع، حيث يتم قياسه من خلال مؤشرات أسعار المستهلك على مدار أشهر أو سنوات، فينعكس أثره على القوة الشرائية للعملة ويعمل على تناقصها، كما له تأثير سييء على أصحاب الأجور الثابتة، حيث يعتبر من معوقات الإدخار.

 

أنواع التضخم الاقتصادي:

Types of economic inflation

هناك ثلاثة أنواع رئيسية من التضخم الإقتصادي هي:
1- تضخم الطلب:

يحدث هذا النوع من التضخم عند زيادة الطلب الكلي على السلع والخدمات الاقتصادية، بحيث يكون أسرع من الطاقة الإنتاجية للاقتصاد، مما يؤدي إلى خلق فجوة بين العرض والطلب، وبالتالي إرتفاع الأسعار. لنفترض وهذا يحصل، أن الدول النفطية قررت تخفيض إنتاجها من النفط، فإن ذلك يؤدي بشكل أوتامتيكي إلى تقليل العرض، وبالتالي زيادة الطلب وارتفاع الأسعار. في المقابل فإن الزيادة في عرض النقود أيضآ يؤدي إلى التضخم، من خلال زيادة إنفاق الفرد، عندما تتوفر معه النقود بكثرة، وبالتالي يرتفع الطلب على البضائع فترفع أسعارها، مما يؤدي إلى إنخفاض قيمة العملة المعنية في البلد المعين.
2- تضخم التكلفة:

يحدث هذا النوع من التضخم أثر إرتفاع أسعار تكاليف عمليات الإنتاج، كزيادة إجور العمال، أسعار المواد الخام المستخدمة في صناعة منتوجات معينة، وبالتالي يؤدي إلى إرتفاع كلفة المنتوج النهائي أو الخدمة، وبالتالي ينتج عنها التضخم.
3- تضخم مدمج:

يحدث هذا النوع من التضخم نتيجة ارتفاع أسعار السلع والخدمات، التي تدفع العمال الطلب برفع إجورهم بما يتناسب مع تكاليف المعيشة، وتؤدي هذه الزيادة في الأجور إلى إرتفاع تكاليف إنتاج السلع والخدمات، وهكذا تستمر العملية بشكل دوري، بحيث يؤدي كل عامل من هذه العوامل، إلى ظهور التضخم الاقتصادي في الدولة.
4- التضخم المستورد:

يحدث هذا النوع بسبب انخفاض سعر الصرف مما يؤدي الى زيادة تكلفة الواردات، كما أن الاستهلاك سوف يزيد من القدرة التنافسية للصادرات بالتالي سوف يزداد الطلب.

5- التضخم المؤقت:

يحدث هذا النوع بسبب العوامل المؤقتة مثل زيادة الضرائب غير المباشرة، أي أنه ليس له تأثير دائم.

 

أسباب التضخم الاقتصادي:

Causes of economic inflation

يُعدّ التضخم من الظواهر الاقتصادية التي تُسببها مجموعة من الأسباب، ومن أهمها:

1- زيادة الطلب الكلي:

تعني زيادة الطلب على العرض، فتحدد أسعار المنتجات عند ظهور تعادل بين الطلب والعرض، وعندما يظهر فرط بالطلب لسبب معين مع استمرار العرض على طبيعته عندها ترتفع أسعار هذه المنتجات.

2- إنخفاض العرض الكلي:

يحدث نتيجة خلل اقتصادي معين يؤدي إلى إنخفاض العرض الكلي، وذلك لعدة أسباب وعوامل منها:

– الإستخدام الكامل:

يعني وصول الاقتصاد إلى مرحلة الطاقة القصوى، بحيث لم يعد قادر إلى زيادة الإنتاج أكثر من ذلك، وبالتالي ظهورعجز في الإنتاج وتلبية الحاجات المرتفعة.

– فقدان المرونة:

تعني ذلك أن الإقتصاد لا يستطيع التكيف بسهولة مع الطلب الزائد. والأسباب قد تكون نقص الأجهزة والمعدات أو تقادمها، لربما قلة المواد الأولية، نقص في الكادر البشري، إرتفاع أسعار المواد الخام.

3- إرتفاع تكاليف الإنتاج:

تحدث نتيجة زيادة أسعار الطاقة، المواد الأولية، الإجور، النقل، الجمارك، …، وبالتالي مع ثبات الإنتاج يؤدي إلى ارتفاع التكلفة الإنتاجية الوحدوية، مما يؤدي إلى زيادة السعر الخاص بالبيع، وإذا لم يرتفع سعر البيع يؤدي ذلك إلى انخفاض الأرباح.

