صناعة الصورة وقول الحقيقة في إيران اليوم- منى سالم الجبوري

 

تزداد التکهنات بشأن مستقبل المفاوضات الجارية بين واشنطن وطهران بخصوص البرنامج النووي الايراني ولکن مع تباين واضح في مآلاتها وتحاول طهران بشتى السبل إحداث ثغرة ما في جدار الموقف الاميرکي الذي يبدو لحد الان صلبا والتسلل من خلاله من أجل جعل المفاوضات تسير بسياق يخدم مستقبل البرنامج النووي بما يضمن سلامته.

إنتهاء الجولة السادسة کما يبدو کان مخيبا للأمل الايراني مع ملاحظة إن طهران إستبعدت يوم الاثنين ال26 من مايو/أيار أي احتمال لتعليق تخصيب اليورانيوم من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي مع الولايات المتحدة، حيث قال اسماعيل بقائي الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية، في مؤتمره الصحافي الدوري وردا على سؤال عن تقارير ذكرت أن إيران ربما تجمد التخصيب لمدة ثلاث سنوات من أجل التوصل إلى اتفاق، قال بقائي “إيران لن تقبل بذلك أبدا”، في وقت لازال الموقف الاميرکي باق على حاله بشأن تصفير تخصيب اليورانيوم ولم يطرأ عليه أي تغيير، وهذا ما يٶکد بأن الامور لا تسير کما يوحي الرئيس الاميرکي عقب جولات المحادثات.

التصريحات التي أدلى بها الرئيس الايراني يوم الاثنين أيضا، والتي قال فيها إن إيران ستصمد حتى لو لم تعقد محادثات مع الولايات المتحدة وفرضت عليها عقوبات جديدة، مضيفا”ليس الأمر وكأننا سنموت جوعا إذا رفضوا التفاوض معنا أو فرضوا علينا عقوبات. سنجد طريقة للنجاة” هذه التصريحات بإضافة تصريحات بقائي لها زائدا ما جاء على لسان القائد العام للجيش الإيراني، اللواء عبد الرحيم موسوي، من إن القوات المسلحة الإيرانية على “أهبة الاستعداد” لتنفيذ عمليات عسكرية جديدة ضد إسرائيل إذا استدعت الظروف ذلك، مؤكدا أن “الرد سيكون مناسبا” في حال ارتكبت تل أبيب ما وصفه بـ”خطأ استراتيجي”، تٶکد بأن إيران تتوجس ريبة من المفاوضات بعد إختتام الجولة السادسة وتظن إن هناك في الافق ما يقض مضجعها ويدعو للريبة.

ومع ملاحظة الطريقة التي أحيى بها النظام الديني القائم في إيران للذکرى لسنوية الأولى لوفاة إبراهيم رئيسي، وذلك بإقامة 0 ألف فعالية تأبينية في جميع أنحاء البلاد، کما ذکرت وسائل الاعلام الايرانية ذلك، وهذا الرقم مذهل، ليس فقط لجرأته اللوجستية في دولة غارقة في اليأس الاقتصادي، بل لما يكشفه: نظام غير آمن إلى حد بعيد في شرعيته لدرجة أنه يحول الحداد إلى مسرح سياسي، ويصنع من رئيس متوف ومثير للجدل شهيدا وطنيا.

لکن ومع الاخذ بنظر الاعتبار التصريحات الحذرة والمتشائمة التي ذکرناها وطريقة وحجم عملية التأبين التي جرت لرئيسي،  فإن هناك ثمة خيط رفيع يربط بين الموقفين إذ أن الحجم الهائل لحملة التأبين يوحي بشيء أكثر من مجرد الحزن: محاولة منسقة لاستعادة الخوف، وتوحيد قوات الأمن المتصدعة، وإعادة تأكيد السيطرة الأيديولوجية. تشير تقارير من داخل إيران إلى أن النظام يعاني من تآكل كبير في الولاء بين أفراد الرتب المتوسطة في حرس النظام الإيراني وقوات الباسيج  التي كانت ذات يوم أدواته الأكثر موثوقية للإنفاذ الداخلي. في هذا السياق، يتم إعادة تقديم رئيسي ليس فقط كرئيس سقط، بل كأيقونة ثورية تهدف إلى إلهام القوات المترددة وتثبيط عزيمة المعارضين. الرسالة ليست خفية: الطريق إلى السلطة يمر عبر الطاعة والتضحية، وإذا لزم الأمر، إراقة الدماء، وکل هذا يعني بأن النظام يريد من الان أخذ الاحتياطات اللازمة لفشل محتمل للمفاوضات وإنعکاساته على الاوضاع الداخلية المتأزمة وإحتمال إنفجارها ولاسيما وإن رئيسي معروف على الصعيدين الداخلي والدولي ليس برحمته التي يسعى النظام لتصويرها، وإنما  بدوره الرئيسي في الإعدامات الجماعية للسجناء السياسيين عام 1988، وهي الحادثة التي أكسبته لقب “جزار طهران”. تزامنت فترة رئاسته مع حملات قمع وحشية خلال احتجاجات عام 2019 وانتفاضة 2022-2023 التي أشعلتها وفاة مهسا أميني أثناء احتجاز الشرطة لها. بالنسبة للعديد من الإيرانيين، لا يستحضر اسم رئيسي الخدمة والاخلاص، بل القمع. وحقيقة أن هذا الواقع قد تسلل حتى إلى تغطية وسائل الإعلام الحكومية (حيث اعترف بعض المسؤولين بأنه كان يلقب بـ”آية الله إعدام) تشهد على التوتر بين صناعة الصورة وقول الحقيقة في إيران اليوم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *