قبل الدخول في تفاصيل الموضوع الذي نحن بسدده، أعلنت رفضي القاطع للعدوان الروسي الغير مبرر على أوكرانيا في صفحتي على الفيسبوك منذ أول يوم، وحذرت في نفس البوست القيادات الكردية من الوقوف في الجانب الخطأ من التاريخ.
سأنطلق في رؤيتي لما هو دائر في أوكرانيا من غزو روسي لأراضيها دون أي وجه حق، ووقوف الشعب الأوكراني وقواته المسلحة في وجه هذا الغزو البربري، من موقع إنسان كردي يهمه مصلحة شعبه، ويعلم حق العلم ما معنى الإحتلال، الغزو، عمليات القتل، الفتك، الحرق، الإغتصاب، النهب عمليات التطهير العرقي وعمليات التهجير المنظمة. ولا أظن هناك شعب على وجه الأرض تعرض لمثل كل هذا الإجرام، بقدر ما تعرض له الشعب الكردي عبر التاريخ الطويل والصعب. ولهذا أدين وبأشد العبارات العدوان البربري الروسي ضد أوكرانيا.
سأبدأ من أوكرانيا، أراها ضحية التنافس الروسي والحلف الأطلسي، وضحية سذاجة قيادتها السياسية
الحالية التي إستهانت بالموقف الروسي، ولم تأخذ بالحسبان مصالح روسيا الأمنية كدولة جارة، وثانيآ،
تصديقها أن الغرب سيحميهم. ونفس هذا الخطأ أرتكبته القيادة الأوكرانية بعد إستقلال أوكرانيا عن الإتحاد السوفيتي السابق، عندما تخلت عن أسلحتها النووية وصدقت وعود أمريكا بأنها ستحميها.
كلا الطرفين الأمريكي/ الأوربي من جهة والطرف والروسي من جهة أخرى، يكذبان في نقاط كثيرة ومحقين بعض النقاط الأخرى، وهناك حرب أكاذيب شرسة يخوضها إعلام الطرفين ومن يدور في فلكهما.
دعونا أولآ أن نبدأ بالجانب الروسي، الذي شن العدوان على بلد مستقل. لقد برر الرئيس بوتين حملته العسكرية على أوكرانيا المجاورة تحت شعار: حماية الأقلية الروسية في شرق أوكرانيا، وأسباب أخرى مثل إزالة النظام (النازي) الحاكم في كييف، والسبب الأخر رغبة أوكرانيا في إمتلاك الأسلحة النووية. أنا سأكتفي بهذه الأسباب فقط وسأناقشها معكم ذلك، أيها القراء الكرام، مع علمي المسبق أنها مجرد أكاذيب إتخذ منها الكرملين حجة لغزو أوكرانيا والأسباب الحقيقية مختلفة كليآ وفي مكانٍ أخر.
لو كان بوتين وسيركي لافروف صادقين في أقوالهم، وحريصين على حقوق الشعوب المضطهدة فعلآ لم دعموا أنظمة عنصرية، طائفية وإجرامية مثل: النظام الأسدي في سوريا، ونظام الطاغية أردوغان في تركيا، ونظام الملالي الإرهابي في طهران.
يا سيد سيرغي!
لماذا رفضتم ذات المطالب التي تطالبها للأقلية الروسية في أوكرانيا، للشعب الكردي في غرب كردستان (سوريا)، وأنتم الذين تتحكمون في القرار السياسي للبلد؟؟ لماذا منحتم منطقة “أفرين” الكردية للمجرم والعنصري أردوغان، ولم تفعلوا شيئآ عندما قام بتهجير ما يقارب مليون مواطن كردي من ديارهم؟؟
ولماذا تلتزمون الصمت على مدى أربعة سنوات تجاه جرائم الجيش التركي بحق الشعب الكردي في أفرين وجرائم التنظيمات الإرهابية المتحالفة معهم؟؟ لماذا لم نراكم تدينون ذلك وترسلون صحفييكم إلى أفرين لتوثيق كل تلك الأعمال الفظيعة والجرائم الممنهجة؟؟
لماذا لم تسمحوا بتمثيل الشعب الكردي مناصفة (الإدارة الذاتية وقوات قسد) مع العرب في مفاوضات جنيف، إن كنت حريصآ على حقوق الإنسان وغيور على الحقوق القومية والثقافية واللغوية والسياسية للشعوب؟؟ لم تفعلوا ذلك إفقط لتحقيق مصالح النظام الأسدي وإرضاءً للطاغية اردوغان ونظامه الإجرامي؟؟
ليس هكذا تورد الإبل يا سيد سيرغي! فكل ما قلته وتكرره يوميآ عن حقوق الروس في شرق أوكرانيا مجرد حجج وأكاذيب. لماذا؟
لأن الحق لا يجزأ يا سيرغي ولا الحرية. لا يمكنك أن تكون حقانيآ في أوكرانيا، وفي نفس الوقت قاتلآ في سوريا.