4- الخدمات والمواد المستوردة:

في الكثير من الحالات تعتمد الاقتصادية الصغيرة، والمتأثرة بالقطاعات الاقتصاديّة الأُخرى التي تعتمد على استيراد أغلب حاجاتها من الخدمات والمنتجات من الخارج، وهذا يؤدي ذلك إلى ظهور ارتفاع متسارع في أسعار هذه المنتجات والخدمات، مما يؤثر على أسعار بيعها في الأسواق المحلية.

5- الحروب والكوارث الطبيعية:

لا شك لها تأثير كبير على الاقتصاد، فيؤدي إلى تراجع الإنتاج وبالتالي قلة العرض، وهذا يؤدي إلى ظهور زيادة في معدل التضخم، وينتج عن ذلك مشكلات إقتصادية عامة كحدوث إضطرابات في سعر العملة المحلية، وظهور عجز كبير في الميزانية في الميزانية العامة، وخير مثال على ذلك حالة الإقتصاد والليرة السورية نتيجة الحرب التي شهدت البلد.

*****

آثار التضخم الاقتصادي:
من الأثار الناجمة عن التضخم هي:

1- تأثر الدخل الوطني:

الدخل الوطني يتأثر بالتضخم على الشكل الأتي:

– ثبات الدخل مع ارتفاع الأسعار بشكل مستمر، وهذا يؤدي إلى تراجع مستمر بالدخل.

– زيادة الدخل بنسبة أقل من زيادة لأسعار، وهذا يؤدي إلى تناقص الدخل.

– تعادل الدخل مع زيادة الأسعار، وهذا يؤدي إلى ثبات الدخل.

– زيادة الدخل بنسبة أكبر من زيادة الأسعار، وهذا يؤدي إلى زيادة الدخل.
2- تأثر القوة الشرائية للنقد:

يعني ذلك فقدان العملة المحلية لقسم من قوتها الشرائية الخاصة بها، ويحدث ذلك نتيجة الزيادة المستمرة في الأسعار. وهذا يؤدي إلى ضعف ثقة الناس (المستهلكين) بالعملة الوطنية، ويدفع الأفراد إلى شراء المعادن النفيسة، العملات الأجنبية والعقارات.
3- تأثر ميزان المدفوعات:

نتيجة التضخم الذي يؤدي إلى تكلفة السلع المحلية، فيقل معها قدرتها التنافسية في الأسواق العالمية، مما ينتج عنه تراجع في حجم الصادرات، وزيادة الطلب على المنتجات المستوردة ذات الأسعار المنخفضة مقارنة مع المنتجات المحلية المشابهة لها.

4- تأثر الثروة:

مع إرتفاع التضخم يدب الخوف في نفوس الناس من المستقبل، فيقوم البعض بشراء العقارات، الذهب، أو العملات الأجنبية بأسعار مرتفعة، وبعد فترة تعود الأسعار إلى وضعها الطبيعي وبالتالي تخسر جزء من أموالها. أما الأفراد الذين يمتلكون ثروات مالية كبيرة فيخسرون جزءاً من قيمتها الحقيقية، بسبب زيادة الأسعار وإنخفاض القوة الشرائية للدخل.

 

******

من المستفيد من التضخم؟

في كل أزمة هناك رابحون وخاسرون، والتضخم ليس استثناء. الخاسر الأكبر من التضخم هم الناس المستهلكين وصغار الكسبة، والشركات الصغيرة. أما المستفدين بشكل عام هم ثلاثة فئات:

1- الشركات:

تستفيد بعض الشركات من التضخم إذا تمكنت من فرض مزيد الربح على منتجاتها نتيجة لارتفاع الطلب. بعبارة أخرى، يمكن للتضخم أن يوفر للشركات قوة سعرية ويزيد هوامش الربح، حيث تنمو الإيرادات بشكل أسرع من التكاليف، لكن قد تتأثر الشركات أيضأ بالتضخم مع ارتفاع تكاليف الإنتاج.

2- المقترضين:

المقترضين يمكن لهم أن يستفيدوا من التضخم بالشكل التالي: إن إرتفاع الأسعار يعني قيمة ديونهم آخذة في الانخفاض. كلما ارتفع معدل التضخم، قل عبء المدفوعات المستقبلية على المقترضين، وتبعا لذلك يزداد الضغط على الدائنين.

3- المستثمرين:

يمكن للمستثمرين في أسهم شركات الطاقة الإستفادة من إرتفاع أسعار الأسهم، مع ارتفاع أسعار الطاقة، على خلفية ارتفاع التضخم. الشيء نفسه ينطبق على المستثمرين في أسهم الشركات التي تعمل أعمالها بثبات أثناء التضخم.

