في حوار للكاتب و الصحفي المصري (محمد حسنين هيكل) مع الطلبة الايرانيين الذين احتلوا السفارة الامريكية في طهران قال لهم كما ذكر في مقابلة له عام 1981 ((انا آسف ان اقول إنكم حولتم الثورة في ايران من ظاهرة انسانية، الى ظاهرة اسلامية، الى ظاهرة شيعية، الى ظاهرة شيعية في ايران فقط)) .
كما يبدو للجميع ان ما تم طرحه من قبل (هيكل) ينطبق على غالبية القضايا والمواضيع ويعد تشخيصاً لداء يعاني منه اغلبية الشعوب وخاصة التي تتطلع الى مستقبل افضل وتمر بمرحلة انتقالية التي كانت لديها مقدسات تناضل من اجلها وتضحي بدمائها في سبيلها.
جميع شعوب العالم لديها مقدسات على اختلاف انواعها واسماءها فمنهم من يقدس الحيوانات او الاحجار او الاشخاص وتحيطهم بهالة من التقديس والمباركة بحيث لا يمكن المساس بسوء او التجاوز عليها بأي شكل ومن الشعوب من يحميها بسن القوانين والتشريعات.
الوطن والارض والعلم والمناضلين والشهداء مقدسون على مر التاريخ ولا يمكن التنازل عنهم وانه من الثوابت وإن جرت عليها التغيرات فمن الممكن ان يمر الانسان بمرحلة الكره لوطنه عندما لا يجد فيه سمات الوطن او العلم الذي لا يستطيع ان يستظل بظله اي انها تتغير بتغيير الزمان والمكان.
تعمل الشعوب والامم على تكبير مقدساتهم وزيادة الحب والاحترام لها ولكن بدأت ظاهرة تصغير هذه المقدسات تلوح في الافق وتتفشى بين المواطنين اي ان نظرة الشعوب الى مقدساتهم تتغير بتغير احوالهم ويفهم من كلمة السيد (هيكل) للطلبة الايرانيين ان الشعب هو السبب في تصغير المقدسات و تحويلها من العالمية الى الاقليمية ثم المحلية.
فكم من ثورة او شخصية كانت عالمية في بدايتها لتنتهي بها المطاف الى المحلية وحصرها في زاوية ضيقة كأنها لم تكن كما كانت في السابق وان كانت هناك ايادي خارجية تساهم في تصغيرها من اجل مصالحها الذاتية .
هذه الظاهرة خطيرة ولها تداعيات كبيرة على حب الفرد للمقدسات واستعداده للدفاع عنها والتضحية من اجلها ويقلل من قوة الارتباط معها بل يصل الى درجة ان التجاوز على مقدساته لا يحركه قيد أنملة في سبيل الدفاع عنها.
لهذه الظاهرة اسباب عديدة منها على سبيل المثال لا الحصر ضعف العدالة والمساواة و وجود الفوارق الطبقية بين فئات المجتمع الواحد وسيادة معيار العلاقات الشخصية والصداقة وضعف الانتماء الوطني والقومي.
من واجب الحكومات والمؤسسات المختصة وضع برامج مكثفة لزيادة وعي المواطن وضرورة وجود المقدسات و حبها واحترامها والدفاع عنها وعدم تصغيرها بل العمل من اجل تكبيرها وتحويلها من المحلية الى العالمية واخراجها من اطارها الى اطار اوسع واشمل.
اقليم كوردستان العراق أرضاً وعلماً وتاريخاً وشعباً ومناضلين مقدسون عند مواطنيها وينظرون اليها بعين التقدير والاحترام وإنهم ضحوا من اجل بقاءها في سمو وعلو بدمائهم وأموالهم وحياتهم ويفتخرون بأسمه في الارجاء المعمورة باعتباره كياناً سياسياً وتجربة ديمقراطية فريدة ونادرة في المنطقة وضرب اروع الامثلة في الفداء والمقاومة ومحاربة الارهاب بمختلف مسمياته وكل فرد فيه يعمل بجد وذكاء في سبيل رفعته وتكبيره لا تصغيره وتعريضه للخطر.
من الملاحظ في الآونة الاخيرة من المؤسف جداً سماع اصوات من هنا وهناك من داخل الاقليم تدعو وتحاول ضربه وتحجيم صوته وصلاحياته وتصغيره في أعين الناس بالتواطئ مع الجهات التي لا تريد الخير للاقليم متناسين ان قوتهم وضعفهم تكمن في قوة الاقليم وضعفه وان اي اعتبار لهم نابع من قوة الأقليم وقدرته في مواجهة هؤلاء ومن جانب اخر ان للاقليم رجال على مر التاريخ مستعدين لحمل اسمه في قلوبهم قبل اكتافهم ولا يأبهون بهولاء النفعيين والمتخاذلين وسيبقى الاقليم شوكة في عيون كل من يدبر من اجل تصغير لانه بني بدماء آلاف الشهداء ودموع النساء والاطفال وعرق جبين قوات البيشمه ركه وقوى الامن الداخلي واخلاص مواطنيها واستعدادهم المستمر للتضحية.
13\7\2023