أنا سأتفق معك أن النظام الأوكراني نظام نازي. ولكن ألا توافقني الرأي يا سيد سيرغي، أن النظام الأسدي: نازي، وفاشي، وطائفي وعنصري ومافيوي، وقتل (1,5) مليون ونصف إنسان بريئ من شعبه، هذا عدا عن تهجير 12 عشر مليون سوري خارج بلدهم، ومئات الألاف من المفقودين، ودمر البلد عن بكرة أبيه وشاركتموه في تدميره، أيضآ يستحق إقتلاعه من السلطة والمجيئ بنظام ديمقراطي بديلآ عنه ويكون الكرد شركاء في الحكم؟ أم أن الحكاية لا هي قصة نازية ولا من يحزنون؟ وهذا هو الأرجح.
كم شخصآ روسيآ قتلهم نظام زيلنسكي؟ وكم بيتآ دمر على رؤوس الروس؟ وكم إمرأة إغتصب؟ وكم مدينة دمر؟ وكم من أموال الشعب سرق؟ الجواب صفر، وأنت تعلم ذلك جيدآ. ثم زيلنسكي لم يأتي عبر إنقلاب كم تدعي، بل إنتخب من قبل أكثرية الناس بخلاف ديتاتوركم الأهبل بشار الأسد والمقبور والده.
ثالثآ، من حق أوكرانيا إمتلاك أسلحة نووية، مثلما أنتم تمكلون تلك الأسلحة وأحبائكم الأمريكان. أم أنها حلالٌ عليكم وحرامٌ على غيركم؟؟
نعم أتفقك معك يا سيرغي، أن من حق روسيا أن تتخوف وتقلق بشكل جدي من توسع حلف الناتو الغير مبرر نحو الشرق حسب قناعتي، ومن حقكم معارضة ذلك بشدة، ولكن ليس عبر إحتلال أوكرانيا. هناك سبل أخرى يمكن إتباعها لتفادي ذلك. كان عليكم أن تعرضوا علاقة ندية ومتساوية على الأوكرانيين وربط المصالح الإقتصادية ببعضها البعض وفتح الحدود البلدين وإنشاء مشاريع مشتركة على سبيل المثال.
ثم لماذا لا تسألون أنفسكم في القيادة الروسية السؤال التالي: لِمَ الشعوب السلافية التي تنتمون إليها يهربون منكم ويتوجهون للمجموعة الغربية اللاتينية والجرمانية؟
أنت تعلم السبب وأنا بدوري أيضآ أعلم السبب يا رفيق سيرغي، نظام السياسي الشمولي لا بل المافيوي، هو السبب، وغياب الحريات الفردية، القضاء المسيس، غياب الصحافة الحرة، عدم إحترام حقوق الإنسان، بطش الأجهزة الأمنية، إعتقال المعارضين وتصفيتهم جسديآ في أكثر الحالات، غياب الحياة السياسية، غياب المحاسبة والمراقبة على المسؤولين، نظام ضريبي فاسد، الفساد الذي ينخر في كل مفاصل الدولة.
إضافة لذلك النظرة الفوقية التي تتعاملون بها مع الدول الصغيرة والمجاورة لكم، وتهديد أمنها وتخلفكم الصناعي. كل هذه الأسباب تدفع الدول لتهرب منكم ومن نظامكم في الحكم وطريقة حياتكم. وأنتم أنفسكم كقيادات تضعون أموالكم في البنوك الغربية، ولا تثقون في بنكوكم المحلية الروسية.
أنظر روسيا دولة هائلة من حيث المساحة، وتملك ثروات طبيعية ضخمة ومع ذلك شعبكم فقير ولا أحد من اللاجئنين يرضى بالعيش في روسيا!!!!! لماذا الناس تفعل المستحيل للوصول للدول الغربية وأمريكا بما فيهم المواطنيين الروس والكرد؟؟ القضية بسيطة للغاية هي: حقوق الإنسان وإحترام أدميته وحرمة جسده يا سيرغي. قد تسألني لماذا تخاطبني أنا ولا تخاطب الرئيس بوتين؟؟
سأجيبك يا سيرغي، أخاطبك لقناعتي أن السيد بوتين ذات الأنا تضخمت عنده إلى حد، لم يعد له صلة بالواقع، وبتصوري وصل حال النرجسية به أنه يعيش في عالم خاص به غير عالمنا، ولا يسمع أحد وهذا هو السبب لا شيئ أخر.
والأن حان الوقت للحديث عن الجانب الأمريكي، وهو يمثل نفسه وحلف الأطلسي والإتحاد الأوربي والفراطة أي الدول التي لا تنتمي لهاتين المؤسستين الناتو والإتحاد الأوربي مثل اليابان وكوريا الجنوبية وأوستراليا وإسرائيل.