******

 

كيف تحمي نفسك من التضخم؟

لكي تستطيع أن تحمي نفسك أي (رأس مالك) الخاص من التضخم، يجب عليك توفير مصدر للربح، والذي بعد طرح كل التكاليف يتجاوز مستويات التضخم. وكلما إرتفع العائد على التضخم كان ذلك أفضل. وهناك فرق بين التضخم الرسمي أي المعلن من قبل الحكومة والتضخم الحقيقي. بمعنى آخر، الربحية أمر بالغ الأهمية بحيث تزداد مدخراتك بحيث يكون لديك مبلغ كبير بما يكفيك عند التقاعد أو الكبر في العمر. فما هي الخيارات المتاحة أمام الأفراد؟

1- الإستثمار في الودائع البنكية.  2- الاستثمار في العقارات.  3- الاستثمارفي الأسواق المالية.  4- الاستثمار في الذهب.

 

ختامآ، هل يمكن أن يتسبب جهة مالية أو إقتصادية أو دولة كبيرة معينة بإفتعال تضخم مالي وإقتصادي؟ الجواب نعم، إذا وجدت فيه مصلحة لها. وبالتالي ليس كل تضخم هو ناتج عن عوامل إقتصادية عادية بحتة أو كوارث طبيعية. حتى الحروب والإضطرابات في الكثير من البلدان، يكون مخطط من قبل جهة أو جهات معينة لأن هدف الحروب في النهاية إقتصادي.

 

25 – 06 – 2021

 

============================================

المراجع:

1- تاريخ النظرية الاقتصادية.

المؤلف: جورج نابهانز.

ترجمة: صقر أحمد صقر.

الناشر: المكتبة الأكاديمية، مصر القاهرة – الطبعة الأولى عام 1997.

2- تاريخ الفكر الاقتصادي.

المؤلف: ارك رول.

ترجمة: راشد البراوي.

الناشر: دار الكتاب العربي للنشر، القاهرة – عام 1988.

3- مبادئ الاقتصاد الكلي.

المؤلف: حسام علي داود. 2010

الناشر: دار المسيرة للنشر والتوزيع،  عمان – عام 2010.

4- النظريات والسياسة المالية والنقدية.

المؤلف: سامي خليل.

الناشر: دار كاظمة للنشر والتوزيع، الكويت – عام 1982.

5- التضخم النقدي أسبابه وأثره على الفرد والمجتمع في العصر الحديث.

المؤلف: أحمد محمد أحمد أبو طه.

الناشر: الطبعة الأولى، مكتبة الوفاء القانونية، الاسكندرية – 2012.

6- نظرية الإنفاق الحكوميز

– دراسة في جوانبه القانونية والمالية والاقتصادية.

المؤلف: عوض فاضل إسماعيل.

الناشر: دار الكتاب للطباعة والنشر، بغداد العراق عام 2002.

7- الاقتصاد الكلي النظرية والسياسة.

المؤلف: مايكل آبدجمان.

ترجمة: محمد ابراهيم منصور.

الناشر: دار المريخ للنشر، السعودية الرياض عام 1999.

8- التضخم في الاقتصاديات المتخلفة.

– دراسة تطبيقية للاقتصاد المصري.

المؤلف: نبيل الروبي.

الناشر: مؤسسة الثقافة الجامعية، الاسكندرية – عام 1973.

9- التضخم والكساد.

المؤلف: حسين بن سالم جابر الزبيدي.

الناشر: دار الوراق للنشر والتوزيع- الطبعة الأولى، الأردن – عام 2011.

10- التضخم المالي.

المؤلف: غازي حسن عناية.

الناشر: مؤسسة شباب الجامعة، الاسكندرية – عام 2000.

11- الانتقال الدولي للتضخم.

المؤلف: حمد سليمان البازعي.

الناشر: مجلة الإدارة العامة، العدد الأول – عام 1997.

12- مبادئ الاقتصاد الكلي.

المؤلف: مصطفى سلمان وآخرون.

الناشر: دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة – ط 1،  الأردن- عام 2000.

13- دور السياسة المالية في معالجة ظاهرة التضخم.

في الاقتصاد العراقي للمدة (1996 – 2011).

المؤلف: المدرس المساعد سيماء محسن علاوي.

الناشر: كلية الادارة والاقتصاد / الجامعة العراقية.

14- التاريخ يفسر التضخم والتقلص.

المؤلف: زكريا مهران.

الناشر: مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة – القاهرة – لعام  2018.

 

15- الخصخصة.

– أثرها في معدلات التضخم وانعكاساتها على معدلات النمو الإقتصادي.

المؤلف: خالد أحمد المشهداني.

الناشر: دار وائل للطباعة والنشر والتوزيع – 2013.