الحوارات والنضج الفكري  – عبد الخالق الفلاح

الحوارات السياسية بين ألاطراف السياسية المختلفة الهدف منها تقريب وجهات النظر من خلال احتكاكها السلمي المنطقي وبيان مواقف كل طرف وخصوصياته ، والحوار هو عبـارة عـن مطلـب إنسـاني وأسـلوب حضـاري يصـل الانسـان مـن خلاله إلـى النضـج الفكـري، وقبــول التنــوع الثقافــي الــذي يــؤدي إلــى الابتعــاد عــن الجمــود، وفتــح قنــوات التواصــل مــع المجموعات او المجتمعات الاخــرىالحـوار مـن أهـم أدبيـات التواصل الفكـري والثقافـي والاجتماعـي والاقتصـادي التي تتطلبهـا الحياة فـي المجتمعات المعاصرة، لمـا لـه مـن أثـر فـي تنميـة قـدرة الافـراد علـى التفكـر المشـرك والتحليـل ً والاستدلالي، بغيـة إنهـاء فروقاتهم مـع الاخريـن بـروح التسـامح والصفـاء بعيدا عـن العنـف والاقصاء

الحـوار هـو سـمة مـن سـمات المجتمعـات المتحررة، والاداة الفعالـة الـي تسـاعدهم علـى حـل المشكلات الصعبـة، وتعزيـز التماسـك الاجتماعـي.

 الحوار السياسي يمثل إحدى أهم علامات الديمقراطية، وغالباً ما تكون الحوارات التي لا تؤدّي إلى نتيجة هي أن بعض أطرافها تحاول إقناع ذاتها بصواب موقفها، الهدف من  الحوار هو المساعدة على وضع أسس حلّ مشكلة ما بشكل مشترك، وهذا يعني الاتفاق؛ ما يعني وضع خطوات عمل مشتركة، وشيء طبيعي أنه ليس كل فردٍ قادرا على الحوار بأسلوب حضاري و في السياسة العصرية لا يوجد أي موقف نهائي للمشاركين في العملية السياسية، ويتم طرح وجهة النظر من جديد وبأسلوب جديد؛ لأنه ما كان بالأمس صحيحاً قد لا يكون اليوم كذلك، ودور الشخص وشخصيته وأسلوب طرحه تحدد مدى الثقة التي يخلقها في نفوس الآخرين، ويبقى العنصر الأساسي في الحوار هو الصراحة والصدق في التعامل السياسي، وإلى أي مدى يتم تقديم تنازلات من أجل الوطن.
الحوارات التي تشهدها الساحة السياسية العراقية اليوم  لم تنشأ بسبب الاختلاف وانما بسبب العجز عن الاتفاق على هدف مشترك يجمع مكونته؛ فالحوار لا يدعو صاحب الرأي الى ترك موقفه السياسي، وإنما لاكتشاف المساحة المشتركة مع الأطراف الأخرى والانطلاق منها في النظر الى الأمور وتحليلها، والحوار بين الأطراف السياسية يفتح افاق التعاون، ومواجهة التحديات، ويدفع الى التخلي عن الخيارات العنيفة التي تمارس النبذ والإقصاء. الذي لـم يكـن التعصـب يومـا ً هدفـا ً خادمـا للانسـانية وتطـور المجتمعـات، بـل علـى العكـس فـإن متطلبـات العـزة وثــورة الاتصالات والمعلومــات تجعــل مــن التســامح والتعايــش والاتصــال والحــوار المفتــوح ضرورات لا بــد منهـا لتحقيـق مصالـح المجتمعـات جميعهـا.

 وممـا لا شـك فيـه أن الحـوار هـو البديـل المناسـب عن العنف الطاغي بشكل لا يخدم البشرية اليوم او في المستقبل  و هو أحـد أهـم السـبل الـي تعمـل علـى تقليـص ً مســاحة العنــف الذي يمثــل ثقافــة ذات ميــول متشــددة،  وهـو نـوع مـن أسـاليب الحيـاة ومناهجهـا، فمن هنا فالثقافـة والافـكار يمكـن بمجموعهـا أن تمثـل عاملاً مســاعدا، إمــا لنشــر ثقافــة الحــوار أو لنشــر ثقافــة العنــف، وهــذا دليــل قاطــع علــى تأثــر التربية السيئة فــي هــذا المجـال، لذلـك يمكـن أن تسـهم التربية بأعتمـاد العنـف كمنهـج فـي إدارة الحيـاة الفرديـة والمجتمعيـة، يمكـن أن يكـون الامـر عكـس ذلـك عندمـا يتـم اعتمـاد الحـوار السليم والمنهجي والحوار السياسي يساهم في تبديد حالة الجمود التي تعانيها القوى المتحاورة، كما يفتح افاق الحل والمعالجة لحالات ضيق الأفق في مجالات مختلفة، وتحجيم هواجس بعض مع البعض الاخر، ومحاصرة موروثات الماضي، وخلق عوامل الثقة المتبادلة على قاعدة احترام الرأي الآخر.
و الحوار يجب ان يكون ضد كل اشكال الحوار التي تبرر الظلم، وبنظرة فاحصة الى المشهد السياسي العام، نجد ضرورة لتطوير منظومة سياسية فكرية منسجمة، تواكب متطلبات اللحظة التاريخية التي نعيشها، وبدون هذه المنظومة سنبقى نعيش الفوضى السياسية والفكرية، واللهث وراء شعارات وعناوين لا تزيد المحاورين  إلا ابتعادا عن الاهداف المرجوة.