كل الصريخ والضجيج الأمريكي والغربي ضد روسيا والحملة الإعلامية الشرسة المعادية لها، لا علاقة لها لا بالقانون ولا بالصابون فما بالكم بالحق فهذه نكتة سمجة ولا يمكن لعاقل تصديقها. الأمريكان عماد حلف الناتو وعدوا الروس وعلى لسان الوزير “جيمس بيكر”، عندما طلبوا السوفيت بسحب قواتهم من ألمانيا الشرقية، وأكدوا أن الحلف لن يمتد شرقآ ولا شبر واحد. ولكننا نعلم بعد مرور أشهر رأينا كيف لحس الأمريكان تعهدهم ذاك. كل التعهدات الشفهية والورقية أي الرسمية لا قيمة لها في العلاقات الدولية ما تملك قوة عسكرية وإقتصادية قادرة على حماية تلك الوعود أو الإتفاقات والمعاهدات، وكل من يعتقد بغير ذلك فهو ساذج بكل معنى الكلمة. وبرأي الغربين إرتكبوا حماقتين في تعاملهم مع الروس بعد إنهيار الدولة السوفيتية وهما:
الحماقة الأولى:
معاملة الروس بنوع من الدونية والإذلال بعدما دبت الفوضى في روسيا الإتحادية إثر إنهيار الإتحاد السوفيتي، والحالة الإقتصادية المزرية التي مر بها الروس أنذاك. ونفس الحماقة إركتبها الغرب مع المانيا بعد الحرب العالمية الأولى، وكانت نتيجة ذلك أن الألمان لم ينسوا تلك الإهانة وفي أول فرصة سنحت للألمان ردوا الصاع صاعين في الحرب العالمية الثانية. بعكس تعامل الأمريكان مع الغربيين وخاصة المانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية.
الحماقة الثانية:
هو توسع الحلف شرقآ دون أي مبرر وتعاملهم مع روسيا كدولة من العالم الثالث، وعدم أخذ مخاوف هذا البلد الكبير على محمل الجد، وسعيهم تحجيمه على الساحة الدولية، والنتيجة ما نراه اليوم من معارك في أوكرانيا. برأي كان من أفضل أن تبقى كل دول شرق أوروبا دول محايدة مثل: النسما، سويسرا، فلندا، السويد، .. كان ذلك أفضل للطرفين الناتو وروسيا وحتى دول شرق أوروبا والعالم بأسره.
وحديث الأمريكان والأوروبيين عن السيادة الأوكرانية، مدعاة للسخرية حقآ. هذه السيادة تموت وتحيا حسب الحاجة الغربية لها. هل ستقبل أمريكا بسيادة فنزويلا بنصب صوراريخ وقنابل نووية روسية على أراضيها؟ بالتأكيد لا. لأننا رأينا كيف رفضت ذلك مع كوبا أيام خروشوف وكيندي وفيدل كاسترو. واليوم إذا قررت صربيا نشر قنابل نووية روسية على أراضيها، هل سيقبل بذلك الأوروبيين ويقولون هذا أمر سيدي خاص بصربيا؟ الجواب بالتأكيد لا. من هناك قلت في البداية وأقولها ثانية أن الطرفين يكذبان.
وختامآ، الخاسرين في هذه الحرب هما الأوكرانيين والسوريين، ومن ضمنهم الشعب الكردي في غرب كردستان. أما الرابحيين فهم النظام الروسي والأمريكي والصيني. والمحتاريين هم أردوغان والحكومة الإسرائلية. أما الإنتصار فلا منتصر في هذه الحرب سوى الحرب. وأسباب الحرب الحقيقة واهدافها هي الصراع على النفوذ والمصالح ولا شيئ أخر.
01 – 03 – 2022
تحية الى السيد بيار روباري
وهي ما قلتموه بكل تاكيد واتفق معك في كامل المقال و حتى في رؤية الحدث الاوكراني ككل فهي تدخل في صراع العملاقين الامريكي -الصيني وحلفائهما ولكل منهما حسابتهما المختلفة.
فالامريكي يريد قصقصة الجناح العسكري الذي يستند اليه الصين وبالتالي ادراج الصين الى المواجهة الاقتصادية وحدها بينما هو يمتلك القوة الاقتصادية والعسكرية معا. وبينما الصين تسعى بالاساس الى هدم هذا النظام العالمي الحالي من اساسه واحلال نظام عالمي جديد وطريق النظام العالمي الجديدي يبدأ و يمر عبر تغير الخارطة السياسية العالمية الموجودة اليوم.
بينما الضحايا هم الذين سوف تطبق عليهم و على رؤسسهم كل تلك المخطاطات وشعوبهم سوف تدفع الثمن. ومن هذا المنظور يقع اوكرانيا, سوريا, يمن, ليبيا, الان, و لاحقا ربما دول مثل تركيا و غيرها في تلك المعادلة. التي سوف تفقد قوتها واهميتها العسكرية حيث الى اليوم تصف نفسها (القوة الثانية) في الناتو بعد امريكا, ولكن بعد الحرب الاوكرانية هاهي اوربا تسعى الى تشكيل قوتها العسكرية من جديد و عدم الاعتماد على الامريكان وحدهم في حماية مصالحهم, ولعل قرار المانيا تحديدا في التطلع الى اعادة انشاء جيشها من جديد بميزانية 100 مليار دولار هي اكثر ما شدت انتباهي في الصراع الاوكراني.